كلمة مريحة للنفس، منعشة للروح، تشنف آذان من يسمعها بقلبه. هى من الكلمات التى يتلذذ بها ناطقها وسامعها، هى باقة منتقاة من حدائق الشغف الإنسانى الذى لا ينبت إلا فى أعلى مرتفعات النفس البشرية، فهناك تجد أريج الحب ينثر شذا عطره ليأخذ الألباب، وتجد منبت التسامح والتعاون والزهد والإيثار يملأ الأرجاء. عند وصولك إلى هذه البقعة وهذا المكان تشعر وكأن روحك هى التى تتكلم وتتحكم وتشير عليك بسلوكياتك، لم يعد هناك من تحكُّم أو احتكام للحس والجسد، قمة التجرد الإنسانى تتبدَّى فى «جبر الخواطر»، فإذا بحثنا عن مفرحات القلوب المجانية ستجدها هناك كامنة فى خواطر الخلق إذا كنت لها جابراً.
ما أسعد لحظات الإنسان الذى يُجبر قلباً منكسراً أو روحاً محطمة أو نفساً ذاقت طعم الذل، بيد أن الحديث عن جبر الخواطر يحرك النفس ويجعلها تعلو وتعلو حتى تحلق فى عنان السماء، ما أجمل لحظات الجبر بعد الكسر، وما أروعه من شعور يحرر النفس البشرية من عقالها. التاريخ مزدحم بقصص وحكايات عن أناس جبروا خواطر الناس، فصنعوا معاً نهراً للخير والحق والعدل والجمال ما زلنا ننهل منه كلما أظمأتنا دروب الحياة. القرآن علمنا وأرشدنا فى أكثر من موقع إلى جبر الخواطر، ألم تتدبر قوله تعالى «وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى»، ألم تقرأ قوله تعالى «وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا»؟!، وهناك الكثير والكثير من الآيات والمواقف والصور والدراما القرآنية التى جبر فيها الخالق العظيم خواطر عباده على اختلاف ألوانهم ومشاربهم. الله هو من خلقنا ويعلم مستقرنا ومستودعنا، يعلم خائنة الأعين وما تُخفى الصدور، هو جابر لكسرنا ومهتم بخواطرنا، وكان نبينا الهادى خير الجابرين حتى مع الجبارين، ضرب لنا المثل والقدوة، تحمّل إيذاء الآخرين وضحك فى وجوه أعدائه وابتسم لمن آذوه، كان يضمّد جراحاً بكلمة أو ابتسامة أو يربت على كتف أحدهم فتسرى فى جسده وثناياه كل معانى الخير.
وعلى درب الحياة مررت بتجارب ومواقف كاسرة للنفس ومحطمة للروح ولم تكن يدا ربى بعيدة عنى، شعرت بيديه ممدودتين ومبسوطتين وماسحتين على القلب والروح والنفس من خلال ظل الله فى الأرض.. هؤلاء الذين يُجبرون خواطر الناس بُغية رضا من خلقهم، استمدوا طاقتهم الإيجابية الوثابة من روح الله ومداد رحمته، وبدأوا ينثرونها فى فرح وسرور على بنى البشر، بيد أننى وجدت من يجبر خاطرى منذ أيام الطفولة والصبا، كانت أمى هى جابرة خاطرى بكلماتها الحانية ولمساتها الدافئة وخوفها على كل تفاصيلى، مررت بأناس كثيرين منهم من كسر بخاطرى طفلاً أو صبياً أو فتى أو شاباً أو حتى مع تقدم قطار العمر وأنا على مشارف الخمسين، وفى نفس اللحظات كنت أرى نور ربى يأتينى وفى معيته أناس آخرون يجبرون كسرى ويربتون على كتفى، وأقرأ من الكون رسالات سلام واطمئنان ومودة تُذهب الحزن وتبعث على الأمل والتفاؤل.
رب كلمة طيبة صادقة من القلب تخرج من فم معطر بالإنسانية المجردة ترمم روحاً كادت أن تتهدم، ربما هناك مشاعر وأحاسيس لا تنمو ولا تظهر إلا فى غيبة العقل والمنطق أو تعطيله مؤقتاً، لكن جبر الخواطر شعور وحيد ينمو ويترعرع فى ذروة العقل والمنطق وتوهج المشاعر والأحاسيس. مؤخراً رأينا رجلاً مصرياً بدرجة رئيس الدولة يرفع راية «جبر الخواطر»، فى بداية حكمه ذهب حاملاً باقة ورد إلى امرأة تعرضت للتحرش والإهانة، بعدها توالت لمساته مع امرأة مسنّة جاءته من أقصى البلاد تطلب أمراً، ثم مع فتاة تحمل على كاهلها ما لا يطيق الرجال، ثم مع امرأة تشبهت بالرجال لتعيش كالرجال. كانت لمساته مع الأيتام من أولاد الشهداء جبراً لخواطرهم، وكانت لقاءاته مع ذوى الإعاقة وجلوسه وسطهم وتفاعله معهم جبراً لخاطرهم.. فهل نقتدى بالرجل؟!
إنها دعوة لننشر فضيلة جبر الخواطر، فهى عادة وعبادة.