سيدات تحررن من الأمية ووصلن إلى «أعلى الشهادات» لتحقيق أحلامهن: «الدكتوراه هى الهدف»
سيدات يتعلمن القراءة والكتابة
بحكم بيئتهن الريفية وعادات أسرهن التى ترفض تعليم البنات، حُرم المئات من الفتيات من دخول المدارس فى صغرهن، على العكس من أشقائهن الصبيان، لكنهن لم يستسلمن لواقع الجهل المفروض عليهن، وقررن الالتحاق بفصول محو الأمية لتحقيق أحلامهن التى كانت تزورهن حين يرين التلاميذ ذاهبين وعائدين من مدارسهم، وواصلن كفاحهن حتى أعلى الدرجات العلمية.
«فاطمة محمد»، 33 عاماً، كانت من ضمن المحرومات من التعليم، بسبب خوف والدها عليها، ومنعه خروج بناته من بيته إلا إلى بيوت أزواجهن، رغم حرصه على تعليم أشقائها، لم تستسلم «فاطمة»، وفقاً لكلامها، حيث بدأت فى تعليم نفسها القراءة والكتابة مستعينة بكتب أشقائها، لكنها لم تتمكن من تهجئة الحروف، ما دفعها إلى اللجوء لكبار عائلتها المتعلمين ليقنعوا أسرتها بالسماح لها بالذهاب إلى فصل محو الأمية الذى يبتعد عن منزلها خطوات قليلة: «كانوا خايفين عليا، ومع إصرارى وحبى للتعليم وافقوا إنى أروح المدرسة، وبعد ما أخدت الشهادة، أبويا قال لى مالكيش خروج تانى، لكن أمى دعمتنى وخلتنى أكمّل تعليمى».
حصلت «فاطمة» على شهادة الإعدادية بعد التحاقها بمدرسة قريتهم كطالبة منازل، ومن بعدها الشهادة الثانوية، ومع تغلبها على صعوبة المنهج وعدم حصولها على دروس خصوصية، كانت تواجهها أزمة أخرى تزيد من أعبائها: «أهلى كانوا عايزين يجوّزونى لأن عندى 17 سنة، وعندنا البنت مجرد ما تتم الـ15 بيجوّزوها، لأن الجواز سترة، بس أنا كنت برفض، وعملت معاهم مشاكل كتير لأنى كنت حابة أكمل تعليمى».
"فاطمة": "تحديت عادات الريف فى الزواج.. وأثبت إن البنت زى الولد.. والجواز مش مصير البنت"
رغم التحديات التى واجهت «فاطمة» تمكنت من مواصلة تعليمها بالمرحلة الثانوية، وحصلت فيها على مجموع كبير، مكّنها من الالتحاق بكلية الآداب: «كنت بذاكر فى البيت بعد ما أهلى يناموا، ولما أخدت الليسانس ماصدقتش نفسى، وكملت تعليم وأخدت دبلومات، وبحلم إنى آخد الدكتوراه عشان أثبت لكل الناس إن البنت زى الولد».
«فلاحة فى الأرض» هو ما تعلمته «آمال مصطفى»، 38 عاماً، خلال طفولتها.. اكتفت أسرتها بتعليمها الفلاحة باعتبارها مصدر دخلهم الوحيد، وإرثها فى الدنيا من بعدهم، فضلاً عن عدم اهتمامهم بتعليم البنات، لكن الطفلة الصغيرة مع بلوغها سن الـ15 عاماً كانت تغار من جيرانها الذين يرتدون ملابس موحدة ويذهبون للمدرسة، قررت السير على خطاهم، لكنها لم تتمكن من ذلك بسبب تقدم سنها، حتى نصحتها إحدى سيدات قريتها بالذهاب إلى فصل محو الأمية لـ«فك الخط» وتعلم القراءة والكتابة: «فضلت أدرس حوالى 6 شهور وبعدها أخدت شهادة محو الأمية، سألت الأبلة بتاعتى وقتها: ينفع أكمل؟، قالت لى آه وممكن تدخلى الجامعة زى باقى البنات».
"آمال": "الأبلة فى محو الأمية شجعتنى وأنا عندى 38 سنة إنى أكمل لحد الجامعة"
ظلت فكرة الالتحاق بالجامعة تراود «آمال» التى كان ذلك بالنسبة لها مجرد «حلم» يصعب تحقيقه بسبب أسرتها التى كانت ترفض خروجها للمدرسة والدروس، لكن بإصرارها ورغبتها فى الاستمرار فى التعليم، استطاعت دخول كلية الخدمة الاجتماعية: «كنت بخرج من بيتى قبل الفجر عشان أبويا ما يحسش بيا، وأروّح البيت قبل ما يرجع من الغيط عشان لو عرف كان هيقعدنى فى البيت زى أخواتى، ولولا أمى ماكنتش عرفت أصرف على نفسى».
فى حلمية الزيتون، كانت هناك القصة الأكبر، تحكيها السيدة السبعينية «جمالات صالح»، التى قررت بعد وفاة زوجها بـ10 أيام فقط الذهاب إلى فصل محو الأمية، لتحقق رغبة زوجها الذى كان دائماً يشجعها على تعلم القراءة والكتابة، لكن انشغالها برعايته وأولادها الثلاثة كان يعيقها عن ذلك.. «جوزى كان بيحاول يعلمنى، ويخلينى أقرأ وراه القرآن الكريم، بعد ما جات له جلطة مابقاش يتكلم، ولما مات رحت للفصل عشان أحقق له حلمه».
"جمالات" تنفذ رغبة زوجها الراحل: "رُحت محو الأمية بعد ما مات بـ10 أيام عشان أتعلم زى ما قال لى"
معاناة كبيرة عاشتها «جمالات» ابنة محافظة دمياط، فى طفولتها، تمثلت فى منعها من الذهاب للمدرسة من قبَل أهلها، حتى تزوجت وجاءت إلى محافظة القاهرة لتعيش مع زوجها، الذى كان دافعاً لها للالتحاق بقطار التعليم قبل أن يفوتها، إلا أنها تواجه حالياً مشكلات أخرى أثناء رحلة تعلمها «فك الخط»، من بينها صعوبة استيعاب المنهج الذى تدرسه فى الفصل، فضلاً عن ضعف ذاكراتها، إذ تحتاج إلى تكرار الحروف والكلمات من وقت لآخر، وفقاً لكلامها: «بعد ما بكتب الواجب بقعد أذاكر دروسى، ولو كنت أعرف إن العلام بيفتح الدماغ كنت صممت لأبويا إنى أروح المدرسة من زمان».