عندما حدثت ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011 توهمت جماعة الإخوان المسلمين بأن اللحظة صارت مواتية لحكم البلاد، بعد ما يزيد على سبعين عاماً من الصبر، وقيامهم بخيانة الجماعة الوطنية، لكى يصبحوا حكاماً لمصر بمفردهم، بعد توثيق علاقاتهم ببعض القوى الإقليمية والدولية الداعمة لمشروعهم، وانتشوا سريعاً بخمر السلطة، وأرادوا الاستحواذ عليها وتمكين رجالهم وأخونة الدولة، ولهذا خرج عليهم الشعب المصرى فى 30 يونيو لإنقاذ الدين والدولة.
وعقب هذا الخروج حاولوا أن يقدموا عدة مبادرات للصلح، تحت عنوان «عفا الله عما سلف». إلا أنها لم تجد أدنى اهتمام من جانب السلطة المؤقتة بقيادة الرئيس عدلى منصور، وعندما تولى الرئيس السيسى حكم البلاد للمرة الأولى منذ 2014، كانت جماعة الإخوان تراهن على فشله فى تحقيق وعوده للشعب، كما راهنوا على أن شعبيته ستتبخر وتخرج عليه الجماهير مثلما خرجت ضد مرسى وتنتهى رئاسته قبل موعدها.
وعندما فشلوا فى بلوغ هذا الهدف، تحول تآمرهم إلى عدم تمكين الرئيس من خوض الانتخابات لفترة ثانية، لكنهم فشلوا مجدداً بعدما نجح الإصلاح الاقتصادى وتحمل الشعب بصبر دواءه المر، وظهرت بشائر المشروعات القومية الكبرى فى مختلف ربوع مصر، وارتفعت مكانة مصر السياسية فى عالمها كقوة إقليمية كبرى ذات صوت مسموع فى قضايا المنطقة.
وبعدما نجح الرئيس السيسى فى انتخابات الرئاسة لفترة ثانية، اتخذ الإخوان منحى جديداً، له شكل مختلف ومحتوى آخر، حيث لجأوا إلى تصاعد وتيرة العمليات الإرهابية، وعنف الحملة الإعلامية المضللة التى تشنها قنوات الإخوان فى تركيا ضد الدولة المصرية، مع الترويج المستمر لمبادرة إسقاط مؤسسات الدولة وتعطيل أحكام الدستور، وقلب نظام الحكم القائم فى البلاد، وعزل الحكومة والمؤسسات المنتخبة شعبياً ومنعها من ممارسة أعمالها، ثم تأسيس مجلس رئاسى يتولى إدارة شئون البلاد يضم ممثلين عن التنظيم الإرهابى والمتحالفين معه. وفى الوقت نفسه إظهار البكائيات الإخوانية التقليدية وحديث المظلومية.
وفى هذه الأيام تحاول جماعة الإخوان الإرهابية اللجوء إلى رهان آخر وهو رهان الصبر على انتهاء مدة الرئيس الثانية، التى لا تخول له الترشح مرة أخرى طبقاً لما أكده دستور 2014 والذى لا يسمح للرئيس بالحصول على مدد أخرى، وبالتالى يجب الانتظار حتى نهاية المدة الثانية وهى 2022، وبعد ذلك سيتكرر سيناريو التاريخ طبقاً لفهم قيادات الإخوان، فلو نظرنا للتاريخ نجده يبين لنا كيف كانت هناك علاقة تعاون وتحالف بينهم وبين الرئيس عبدالناصر، ثم سرعان ما تحولت إلى صدام عنيف، وكراهية من جانبهم، إلى أن شاءت الأقدار وتم التصالح بينهم وبين الرئيس محمد أنور السادات، وذلك بترتيب من الوهابيين، وكان السادات قد أفرج عن عديد من المعتقلين والمسجونين من تلك التيارات، وسمح لهم بالحركة والنشاط، خصوصاً فى الجامعات، وتم إعادة إصدار بعض مجلاتهم ومطبوعاتهم، وتم إعادتهم إلى وظائفهم، وحصلوا على مكتسبات كثيرة، أعادت الحياة للجماعة، وفى مقابل ذلك صمتوا عن أخطاء سياساته الداخلية والخارجية، حتى تم اغتياله على يد السلفية الجهادية.
وبعد ذلك هادنوا مبارك، وأيدوا مشروع التوريث مقابل مكاسب سياسية، حيث حصلوا على اتفاق عرفى غير مكتوب بينهم وبين مبارك شعاره ألا يزاحموه على الحكم، مقابل أن يتركهم يتوسعون فى المجتمع المدنى. ومع انشغال النظام بالمعركة ضد المتطرفين، قدمت جماعة الإخوان التى كانت محظورة رسمياً نفسها باعتبارها رمزاً للرافد الإسلامى المشارك فى الحياة السياسية، وبسطت سيطرتها على مفاصل مهمة فى المجتمع من نقابات وهيئات ومؤسسات وأندية رياضية.
ثم ركبوا قطار ثورة 25 يناير، وخرجوا على حكم مبارك، عندما وجدوا الفرصة سانحة لذلك. واكتمل مشهد «تكويش» الإخوان على السلطة بفوز مرشحهم محمد مرسى بمنصب رئيس الجمهورية فى يونيو 2012. وخلال عام حكمهم أقصوا كل شركاء الثورة بمن فيهم حلفاؤهم السلفيون، أصدروا إعلاناً دستورياً أمَّم الحياة السياسية تماماً. واجهوا المظاهرات السلمية أمام قصر الاتحادية فى ديسمبر 2012 بالرصاص، وهددوا الإعلام، وأزمعوا توريط مصر فى حروب إقليمية فى سوريا وليبيا، وحاصروا المحكمة الدستورية.
ثار الشعب ضدهم فى 30 يونيو 2013 وخرج بالملايين إلى الشوارع مطالباً فقط بانتخابات رئاسية مبكرة، كما أرادوا بتوجيه صهيو- أمريكى تشكيل كيان ثورى مناهض للحكومة القائمة وذلك فى رابعة والنهضة، وحتى يوم 3 يوليو، كان أمامهم فرصة ذهبية ليكونوا جزءاً من المشهد السياسى، لكنهم أصروا على المعادلة الصفرية، وتحدوا الجميع واعتصموا فى ميدانى رابعة العدوية والنهضة استناداً إلى الوعد الأوبامى، وحينما تم فض الاعتصام بالقوة فى 14 أغسطس 2013، كان الدم هو اللون الوحيد فى العلاقة بينهم وبين السلطة الجديدة وغالبية فئات المجتمع.
الآن، تراهن جماعة الإخوان المسلمين على أن الرجل المقبل بعد السيسى أياً كانت شخصيته، لن يكون بقدر قوته ولا شعبيته بين الجماهير. فسواء كان الرئيس المقبل مدنياً ينتمى إلى تيار سياسى أو مقبلاً من قلب السلطة التنفيذية، أو كان ينتمى إلى المؤسسة العسكرية، يرى الإخوان أن بمقدورهم التعامل معه والضغط عليه أثناء الحملة الانتخابية وما بعدها ليقبل مبدأ الجلوس على طاولة الحوار مع الجماعة، وكأن الدولة والجماعة صنوان على قدم المساواة، وعفا الله عن إرهاب الإخوان.
بل قد يصل الأمر بقيادات الجماعة خارج البلاد وداخل السجون، إلى طرح فكرة إعادة مرسى إلى قصر الرئاسة بعد أن يغادره السيسى، دون إجراء انتخابات رئاسية، وكأن المسألة هى «عركة» بين رجلين! ويظن الإخوان هنا أن مشكلتهم هى مع السيسى وربما مع الجيش، وليست مع الشعب بكل أطيافه الوطنية ومكوناته.
غير أن الرياح أتت بما لا تشتهى السفن، فقد نادت جماعة ائتلاف دعم مصر من خلال هاشتاج عبر مواقع التواصل الاجتماعى بطلب لتعديل بعض مواد دستور 2014 فى مصر، وكانت التعديلات الدستورية المقدمة من ائتلاف دعم مصر بالأغلبية البرلمانية طالبت بمد فترة الرئاسة إلى ست سنوات بدلاً من أربع سنوات وإزالة القيد على تجديدها. واستحداث غرفة مجلس الشيوخ كمجلس الشورى سابقاً. وأيضاً تمثيل المرأة فى البرلمان بنسبة لا تقل عن 25% من النواب، وأيضاً تعيين نائب للرئيس لمعاونته فى تأدية مهامه، بالإضافة إلى التعديلات الأخرى.
وقد استجاب أكثر من ثلثى مجلس الشعب لهذا النداء، حيث أدركوا أن الدستور الحالى رغم إقراره فى ظروف صعبة ضاغطة دستور جيد فى مجمله، لكنه باليقين ليس الأفضل والأحسن، ومن المؤكد أنه ينطوى على عدد من البنود التى تحتاج إلى إعادة نظر. وبالفعل أفاد رئيس مجلس الشعب الدكتور «على عبدالعال» أنه قام بإحالة الطلب الذى قُدم من خُمس أعضاء المجلس وعددهم 120 نائباً من أصل 596 بتعديل بعض مواد الدستور للجنة العامة للبرلمان المكونة من رئيس المجلس ووكيله ورؤساء اللجان.
ماذا تفعل «الإخوان» الإرهابية لو أن مجلس الشعب أيد إضافة مدد أخرى للرئيس بدلاً من مدتين، وعرض هذا الأمر فى استفتاء شعبى، وجاء الاستفتاء مؤيداً لذلك بحجة أن ثمانى سنوات للرئيس السيسى لا تكفى فى إنجاز ما بدأه على كافة الأصعدة الإصلاحية (الاجتماعية والسياسية والصحية والتعليم.. الخ).
أعتقد أنهم سيندمون ندماً شديداً على كل رهاناتهم، وسيندمون أيضاً على أنهم تلاعبوا دائماً بالمشاعر الدينية للمصريين، ووظفوها لتحقيق أهدافهم السياسية.
والسؤال المطروح دوماً: هل هناك مشروع أو خطة جاهزة للتنفيذ عوضاً عن ذلك الذى ننادى به من تعديلات دستورية؟