يتطور التعليم الطبى والتدريب لمعالجة الإنسان ورعاية صحته بصفة مستمرة نظراً للظروف الآتية:
إدخال تقنيات جديدة فى التشخيص والعلاج، وكذلك إدخال المنظار الجراحى والإنسان الآلى فى بعض مراحل العلاج، كذلك متوسط عمر البشر الذى يبلغ فى مصر 73 عاماً بين النساء وأقل من ذلك بقليل بين الرجال. ومع القضاء على الأوبئة وتقليل نسبة وفيات الأطفال وتحسن الرعاية الطبية، يزداد متوسط العمر، ولقد تجاوز الثمانين فى بعض البلاد مثل اليابان، وكبار السن لهم مشاكل صحية خاصة تحتاج لتدريب خاص، وكذلك زيادة نسبة المصابين بالأورام وبأمراض الشريان وأمراض الجهاز العصبى والروماتيزم، فضلاً عن الزيادة المطردة فى الأمراض النفسية وحوادث السيارات وإدخال تقنيات جديدة فى التشخيص والعلاج، بالإضافة لأمراض تلوث البيئة نتيجة التصنيع وزيادة المحروقات، وكذلك الأمراض النفسية والأدوية الحديثة فى العلاج.
ولقد اتفق المجتمع الطبى على حاجة الطبيب مدى حياته إلى عدد معقول من الساعات المعتمدة كل خمس سنوات فى مجال التشخيص والعلاج، وإثبات ذلك أمام هيئة معتمدة من الجهات المختصة فى وزارة الصحة والجامعات ونقابة الأطباء قبل السماح له باستمرار الرعاية الطبية للمرضى وتطبيق معايير الوقاية.
ولقد طبقت معظم الدول نظام التعليم والتنمية المهنية المستمرة على الأطباء العاملين فى علاج مواطنيها، وحاولنا نحن على مدى السنوات الماضية تطبيق هذا النظام فى مصر، وتم إعداد مشروع قانون بذلك، ولكنه تعثر لأسباب غير معلومة فى الوقت الراهن. إن دولاً كثيرة حولنا، بما فيها السعودية ودول الخليج، تطبق هذا النظام على أطبائها، ومن بينهم الأطباء المصريون الذين يعملون لديهم.
وتقوم لجنة بالمجلس الأعلى للجامعات بإعداد مشروع قانون، وهو ترجمة حرفية لأحد القوانين الأجنبية، ويصعب تطبيقه فى مصر حالياً، ولكننا فى حاجة إلى قانون أقل تشدداً حتى يمكن تطبيقه، ويمكن أن يتم على درجات متصاعدة.
مثلاً، مشروع القانون الجديد لا يعترف بساعات التدريب والتعليم التى تمولها شركات الأدوية، بالرغم من أن المؤتمرات الكثيرة فى التخصصات الطبية التى تُعقد فى مصر وسفر الأطباء المصريين لحضور مؤتمرات فى الخارج معظمها يتم تمويلها من شركات الأدوية، ولا بد من مناقشة هذا الموضوع.
أولاً: لا توجد جهة محايدة فى تمويل هذه المؤتمرات وتوفير الدعم المادى للأطباء للاشتراك، هناك دول تخصص موارد من موازنة الدولة لذلك، وتوفر دعماً سنوياً لكل طبيب للإنفاق على الاشتراك فى المؤتمرات والدورات التنشيطية فى التخصص، ولكن يمكن للجنة المشرفة على التنمية المستدامة أن تقيّم كل مؤتمر من ناحية الارتقاء بمستوى الطبيب وتفصله عن الدعاية المباشرة لشركة الدواء، ويمكن أن نقترح صندوقاً قومياً تساهم فيه الحكومة والهيئات المختلفة بمبلغ للاتفاق على هذا النشاط، بجانب نسبة من أرباح شركات الدواء تخصص للإعداد للمؤتمرات ومساعدة الأطباء على الحضور، إذ إن طبيباً يعمل فى أسوان ولديه مؤتمرات فى القاهرة يحتاج للسفر والإقامة بالقاهرة ودفع اشتراك المؤتمر، ولا بد من جهة تمول ذلك أو تدفع له مبلغاً شهرياً للإنفاق على التعليم والتدريب والاشتراك فى المجالات الطبية.
المجلس المختص بالتعليم والتنمية لا بد أن تشارك فيه الهيئات المهنية المهتمة بهذا الموضوع، وعلى رأسها وزارة الصحة وفروعها المختلفة: المستشفيات التعليمية، التأمين الصحى، وكالة الصحة للتدريب، الجامعة وكليات الطب والمعاهد، الخدمات الطبية للقوات المسلحة والشرطة، المركز القومى للبحوث، نقابة الأطباء التى يمكنها وضع نظام لمتابعة قيد الأطباء الذين يتابعون التعليم الطبى المستمر، وهل يحتاجون إلى إعادة الترخيص كل عدة سنوات، أو العرض على لجان التأديب، أو أى أسلوب آخر، للتأكد من أن الأطباء سيواصلون هذا الالتزام المهم جداً لصالح المرضى ولصالح الخدمة الطبية وسمعة الأطباء المصريين. وإلى أن يصبح التعليم والتنمية المهنية المستمرة التزاماً عاماً بين الأطباء لا بد من الرقابة، لأنه مع الأسف الشديد يلاحظ فى المؤتمرات، خصوصاً فى الأماكن السياحية أو خارج الوطن، أن الحضور فى جلسة الافتتاح يكون جيداً، ثم بعد ذلك ينصرف الأطباء إلى السياحة والزيارات الأخرى خارج المؤتمر، وفى جلسة الختام قد يكون الحضور قليلاً، وهذا موضوع يحتاج للمناقشة. يحصل الطبيب على شهادة من المؤتمر بالحضور والمشاركة بشرط التأكد من ذلك، وكل مؤتمر يحصل من اللجنة المختصة من مجلس التنمية المهنية المستدامة على شهادة عن عدد ساعات التدريب المتوقع من المؤتمر، مع مراجعة البرنامج والمحاضرين أو المشاركين (هل هناك قيادات مهنية مهمة من الداخل أو الخارج؟).
وأقترح أن يكون هناك توقيع من الطبيب على حضور أى جلسة يحضرها، ويؤخذ ذلك فى الاعتبار عند إعداد الشهادة الخاصة به.
وثمة موضوع آخر، هو أساتذة كليات الطب، خصوصاً كبار الأساتذة الذين يُعتبرون قدوة ومثلاً فى الممارسة، هل يطبق عليهم النظام، أو يؤخذ فى الاعتبار أنهم بالنسبة لمكانهم لا بد أن يتابعوا الجديد فى التخصص، لكى ينقلوا ذلك لتلاميذهم، هل هناك عمر معين للممارس، هل يطبق على كل الأطباء، أو أن الأطباء فوق سن السبعين مثلاً يُعفون من ذلك؟
ختاماً، أرجو أن يلقى هذا الموضوع ما يستحق من رعاية، وأرجو أن تساعد هذه المساهمة المتواضعة فى التعليم الطبى والدراسات العليا والمستشفيات الجامعية وفى التنمية المهنية المستدامة صنّاع القرار فى اتخاذ ما يلزم من قرارات وتشريعات للارتفاع بهذه المهنة ذات التاريخ المحترم، والتى يمكن أن يكون لها دور كبير فى التنمية الإنسانية والحضارية.. والله المستعان.