"العهدة العمرية".. مثياق الأمان حولته الإرهابية للجباية وجمع الأموال
صورة أرشيفية
تحاول الجماعات الإرهابية، تصدير رؤيتها الفكرية، على أسس شرعية، ومنها تطبيق الجزية، مستشهدين بالعهدة العمرية التي كتبها أمير المؤمنين وخليفة المسلمين عمر بن الخطاب، لأهل القدس عندما فتحها المسلمون عام 638 للميلاد.
- نص العهدة العمرية:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما أعطى عبد الله، عمر، أمير المؤمنين، أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينقص منها ولا من حيِّزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يضارّ أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود.
على أهل إيلياء أن يُعطوا الجزية كما يُعطي أهل المدائن، وعليهم أن يُخرِجوا منها الروم واللصوص. فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا أمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بِيَعهم وصلبهم، فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بِيَعهم وصلبهم حتى يبلغوا أمنه، فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع إلى أهله، فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم. وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين، إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية.
"الإفتاء" توضح: لا يصح استدعاء المفاهيم الموروثة بعد أن زال السياق التاريخي والعالمي الذي كانت سائدة فيه
وفي تقرير لدار الإفتاء حولها، أكدت الدار أن الجزية كانت حكما شرعيا أمرت به الشريعة باعتباره حقا فرضه الله على أهل الكتاب مقابل ما يقوم به الجيش المسلم التابع لخليفة المسلمين من حماية للبلاد والعباد، أما وإن الخلافة لم تعد موجودة، وحل محلها الدولة بمفهومها الحالي، وصار لكل دولة جيش وفي هذا الجيش يخدم المسلمون والمسيحيون وغيرهم بعد تطبيق مفهوم المواطنة فقد تغير السياق التاريخي تماما.
وأضافت الدار: « بناء على ذلك نقول إنه قد ذهب المحل، والحكم الشرعي يذهب بذهاب محله، كمن قطعت يده؛ فإنه لا يطالب في الوضوء بغسلها، أما في عصرنا الحديث وبعد التغيرات العالمية؛ فإنه لا يصح استدعاء هذه المفاهيم الموروثة بعد أن زال السياق التاريخي والعالمي الذي كانت سائدة فيه، بل وبعد أن حلت محلها قوانين كل دولة، بل وقوانين ومعاهدات دولية ومواثيق عالمية صارت هي الحاكمة بين الشعوب والأمم؛ فلا يجوز أن يهدر العقل المسلم كل هذه السياقات العالمية الاجتماعية والسياسية والقانونية والأعراف الدولية ويطبق مثل هذه الأحكام التي تحتاج إلى أن تدخل في التشريع ويوافق عليها وتصير قوانين معمولا بها حتى يحتكم إليها بعد ذلك في مثل هذه الحالات».
حين عجز المسلمون عن أداء حقوق أهل الذمة وحمايتهم من عدوهم ردوا إليهم ما أخذوه من الجزية لفوات شرطها وهو الحماية
أوضحت الدار في تقريرها، أن ما يقوم به الدواعش ليس من الإسلام في شيء، ولا يمت إلى الشريعة الإسلامية بصلة، وهذا الذي فعلوه باسم الجزية ظلم بين، ولا يصلح الاستدلال عليه بالعهدة العمرية التي فحواها عكس ما ذكروا؛ فإنها تقول: «إن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمن الناس على دمائهم وأموالهم»، وإنما طالبهم بالجزية في مثل هذه المرحلة الزمنية التي كان من المتعارف عليه فيها أن تأخذ الدولة أو من يقوم على شئون البلاد ويدافع عن حدودها من المال ما يعينه على ذلك، ويدفع هذا المال المسلمون قبل أهل الكتاب؛ فإن المسلمين يدفعون الزكاة بأنواعها كما هي محددة في الشريعة، وأهل الكتاب يدفعون الجزية.
وأضافت: حين عجز المسلمون عن أداء حقوق أهل الذمة وحمايتهم من عدوهم ردوا إليهم ما أخذوه من الجزية لفوات شرطها وهو الحماية؛ فقد روى القاضي أبو يوسف في كتاب«الخراج» وغيره من أصحاب السير عن مكحول: أن الأخبار تتابعت على أبي عبيدة بجموع الروم، فاشتد ذلك عليه وعلى المسلمين، فكتب أبو عبيدة إلى كل وال ممن خلفه في المدن التي صالح أهلها يأمرهم أن يردوا عليهم ما جبي منهم من الجزية والخراج، وكتب إليهم أن يقولوا لهم: إنما رددنا عليكم أموالكم لأنه قد بلغنا ما جمع لنا من الجموع، وأنكم اشترطتم علينا أن نمنعكم، وإنا لا نقدر على ذلك، وقد رددنا عليكم ما أخذنا منكم ونحن لكم على الشرط، وما كتبنا بيننا وبينكم إن نصرنا الله عليهم. فلما قالوا ذلك لهم وردوا عليهم الأموال التي جبوها منهم قالوا:«ردكم الله علينا ونصركم عليهم»، وهذا ما فعله محمد سعيد باشا والي مصر في يناير 1855م حينما حط الجزية عن النصارى في مصر مقابل مشاركتهم في الدفاع عن أراضي الوطن.