«كيزان السودان»: يرتدون «مسوح الثوار» بعد الإطاحة بنظام «البشير»
السفير محمد الشاذلى
لا يقل دور تنظيم الإخوان فى انتهاز الثورة السودانية لصالحه عن دوره فى استغلال الثورات التى شهدتها دول عربية من قبل، وهو ما يأتى استمراراً لدور التنظيم فى الصراعات الدائرة فى البلاد وانفصال الجنوب عن الشمال، فضلاً عن الصراع المسلح بالغرب فى «دارفور»، وفى الجنوب فى «النيل الأزرق» و«جنوب كردفان»، والأزمات السياسية والاقتصادية التى تصاعدت طيلة العقود الماضية التى شاركت فيها الحركة الإسلامية المنبثقة عن جماعة «الإخوان» فى مصر.
الحركة لعبت دوراً فى ثورة أكتوبر 1964 عندما تمت الإطاحة بالفريق إبراهيم عبود، وآنذاك تم اكتشاف «حسن الترابى»، زعيمها الراحل، حيث عملت على تحقيق أهداف معينة لها على نهج جماعة «الإخوان»، وكان من بينها أهداف اجتماعية وسياسية تحت مسميات مختلفة مثل «جبهة الدستور الإسلامى» و«جبهة الميثاق الإسلامى» و«الجبهة الإسلامية القومية»، وأخيراً حزب «المؤتمر الوطنى»، هذا الحزب الذى سيطر على السلطة عقب الانقلاب العسكرى فى 30 يونيو 1989، لينشق عنه لاحقاً حزب «المؤتمر الشعبى» بقيادة «الترابى».
«خلق قاعدة اجتماعية عبر بناء رأسمالية طفيلية وانتهاج العنف».. لتحقيق هذا الهدف عمل الإخوان على تثبيت حكمهم فى السودان على مدى عشرات السنوات السابقة بهدف إضعاف الجيش والنقابات العمالية والمعارضة السودانية، إلا أن السيطرة الاقتصادية التى استطاعوا أن يتمكنوا من فعلها كانت تحتاج إلى وعى وتمكين سياسى حتى يستطيعوا الاستمرار، إلا أنه وعلى عادة الإخوان كان الوصول إلى السلطة الهدف الرئيسى، لكن كيفية الحكم ومساعدة الشعوب للوصول لحياة كريمة لم تُدرج فى قاموسهم يوماً ما، بل كان ذلك لأعضائهم ومؤيديهم.
ونتيجة لتلك السياسة خرجت جماعة «الإخوان» فى السودان بآخر إجراء لها، وهو «التبرؤ من البشير»، وأعلنت الجماعة، التى ينتمى إليها الرئيس المخلوع، رفضها بيان وزير الدفاع، عوض بن عوف، الخميس السابق، الذى أعلن فيه عزل «البشير» واعتقاله وإعلان حالة الطوارئ.
"أبوماجدة": الجماعة حكمت 30 عاماً منفردة.. وتسيطر على شركات كبرى وتجارة سلع رئيسية.. و"الشاذلى": سوء الإدارة والحكم سبب الأزمات
وفى بيان للمراقب العام، عوض الله حسن سيد أحمد، نددت الجماعة ببيان «بن عوف» ووصفته بـ«سياسات النظام الفاشلة». وأوضح قائلاً: «طالعنا اليوم نائب الرئيس ووزير الدفاع ببيان فيه التفاف واضح على المطالب الحقيقية لجماهير الشعب السودانى». وقالت جماعة الإخوان فى البيان: «إن إعلان خلع رأس النظام خطوة كبيرة فى طريق الإصلاح والتغيير»، ولكنها أوضحت أنها ضد القيادات العسكرية التى تخلصت منه.
الدكتور عبدالمجيد عبدالرحمن أبوماجدة، الكاتب والباحث السودانى، يقول إن الإخوان على مدار 30 عاماً يحكمون السودان منفردين، وكل ما يحدث هذه الأيام من «انقلاب أبيض» على «البشير» من القيادة العامة للقوات المسلحة لا يعجب الثوار فى الميادين، إضافة إلى البيان الذى تلاه قائد الجيش السودانى، عوض بن عوف، وبعدها بيوم صدرت تصريحات الفريق أول عمر زين العابدين، رئيس اللجنة السياسية بالمجلس العسكرى الانتقالى، التى أكد خلالها أن الحكومة الجديدة فى السودان ستكون مدنية، مشدداً على أن المجلس «لا يطمع فى السلطة»، وأن مهمته الأساسية حفظ أمن واستقرار البلاد.
واستطرد «أبوماجدة»، خلال حديثه لـ«الوطن»، قائلاً إنه وحتى الآن لم يتبين بعد مصير بعض الشخصيات، مثل قادة الحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطنى» من الصف الأول، أمثال الزبير أحمد الحسن، الأمين العام للحركة الإسلامية السودانية، ورئيس المجلس الوطنى السودانى، البروفيسور إبراهيم أحمد عمر، وعلى عثمان طه، النائب الأول السابق لرئيس جمهورية السودان، الذى كان الأمين العام للحركة الإسلامية، والفريق أول عبدالرحيم محمد حسين، وزير الدفاع السابق، الذى كان أيضاً والياً فى الخرطوم، لافتاً إلى أن كل هؤلاء الأشخاص لم يعلم أحد مكانهم ومصيرهم من خلال المجلس العسكرى الحالى.
ولفت الباحث السودانى إلى أن الإسلاميين فى السودان على مدار السنوات السابقة بجانب تأثيرهم فى الحياة السياسية، فإنهم أيضاً يهيمنون على الشركات الاقتصادية وشركات المال، والذهب، والبترول، إلى جانب السلع الاستراتيجية كالغذاء وغيره، وهذا سبب فى ضبابية الأمور الحالية، مشيراً إلى أن الشركات الإخوانية تدير الاقتصاد عبر أجنحتها المختلفة فى كثير من المؤسسات، فضلاً عن السيطرة على العملة، الأمور التى أدت إلى تفاقم الوضع الاقتصادى فى السودان، إضافة إلى وجود المحسوبية التى زادت من تفاقم الأوضاع، ما جعل قيمة الجنيه السودانى تنخفض أمام الدولار وغيره من العديد من العملات الأخرى.
وقال السفير محمد الشاذلى، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن سوء الإدارة وسوء الحكم فى السودان هما سبب الأزمات التى عصفت بالبلاد، لافتاً إلى أن الفترة الماضية كانت أسوأ فترات حكم شهدتها السودان، حيث انفصال الجنوب وتدهور العملة، موضحاً أن «ثمن 5 أرغفة خبز فى السودان كان جنيهاً واحداً، أما الآن فالرغيف الواحد بـ5». وأضاف، لـ«الوطن»، أن هذا الوضع فى بلد تعداده 40 مليوناً وفيه 200 مليون فدان قابلة للزراعة يوضح إلى أى مدى كان الحكم سيئاً، لافتاً إلى أن الإسلاميين كانوا جزءاً من هذا الحكم لأن السلطة كانت متحالفة معهم.