خصوصية مصر هى التى تفرض خصوصية الدستور: إن العالم حينما يراجع الدساتير العالمية ينظر بمفاهيم عامة هى أن الدستور عقد اجتماعى بين الشعب والحاكم وهذا لا نختلف عليه ولكن المختلف عليه هو أن يفرض الغرب رؤيته على باقى دول العالم ومن بينها مصر فى كافة المجالات الدستورية، ولنأخذ مثالاً اليابان قبل وبعد الاحتلال الأمريكى سنجد الفارق كبيراً بين الفترتين والتأثير الأمريكى واضحاً جداً فى الدستور والقوانين، وأخطرها إلغاء الجيش وتحويله لحرس وطنى داخلى كأنه شرطة، ومع عزلة اليابان بحرياً لم تنج من التدخل الأمريكى فما بالك ومصر تجاور إسرائيل ربيبة أمريكا والخليج مصدر الطاقة الرئيسى لأمريكا والعالم فهل تتركنا فى حالنا؟ ومن هنا فإن اختلاف الدستور الصينى والهندى والروسى وعدة دساتير ليست بقليلة عن التوجه الدستورى الغربى المبنى على الرأسمالية المتوحشة وأن الفرد ورفاهيته تجب الجماعة ومصلحتها واضح وضوح الشمس، ومصر ليست حالة مستثناة عن هذا الاختلاف.
ولعل مواد حقوق الإنسان وحقوق الأفراد الشخصية تشكل إحدى أهم وسائل الضغط على مصر، ومنها أسئلة الصحفيين التى رد عليها الرئيس السيسى بقوة حادة فى مقولة ستظل عالقة بالأذهان لفترات طويلة «لا تعلمونا إنسانيتنا لكم إنسانيتكم ولنا إنسانيتنا»، فالمعروف أن حكم الإعدام ممنوع فى العديد من الدول الغربية ولهذا استغلت الجماعات المعارضة للنظام تلك الفكرة لتسخين الرأى العام العالمى ضد مصر بعد حكم الإعدام ضد المتهمين بقتل النائب العام، وللأسف فإن العديد من الصحفيين والإعلاميين فى مصر تصوروا أن الغرب يساند الإخوان، ولكن الواقع أن الإخوان استغلوا كراهية الغرب ضد الإعدام وليس ضد مصر، ولذلك سقط الإعلام المصرى فى فكرة المؤامرة الإخوانية ضد مصر، ولو أن الدولة كلفت الملحقين الإعلاميين بكتابة مقال عن دول العالم التى تجيز حكم الإعدام خاصة فى آسيا وأفريقيا والعالم العربى لكان هذا أقوى وأنجح بدلاً من إشاعة أن الغرب مع الإخوان!
2
ولهذا فإن مواد حقوق الإنسان فى الدستور المصرى وإنشاء المجلس القومى لحقوق الإنسان وكفالة الحرية الشخصية المهم إلقاء الضوء عليها، كما أن إلقاء الضوء على دور الهيئات القضائية فى حماية حقوق الأفراد أحد أهم أهداف تعديلات الدستور يشكل نقلة نوعية فى الاقتناع بضرورة التعديلات الدستورية، ومن خصوصيات مصر فى التعامل الدستورى أن الجيش فيها أداة هامة للحفاظ على الدولة وأنها سارت خلف مسيرة كمال أتاتورك فى تركيا الذى ألغى الخلافة الإسلامية بعد تحرك عسكرى للجيش التركى لإزالة آثار الماضى المتخلف لخلفاء الأتراك وفكرة حريم السلطان وقصور الحكم الفخمة وطبقات الشيوخ والمنتفعين والصوفية وأتباع السلاطين، ومن هنا تحركت جيوش مصر وسوريا والعراق وليبيا والجزائر واليمن لإلغاء السلاطين والأمراء والملوك وإعادة الدول للشعوب، وصحيح أن فترات التحول هذه لها إيجابيات ولها سلبيات إلا أنه لا أحد ينكر حجم التنمية الاجتماعية التى تمت وحصول الفقراء على فرص لم تكن متاحة ودساتير تنص على المساواة بين أبناء الوطن الواحد، ومن المؤكد أن المراحل التاريخية التى مرت بها مصر فرضت تعديلات دستورية عبر مرحلة ثورة يوليو مع الرئيس عبد الناصر حتى النكسة ثم دستور السبعينات مع الرئيس السادات حتى ألغى الاتحاد الاشتراكى وأعاد الأحزاب ثم مع الرئيس مبارك حتى إلغاء الاستفتاء على رئيس الجمهورية وجعله انتخابات تنافسية ثم دستور يناير والإخوان المسلمين ثم دستور ثورة يونيو التى قادها الرئيس السيسى بلا غرض سوى إنقاذ مصر، فهل لمثل هذا القائد الذى كان يمكن إعدامه وقتها حينما انحاز للشعب وكان يمكن أن ينافق سلطة الإخوان على حساب الشعب أن يكون له غرض فى تعديل دستورى!؟