«أنيماليا».. متحف خاص لتاريخ النوبة
محمد صبحى داخل متحفه النوبى
أماكن سياحية كثيرة تسحر العقول وتخطف القلوب فى أسوان الساحرة، تجعل زوار «عاصمة الشباب الأفريقى والعربى وعاصمة الثقافة الأفريقية» حريصين على زيارة كل بقاع المحافظة، ولكن الزيارة لا تكتمل دون المرور بجزيرة إلفنتين، وتتضمن أى جولة سياحية لأسوان زيارة قرية نوبية كفعالية سياحية إضافية لا يصحبها تخطيط، فالمرشدون يأتون بالفوج للسير بين بيوت الجزيرة بعد زيارة المناطق السياحية.
محمد صبحى، 68 عاماً، عندما كان يمر بالقرب من الأفواج السياحية كانت تصدمه المعلومات الخاطئة التى يقدمها المرشدون ولا تشبع فضول السياح وتتركهم وسط اعتقادات خاطئة وقصص تشبه الأساطير لا يمكن قبولها، لذا وجد صبحى نفسه مرهقاً بين هذا الفوج والآخر فى محاولة منه لتصحيح المفاهيم، حتى راودته فكرة أن تكون رحلة القرية النوبية من نصيبه، وهو من تجمعت لديه كل الكتب التى تحدثت عن تراث النوبة والامتداد الأفريقى، وحتى يصبح العرض أكثر جذباً حوّل الدور الأرضى فى منزله إلى «متحف أنماليا» عام 2004.
«أنيمياليا» مساحته لا تتجاوز 150 متراً مربعاً، ويعيش فيه السائح جواً نوبياً بامتياز، حيث يصحبه محمد صبحى أو زوجته أو إحدى بناته بين هياكل عظمية لحيوانات مُحنطة من البيئة النوبية مثل الأسماك والتماسيح والزواحف والحشرات، حيث سافر «صبحى» عبر محافظات مصر يبحث عن هذه المحنطات ليشتريها وأحياناً يشترى الحيوان ويذهب به لمتخصصين فى التحنيط إذا لم يستطع هو أو زوجته القيام بالأمر، وبعد نقاش مع أساتذة جامعيين حول حيوانات البيئة النوبية، كان اسم «أنيماليا» وهو من اللغة اللاتينية التى تفهمها كل اللغات.
«صبحى»: تعلمت الإسبانية والإنجليزية والفرنسية للتعامل مع السياح.. وكل يوم عندى أفكار جديدة
أرض «أنيماليا» تلونت بزرقة النيل وعلى حوافها يقف تمساح وحولها تتراص زواحف وحيوانات، وجدار الحائط يظهر كخلفية تبرز صخوراً ومجرى نيلياً، من خلال هذا الديكور أضاف «صبحى» جناحاً عن بحيرة ناصر يحكى تاريخ البحيرة ويسهب فى حديثه إلى زائرى متحفه عن الامتداد الأفريقى لمصر، ويبرز النيل ومنابعه كرابط وعنصر أساسى للحياة، فكل عام يعمل على تطوير متحفه كى يظل قبلة للسياح بعد أن كتبوا ملاحظاتهم لدى شركات السياحة الأجنبية كى تضيف متحفه ضمن كُتيب المرشد Guide Book، وبعد أن أصبح له رواد يحرصون على تقييمه على مواقع السياحة حول العالم بلغات مختلفة، وكانت آخر إضافة أن أنشأ ابن جزيرة إلفنتين ركناً خاصاً بالصخور النوبية والمعادن يثرى التجول فيه بمعلومات جمعها من الكتب والدراسات عن جيولوجيا النوبة، وحالياً يعمل «صبحى» على إضافة غرفة أخرى تتحدث عن ملوك وملكات وأمراء النوبة عبر جمع صور ومعلومات كى يلحق كل صورة بنبذة عن صاحبها.
معايشة الواقع النوبى جعلته يضيف ملحقاً بالمتحف سماه «البيت النوبى»، يعرض من خلاله رسومات لأشكال نوبية ومستلزمات الحياة اليومية فى النوبة قديماً وحديثاً، مثل أدوات صناعة الخبز والزراعة، وقال «صبحى» لـ«الوطن»: «الجزء ده فيه غرفة نوم نوبية وفرن ومكانس وكل حاجة موجودة فى النوبة، خصوصاً استخدامات أجزاء النخلة لأنها مهمة جداً فى حياتنا زى الجريد والسعف والليف، وفى الجزء ده بشرح أهمية المرأة فى مجتمعنا لأنها تعتبر الأساس فى كل حاجة».
ويتابع محمد صبحى الذى تخرج فى كلية الزراعة عام 1974: «شعار حياتى «النُدرة» بتجيب فرص عمل وعلشان كده اتعلمت إسبانى وأنا فى ليبيا علشان كنت عارف إن فيه مشكلة فى مرشدين أسوان اللى بيتكلموا إسبانى، وبعد كده اتعلمت إنجليزى وفرنساوى، وكنت بقرأ على طول لحد دلوقتى لحد ما بناتى بقوا يوصفونى إنى بحب المذاكرة وده خلاهم متفوقين فى دراستهم فى الطب والإرشاد لأنهم طلعوا فى بيت مثقف»، مضيفاً: «بواجه مشكلة فى إنى مش عارف أتواصل مع ناس علشان أشترى محنطات بدل الهياكل اللى بتنتهى، ويا ريت ينفع أشترى من المتحف الزراعى أو من جنينة الحيوانات بدل ما بيحنطوا الحيوانات اللى بتموت ويحطوها فى المخازن يبيعوها لى، وعندى أمل فى إن اختيار أسوان عاصمة الشباب الأفريقى والثقافة الأفريقية هيخلق عندى أفكار جديدة زى ما تعودت كل فترة أضيف فكرة جديدة».