«القيامة» و«رجب».. «الصوم» عبادة توحد المسلمين والأقباط
صورة أرشيفية
الصوم شرع سماوي لكل الأديان، وحينما شرع القرآن الصوم، أكد أنه كُتب على المسلمين مثل الأمم السابقة، فالغاية من كل الصيام واحدة وهي تحصيل التقوى، ما يؤكد القرب الشديد بين الأديان والشرائع.
ومع بدء الصوم الكبير للأخوة المسيحين، وقرب دخول شهر رجب للمسلمين والذي يستحب فيه الصوم بشكل كبير، ترصد "الوطن" أهم التشابهات والاختلافات بين الصومين الكبيرين في الإسلام والمسيحية:
الصيام في الإسلام:
الصيام الشرعي في الإسلام هو الإمساك عن الطعام والشراب والجماع في وقت محدود وهو من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مع النية، حسب قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
فالصيام وفقًا للآية عبادة شرعت للأمم السابقة وأوجبت علي المسلمين أيضا، وهوما يدل على وحدة الأديان في الأركان، وجعل الله في الأية سبب صيام المسلمين والأمم السابقة واحد وهو حصول التقوي في وقوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
ولفريضة الصيام وقت محدود في الإسلام وهو شهر رمضان فقط، حسبما قال تعالي: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}، وساعات محددة داخل شهر رمضان هي من طلوع الفجر وحتي مغرب الشمس.
وللصيام ركنان الأول: النية، ومحلها القلب، والركن الثاني: الإمساك عن المفطرات من طعام، وشراب، وجماع، من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس.
ويمتنع الصائم في الإسلام كل الأخلاق السيئة وسائر المعاصي كمكروهات يمنع وقوعها من الصائم.
ولا تختلف الفرق والمذاهب الإسلامية من سنة وشيعة في أي من أركان الصيام ومحرماته ومكروهاته وشروطه.
وللصوم في الإسلام شروط، وهي: أن يكون من ينوي الصوم مسلماً بالغاً عاقلاً مقيماً قادراً خالياً من الموانع الشرعية، فلا يجب الصوم على الصغير غير البالغ لعدم التكليف، ولكنه يصح منه، ويكون في حقه نافلة، ولو أفطر في أثناء النهار فلا شيء عليه، ولا يجب الصوم على مجنون، ولا غير القادر لمرض دائم، أو كبر، وعليه إطعام مسكين عن كل يوم، ولا على المسافر، والمريض مرضاً عارضاً، ولكنهما يقضيانه حال زوال عذر المرض أو السفر؛ لقوله جل وعلا: {فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر}، ولا يجب الصوم على الحائض والنفساء، لوجود مانع شرعي.
الصيام في المسيحية:
يختلف الصوم في المسيحية عن الصيام في الإسلام فرغم أن الغاية واحدة وهي التطهر من الذنوب إلا أن طريقة الصيام مختلفة، ويسمح للصائم في المسيحية بالطعام والشراب بشرط الابتعاد عن المنتجات الحيوانية، أما أي طعام عدا ذلك فمسموح به، كما أنه على غير الشائع فإن العلاقة الجنسية بين الزوجين لا تفسد صيام المسيحي.
إلا أن الصوم لدى المسيحيين يختلف بحسب اختلاف الطائفة، فنجد أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تتميز بكثرة فترات الصيام فلديهم صوم الميلاد والصوم الكبير وصوم يونان وصوم العذراء وصوم الرسل، أما الكنيسة الكاثوليكية فلا يوجد لديهم إلا الصوم الكبير، بينما الصيام لدى البروتستانت أو الكنيسة الإنجيلية، فصيامهم يشابة صيام المسلمين ويكون بالانقطاع عن الطعام والشراب والشهوات ويكون الصيام سريا، ويعتبر الصيام في الفكر الإنجيلي نوع من التعبد السري لتحقيق أغراض التوبة وإعادة العلاقة مع الله.
ويقول مينا أسعد، الباحث اللاهوتي بأسقفية الشباب بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، إن عناصر الصوم بالكنيسة تنقسم إلى صوم الجسد وهو عبارة عن مرحلة الصوم الانقطاعي عن الطعام لعدد معين من الساعات، ويلتزم خلالها القبطي بعدم تناول أي اطعمه عدا النباتية تشبها بادم عندما كان في الجنه كان اكله من النباتات والعشب -ويستثني بعض الاصوام التي يسمح بها بتناول السمك تخفيفا- فضلا عن الابتعاد قد الأمكان عن المشهيات.
ويضيف "أسعد"، لـ"الوطن"، أنه "بالإضافة لصوم الطعام يمتنع -إلا في حالات خاصة- الزوجان من التلاقي ليتفرغا بالاتفاق للصلاة، حيث أن فترة الصوم هي فترة للنسك والاعتكاف فيها نمتنع حتى من الأشياء المحلله لنا مثل الأطعمة الفطاري فهي حلال لنا ولكن نحن نمنع أنفسنا كنوع من ضبط النفس والجسد وحتى الأطعمة الصيامي التي نشتهيها في الصيام نمتنع عنها لضبط النفس".
ويتابع "أسعد": "نحن نمتنع عن المعاشرات الزوجية كنوع من ضبط النفس وضبط الشهوات والبعد عن اللذة، وليس لأنها خطية، فالصوم يشمل اللسان والفكر وباق الحواس، وهو صوم روحي يتجنب فيه الإنسان الأفكار الشريرة والنظرة الشريرة والكلمه الشريرة".
وحول شروط الصوم المقبول، أوضح الباحث اللاهوتي أنها تشمل "ألا يكون يستهدف مديح الناس، ألا يكون للافتخار والتباهي، ألا يكون له هدف وطلبات خاطئة، ألا يكون متصل بباقي الفضائل، أن يهدف ليكون وسيلة للتقرب من الله".
وبحسب البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، فإن الصوم المقدس تمارسه الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بنسكيات عالية "نعيش في هذا الصوم ما يسميه البعض بربيع الحياة الروحية أو موسم التائبين"، فيشمل الصوم الكبير غلق الفم عن الكلام والغذاء، ويدخل في هذا التدريب رسائل الموبايل والمكالمات.
ويواصل الأقباط في تلك الأيام ما يسمى بـ"الصوم الكبير"، والذي تبلغ مدته 55 يومًا، ويقسم حسب طقس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، إلى أسبوع الاستعداد، والأربعين يومًا المقدسة، التي صامها السيد المسيح صومًا انقطاعيًا، والصوم الأخير هو أسبوع الآلام أو الجمعة العظيمة، وتقام الصلوات داخل الكنائس الأرثوذكسية في الأسبوع الأول في شكل قداس يومي، أما بداية من الأسبوع الثاني -بداية فترة الأربعين يومًا- فتصلي الكنائس قداسين يوميًا.
وقسمت الكنيسة القبطيةـ فترة الصوم إلى 7 أسابيع وهي: "أحد الرفاع، أحد الاستعداد، أحد التجربة، أحد الابن الضال، أحد السامرية، أحد المخلع، أحد المولود أعمى"، وحددت كل أسبوع يبدأ اعتبارًًا من يوم الاثنين، وينتهي مع نهاية يوم الأحد.
ويمنع في الصيام تناول الأطعمة المشتقة من الحيوانات، كاللحوم، الألبان، البيض، والأجبان، كما يمتنع الصائمون فيه من تناول الأسماك، لتصبح المقليات والخضروات والفواكه هي الأكلات الأساسية المتواجدة على مائدته.
ورغم كثرة أيام الصيام في المسيحية، إلا أن الصيام الكبير له قدسية خاصة، لكونه يسبق قيامة المسيح، حسب الاعتقاد المسيحي، ويعرف كذلك بـ"الصوم السيدي أو الأربعيني"، ويشهد في الأسبوع الأخير ما يعرف بـ"حج الأقباط" إلى القدس، ويفضلون أن يشهدوا أسبوع الآلام للتبرك من رحلة الأسبوع الأخير في حياة المسيح بدءا من أحد السعف ووصولًا إلى سبت النور في كنيسة القيامة بالأراضي المحتلة.