د. سوسن فايد: «مزاجى كده» شماعة للإدمان وجزء من ثقافة فاسدة
د. سوسن فايد
قالت الدكتورة سوسن فايد، أستاذ علم النفس الاجتماعى بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية، إن الإدمان بكافة صوره أصبح ظاهرة خطيرة، وتفاقمت فى المجتمع نتيجة أسباب عديدة، أبرزها غياب التنشئة السليمة والتفكك الأسرى وانهيار منظومة القيم فى المجتمع، مؤكدة أن تغليظ العقوبات من خلال القوانين ليس الحل الأمثل، لأن مواجهة الظاهرة تحتاج إلى توعية واسعة تشارك فيها جميع مؤسسات الدولة والمجتمع، بداية من الأسرة والمسجد والكنيسة وصولاً إلى الإعلام والوزارات والهيئات المعنية.
أجرى الحوار: إمام أحمد
أستاذ علم النفس: "التنشئة الخاطئة" و"التفكك الأسرى" من الأسباب الرئيسية وراء انتشار المخدرات
إلى أى مدى ترين أن ظاهرة الإدمان تشكل خطورة على المجتمع؟
- الإدمان بصوره ومراحله المختلفة انتشر بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، خاصة مع ظهور أنواع جديدة من المواد المخدرة وبأسعار رخيصة، ما ساعد على انتشارها بشكل كبير. وهو قضية تحتاج لوقفة حقيقية وحاسمة، ليس من الأجهزة والمؤسسات الرسمية للدولة فحسب، لكن من المجتمع بكل مكوناته وعلى كل المستويات.
وفى رأيك لماذا انتشرت الظاهرة بهذه الصورة التى تصفينها بـ«المخيفة»؟
- انتشار الظاهرة يعود إلى أسباب كثيرة.
وما أبرز هذه الأسباب؟
- سوء التربية بكل صراحة، الأسرة المصرية لم تعد كما كانت فى السابق، هناك خلل فى الأسرة وقيمها وضوابطها ودور الوالدين فى تنشئة الأطفال، أولاً هناك معدلات طلاق عالية، والطلاق مدخل لضياع الأبناء لأنهم لا يخرجون فى بيئة أسرية سليمة. وحتى بعيداً عن الطلاق الرسمى، هناك تفكك أسرى غير رسمى، الأب والأم يعيشان معاً لكن لا يقومان بدورهما فى رعاية وتربية الأطفال على نحو سليم. إحنا عندنا جيل اتربى غلط، وصلنا إلى مرحلة خطيرة لمجتمع هيتفكك وينهار طالما كل واحد دافن راسه فى التراب، الإدمان نتيجة طبيعة لهذه الأوضاع، كل شاب فاكر نفسه إن من حقه يعمل اللى هو عايزه، وماحدش هيحاسبه، والقول الشهير «أنا بضر نفسى مش بضر حد»، لو اتعلم وفهم صح كان فهم إنه بيضر نفسه وغيره وأسرته ومجتمعه. عبارة «مزاجى كده» باتت شماعة تعلق عليها العديد من المظاهر السلبية أو الجرائم.
فى رأيك ما السبب وراء انتشار هذه الثقافة؟
- التنشئة غير السليمة أورثت الجيل الجديد ثقافة سلبية ومضرة بنفسه وبغيره، وتمت صياغة هذه الثقافة فى عبارات متخلفة على هذا النحو. يعنى إيه «مزاجى كده»، هذه شماعة للأخطاء والجرائم بالفعل، فيه حاجة اسمها «عقلى كده» «أخلاقى كده» «المبادئ والقيم اللى اتربيت عليها كده»، لكن سوء التنشئة إلى جانب أسباب أخرى أدت إلى هذه الثقافة المدمرة.
ما أهم الأسباب الأخرى فى انتشار الظاهرة إلى جانب «سوء التنشئة» داخل الأسرة؟
- الفن شريك فى الجريمة، لأن ما تقدمه الدراما والسينما فى هذا الجانب يحمل رسائل سلبية بنسبة كبيرة جداً، فى مقابل الأعمال التى تحمل رسالة إيجابية أو توعوية أو مفيدة للمتلقى. البطل يظهر على الشاشة وهو يتعاطى المخدرات أو يدخن السجائر أو الشيشة، وبالتالى النشء الصغير الذى يحب هذا البطل ويُعجب به يقوم بتقليده ليعطى لنفسه إحساساً وشعوراً بالقوة والإعجاب. التليفزيون يجب أن يحمل رسالة مفيدة للمجتمع تعالج مشكلاته ولا تفاقمها، وهذا الأمر ينطبق على الإعلام أيضاً الذى يجب أن يضبط بوصلته ويعى خطورة تناول هذه الموضوعات، واختيار الرسالة التى تؤثر بالإيجاب وليس السلب.
الرغبة فى الشعور بالقوة والبطولة تدفع البعض للتعاطى.. وآخرون يحاولون الهرب من المسئولية بـ"تخدير الوعى".. والفن شريك فى الجريمة فما تقدمه الدراما بهذا الشأن يحمل رسائل سلبية
هل الرغبة فى الشعور بالقوة والبطولة هى الدافع أحياناً وراء الإدمان؟
- بالتأكيد، المدمن يستلهم فى عقله نموذجاً معيناً للبطل أو الشخص القوى أو السوبر هيرو، ويلجأ للتعاطى أحياناً حتى يكون هو هذا الشخص الذى لا يهمه أحد ولا يفرق معه شىء، لكن هناك دوافع أخرى أيضاً.
ما أهم الدوافع الأخرى للإدمان؟
- الهروب من الواقع، فمثلاً تجد شاباً يفشل فى التعليم فيلجأ للإدمان، لأنه يحاول أن يهرب من حقيقة فشله تعليمياً، فيضع نفسه دون أن يدرى فيما هو أسوأ من الفشل فى التعليم، وهو المخدرات، فمثلاً رجل أنجب 5 أو 6 أو 7 أطفال، وظروفه المادية أساساً محدودة، وبدأت الأمور تضغط عليه بشدة، فيقوم بإلقاء كل هذا الحمل الثقيل وراء ظهره، ويلجأ إلى تغييب وعيه بالمخدرات ظناً أنها تهون عليه الأمر.