«قفَّاص الخارجة».. يصنع الأثاث وأسقف المنازل من «جريد النخل» ويبحث عن «زبون»
«خالد» أحد القفاصين يقوم بعملية التصنيع فى الوادى الجديد
ترك بلدته فى أسيوط.. قصد محافظة الوادى الجديد.. يعرف أن بها فرص عمل أفضل فى مهنته التى تعلّمها منذ الصغر.. 2 مليون نخلة فى أرض الوادى كفيلة بأن تجعله يوقن بسهولة الحصول على المواد الخام اللازمة لصنعته وبأسعار أقل.. «جريد النخل» هو رأس مال خالد أبوزيد محمد.
استقر الحال بالشاب ذى الـ25 عاماً فى قرية «بولاق» بمركز الخارجة، ليبدأ حياة جديدة من هناك بعد أن تزوج إحدى فتيات القرية وأنجب منها ولدين، وبدأ مشواراً شاقاً منذ 18 عاماً وما زال مستمراً، يصنع منتجات جريد النخل بكل أنواعها: مقاعد وأسرّة وطاولات وأقفاص وأسقف المنازل وتكعيبة العنب، وغيرها من المنتجات التى لاقت رواجاً واستحساناً من أهالى المحافظة.
«تعلمت هذه الحرفة منذ 40 عاماً، كان عمرى 3 سنوات، وانتقلت للوادى بحثاً عن لقمة العيش، وبدأت فى تصنيع العديد من المنتجات التى تناسب الحياة الهادئة لأبناء المحافظة»، يذكر «أبوزيد» كيف بدأ قصة مهنته، وكيف تعلم تفاصيلها الصغيرة، مضيفاً: «أقوم بشراء الجريد فى موسم ما بعد جنى محصول البلح، وأشترى (حِمل الجريد)، وهو ما يعادل ألف جريدة، بتكلفة نحو ألف جنيه».
"خالد": السرير بـ50 جنيهاً والكرسى بـ70 وأحلم بـ"معرض وأرض بالمنطقة الحرفية"
أحياناً يكون ثمن شراء «الحِمل» هو تنظيف الحقل من مخلّفات جنى البلح، بحسب «أبوزيد»، الذى أكمل: «أتحمل أنا تكاليف عمال التنظيف والنقل، ثم تبدأ بعدها رحلة التصنيع والبحث عن الزبون الفقير، لأنه هو الأكثر احتياجاً لمنتجاتنا، فأنا أصنع السرير والمنضدة والكرسى وأسقف المنازل وتكعيبة العنب، وبعد ذلك أتجول بالقرى فى كل المراكز لبيعها، والحمد لله تلقى رواجاً بين أبناء المحافظة لأنها رخيصة الثمن وقوية وتتحمل لسنوات طويلة، بشرط أن نسكب عليها الماء من حين لآخر لتتماسك أكثر، لأن جريد الوادى الجديد يختلف عن الجريد فى وادى النيل».
يستخدم «خالد» فى صناعة الجريد بعض الأدوات البدائية، مثل «الهلال» (وهى قطعة مقوسة من الحديد)، وسكين كبير، وماسورة كبيرة، وماسورة صغيرة، وخشبة مربعة ثقيلة.. «علمت أبنائى هذه الحرفة لأعطيها استمرارية، وأضمن حرفة لأولادى يعيشون منها فى المستقبل، ورغم وجودى فى الوادى منذ 18 عاماً فإنه لم يطلب منى أى شاب أو فتاة أن يتعلم هذه المهنة، لارتفاع المستوى المعيشى لأبناء المحافظة بصفة عامة».
يشير «خالد» إلى أن أسعار المنتجات تناسب الجميع، فسعر السرير 50 جنيهاً، والمنضدة أيضاً، والكرسى يصل إلى 70 جنيهاً، فى حين يبيع قفص العيش بـ5 جنيهات، والسقف الذى يكفى منزلاً 80 متراً مربعاً بـ400 جنيه فقط، لافتاً إلى أن هناك إقبالاً شديداً على الأسرّة والأسقف، لأن حالة الناس المادية ضعيفة، لكنهم مقبلون على شراء المنتج لأنه عملى ويتحمل لسنوات تصل إلى 20 عاماً من الاستخدام.
«شاركت منذ فترة بأحد المعارض بالقاهرة عن طريق المحافظة، حيث لاقى المنتج رواجاً كبيراً، لكن لم يتكرر ذلك الأمر»، يكمل «خالد» الحديث عن أهم العقبات التى تواجهه: «أصنع المنتج فى قطعة أرض فضاء داخل الكتلة السكنية، وهى مستأجرة من مالكها، وطلبت مراراً وتكراراً من الوحدة المحلية تخصيص قطعة أرض بالمنطقة الحرفية لقرية بولاق، ولم يتم التخصيص حتى الآن، والسبب الذى نسمعه فى كل مرة هو أن المخطط العمرانى للقرية لم يصل منذ 7 سنوات، كما أن المنتج الخام، وهو الجريد، متوافر لخمسة أشهر فقط طوال العام، ونظل 7 أشهر دون عمل، لأن التصنيع لا يتم إلا بالجريد الأخضر، الذى يجف تماماً بعد أسبوعين».