«مأساة الدكتورة سهير».. خسرت جائزة «دولية» لغياب «لجنة أخلاقيات محلية»
الدكتورة سهير رمضان
رغم أن خبر الإعلان عن «أول دليل أخلاقى مصرى للتعامل مع حيوانات التجارب» لم يمر عليه سوى أيام، إلا أن القصة، كما تتبعتها «الوطن»، اتضح أنها بدأت قبل ذلك بـ7 سنوات، حين تم ترشيح الدكتورة سهير رمضان، أستاذ الفسيولوجيا بقسم علم الحيوان بعلوم القاهرة، عام 2012 لجائزة لوريل لليونيسكو، وهى جائزة رفيعة، تُمنح سنوياً للنساء الأقل من 40 عاماً، لكن تم رفضها فى نهاية المطاف، رغم أهمية البحث الذى تقدمت به، بسبب «أخلاقيات التعامل مع حيوانات التجارب».
الدراسة التى أجرتها «سهير» كانت مهمة، وتعالج مشكلتين، حيث اعتمدت على استخدام أصداف حيوان رخوى يعيش فى النيل بأعداد كبيرة ويعيق الملاحة، لإنتاج دواء يحتوى على نسبة عالية من الكالسيوم ويعالج هشاشة العظام، وأجرت التجربة على فئران تمت إصابتها بالهشاشة، لبيان أثر المستحضر الجديد فى العلاج، وعندما تمت دعوتها لعمل عرض للدراسة فى مكتب اليونيسكو بالقاهرة، حسبما تروى، «أثنوا عليها جداً بعد العرض»، ولكن فى النهاية سألوها: أين موافقة «الإيكوك» AICUC الخاصة بك، وهو مصطلح اتضح، كما عرفت الباحثة فيما بعد، أنه يعنى «لجنة أخلاقيات التعامل مع حيوانات التجارب»، فأجابت وقتها: «يعنى إيه الإيكوك.. مش فاهمة»، وكان الرد قاسياً: «لو مش فاهمة تبقى غير جديرة بالحصول على الجايزة»، خرجت الدكتورة سهير «منهارة»، على حد وصفها، وعادت لرئيس قسمها آنذاك تسأله عن معنى «الإيكوك»، فأخبرها أن تلك هى المرة الأولى التى يسمع فيها أيضاً عنه، ونصحها بالذهاب للدكتورة خديجة جعفر، الأستاذة بالكلية، التى أصبحت فيما بعد رئيسة للجنة جامعة القاهرة للتعامل الأخلاقى مع حيوانات التجارب، والتى كانت مهتمة آنذاك بهذه الموضوعات، حيث أخبرتها بأنها سمعت عنها، لكن لا تعرف عنها شيئاً، غير أنها دعتها لأن تعملا معاً لمحاكاة ما فعله العالم فى هذا المجال، وهو ما بدأتا السير نحوه منذ ذلك الوقت.
الأستاذة الجامعية: سألونى فين موافقة «الإيكوك» فقلت «مش فاهمة».. والنتيجة: «غير جديرة بالجائزة»
فى رحلة البحث عن اللحاق بالعالم فى مضمار البحث العلمى الذى يستخدم حيوانات التجارب، وخلال رحلة علمية لأمريكا عام 2013، عرفت كل من الدكتورة خديجة جعفر والدكتورة سهير رمضان، من الأمريكان أن مصر، ممثلة فى الهيئة العامة للخدمات البيطرية، التابعة لوزارة الزراعة، وقعت فى 2008 على الميثاق الخاص بما يُعرف بـ«المنظمة العالمية لصحة الحيوان»، واختصاراً بـOIE، التى كانت قد ساعدت مصر وقتها كثيراً فى القضاء على مرض إنفلونزا الطيور، وكان من ضمن ما ينص عليه ميثاق المنظمة أن يكون فى كل مؤسسة تتعامل مع حيوانات التجارب لجنة أخلاقيات للتعامل معها، أو ما يعرف بـ«الإيكوك».
بعد أن عادت «جعفر» تواصلت مع رئيس الهيئة العامة للخدمات البيطرية آنذاك، وتأكدت من أنه وقع بالفعل على ميثاق المنظمة، مُمثلاً لمصر، حيث أرسل لها خطاباً يقول: «لقد وقعت مصر على الميثاق الخاص بالمنظمة، ويتضمن وجوب إنشاء لجان أخلاقيات لرعاية واستخدام الحيوانات فى التعليم والبحث العلمى فى جميع المؤسسات الأكاديمية والبحثية والتعليمية فى مصر»، وهو ما لم يحدث بالطبع، لأن الميثاق، حسب قولها «تم وضعه فى درج ذلك المسئول منذ 2008، ولم يتم إخطار المؤسسات الأكاديمية بذلك، حتى تم اكتشاف الأمر بالصدفة عام 2013».
رغم غضبها من تقاعس ذلك المسئول عن إعلام المجتمع البحثى بالتوقيع وقتها على ميثاق المنظمة، إلا أن رئيس لجنة أخلاقيات التعامل مع حيوانات التجارب بأعرق الجامعات المصرية، تعتبر أن التوقيع على هذا الميثاق كان شيئاً مهماً ولا بد منه، لأننا يجب أن نكون جزءاً من العالم، مشيرة إلى أن تشكيل لجان أخلاقيات التعامل مع حيوانات التجارب، هو جزء من برنامج إذا لم نُنفذه ستنعزل مصر عن العالم.
لا يتعلق الأمر هنا فقط، حسبما توضح جعفر، بالتعامل بشكل إنسانى مع الحيوانات، رغم أهميته، ولكنه يرتبط بفوائد أخرى علمية وصناعية واقتصادية، فضلاً عن اعتبارات أخرى تتعلق بالأمن القومى، فمعنى عدم الالتزام بهذا البرنامج، أن تتأثر مصر سلبياً فى نشر أبحاثها دولياً، ولا يأخذها العالم كمرجع، وهو ما سيؤثر سلباً على وضع جامعاتنا ومراكزنا البحثية، لا سيما أن أبحاثنا بدأ يتم رفضها عالمياً بالفعل منذ 2012.
ومن بين الأشياء الخطيرة التى يمكن أن تتأثر أيضاً، طبقاً لرئيسة لجنة الأخلاقيات، هى صناعة الدواء التى تُعتبر مسألة أمن قومى: «فأنت لا تستطيع أن تُصنع أو تستخدم دواء بدون الحيوانات، لأننا نجرب الدواء على الحيوانات، ولا نستطيع أن ننتج أو نصدر بدون ذلك، وهذه من المشاريع الأساسية التى تستهدفها مصر، فكيف سننفذ ذلك بدون أن يكون لدينا البنية التعليمية والعلمية التى تؤهل لهذا؟».
ربما لهذا السبب، كما تقول إحدى العضوات البارزات فى لجنة أخلاقيات التعامل مع حيوانات التجارب بجامعة القاهرة، التى تم تأسيسها لاحقاً، فإنها، بعد أن عُرفت اللجنة وأعضاؤها، تلقت اتصالاً من شخص ما يطلب منها عدم الاستمرار فى العمل مع الدكتورة خديجة جعفر، عارضاً عليها أن تعمل معه على أن يدفع لها بالدولار، وهو ما رفضته، وفسرته بأن هناك من له مصلحة فى عدم تقدم مصر وألا تدخل هذا المجال، على حد قولها.