أستاذ «العبرية»: أحذر من ترجمة أى كتاب إسرائيلى خوفاً من تعرُّض القارئ لـ«اختراق صهيونى»
الدكتور إبراهيم البحراوى، أستاذ الدراسات العبرية فى كلية الآداب بجامعة عين شمس
قال الدكتور إبراهيم البحراوى، أستاذ الدراسات العبرية فى كلية الآداب بجامعة عين شمس، إن الإقبال أو الإحجام عن ترجمة اللغة العبرية لا بد أن يخضع لمعيار أساسى وهو النفع والضرر للقارئ العربى، محذراً من مخاطر الترجمة العشوائية التى من شأنها زعزعة أفكار المواطن العربى، وتعريضه لاختراق الفكر الصهيونى.
وأكد «البحراوى»، فى حواره لـ«الوطن»، أهمية التفات الأكاديميين العرب من تخصصات التاريخ والسياسة وعلم الاجتماع إلى ترجمة ودراسة الإنتاج الفكرى لحركة ما بعد الصهيونية فى إسرائيل، لافتاً إلى أبرز الموضوعات التى نحتاج إلى ترجمتها، ودور المؤسسات الرسمية والخاصة فى ذلك الصدد.. إلى نص الحوار:
ما المعايير التى يجب أن تخضع لها الترجمة من الكتب الإسرائيلية؟
- المعيار الأساسى هو التدقيق فى اختيار الموضوعات، فالموافقة والمعارضة على الترجمة تستند إلى مدى نفع أو ضرر القارئ العربى من وراء النص، حتى لا نعرّض القارئ العربى لما يسمى اختراق الفكر الصهيونى، وخشية تأثره بالمفاهيم الصهيونية أو ما يسمونها الحقوق التاريخية، وهذا من شأنه التأثير على القضية الفلسطينية، وترجمنا مؤخراً مشروع كتاب «الوثائق السرية لحرب أكتوبر 1973»، صادراً عن المركز القومى للترجمة، والكتاب يقع فى 6 مجلدات، ويكشف من خلال الوثائق حجم الانتصار المصرى على إسرائيل، فمثل هذه الموضوعات ستكون مفيدة للمصريين لمعرفة الدروس المستفادة من حرب أكتوبر، ومراحل التدريب وإدارة العمليات... إلى آخره، بمعنى اختيار موضوعات تحقق أهدافاً قومية وتفيد القارئ، ولا تحمل أى أيديولوجيات.
إبراهيم البحراوى: ترجمنا الكتاب الإسرائيلى "الوثائق السرية لحرب أكتوبر 1973" لأنه يكشف حجم الانتصار المصرى على إسرائيل
كيف حصلتم على الوثائق السرية؟
- نُشرت عناوين فقط على أرشيف الجيش الإسرائيلى، وحصلنا عليها بطريقتنا دون مخالفة.
ما الموضوعات الفكرية بإسرائيل التى تستحق جهد الترجمة لتقديمها إلى القارئ؟
- هناك تيار فى إسرائيل يطلق عليه ما بعد الصهيونية، وهى حركة إسرائيلية ظهرت عام 1978 عندما سمحت السلطات فى كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل بالإفراج عن الوثائق الرسمية المتعلقة بحرب عام ١٩٤٨، فأسس عدد من الأكاديميين الإسرائيليين أبحاثهم على ما كشفت عنه الوثائق من جرائم ومذابح حقيقية ارتكبتها القيادة الصهيونية ضد الشعب الفلسطينى بتدبير مسبق، ووجدوا أن هذه الوثائق تؤيد الرواية العربية للصراع العربى الإسرائيلى، وتفنّد الروايات الصهيونية التى روّج لها الأكاديميون التقليديون الذين عملوا على تجميل وجه الممارسات الصهيونية، فتميزت هذه الحركة بمواقف نقدية من الطروحات الصهيونية تجاه الشعب الفلسطينى، وأسست نقدها على دراسة الوثائق التاريخية، وهذه المجموعة من الأكاديميين تضم مؤرخين جدداً، وعلماء سياسة، وعلماء اجتماع، توافقوا جيعاً على دراسة هذه الوثائق ولديهم إنتاج علمى غزير، ومن المهم جداً الترجمة عن كتاباتهم التى تستند على وثائق تاريخية من أرشيف الدولتين البريطانية والأمريكية والوكالة الصهيونية التى كانت تدير المعركة.
أقول لطلبة اللغة العبرية إننا نطلع على الكتب الإسرائيلية لا لكى نصدقها بل لإعمال العقل وتعلم النقد
ما الجهات المنوط بها التصدى لمثل هذه المشاريع؟
- المركز القومى للترجمة والمؤسسات ودور النشر الخاصة والمترجم شخصياً، وأوصى أساتذة السياسة والتاريخ والاجتماع العرب بترجمة ودراسة هذه الوثائق، وترجمة الإنتاج الغزير لهذه الحركة، خاصة أن الوثائق تحظى بدرجة كبيرة من الأهمية التاريخية، فضلاً عن قدرتها على تثقيف وتوعية القارئ العربى، وحتى المترجم المحترف إذا بادر بترجمة هذه الكتب، وذهب بها إلى المركز القومى للترجمة، سيرحب بنشر الكتاب.
هل ترى أن خريج أقسام اللغة العبرية مؤهل للترجمة؟
- أى خريج جامعة من أى تخصص يحتاج فترة تأهيل وتدريب، واستشارة أساتذته، حتى يصبح مستقلاً ومحترفاً، لكن مع مراعاة معايير النفع والضرر، وفى أقسام اللغة العبرية نتعرض مع الطلبة إلى المصادر الإسرائيلية، لكنى أقول للطلبة: نحن نطلع عليها لا لكى نصدقها، بل لإعمال العقل وتعلم النقد قبل التصديق.
وماذا عن ترجمة الأدب الإسرائيلى.. هل يحمل قيمة فنية؟
- ترجمت أول كتاب عن الأدب العبرى فى دار الهلال عام 1972، «أضواء على الأدب الصهيونى»، وهو دراسة فى أدب الحرب الإسرائيلى، وضم نصوصاً أدبية وقصائد وقصصاً قصيرة، ومصحوب بدراسة تبين مدى تأثير حرب الاستنزاف المصرية على المقاتل والشخصية الإسرائيلية على السواء، والاهتمام بالأدب العبرى يتم بصورة موسعة فى أقسام اللغة العبرية بالجامعات المصرية، ويستند على دراسة المجتمع الإسرائيلى عن بُعد، والأدب الإسرائيلى ضعيف ولا يستحق الاهتمام، ولكن هناك عدداً من رسائل الماجستير والدكتوراه تحوى نصوصاً شعرية وروائية وقصصية ومسرحيات ترجمها الدارسون لاستخدامها فى النقد التطبيقى، ولكنها من الصعب نشرها فى كتب مستقلة، خاصة بعد أن وقّعنا على اتفاقية الملكية الفكرية من ناحية، والتزامنا بالمقاطعة الثقافية مع الصهاينة من ناحية أخرى، وبالتالى فالطريق المتاح لتحقيق معادلة استمرار المقاطعة الثقافية، مع تحصيل المعرفة الضرورية عن المجتمع الإسرائيلى عبر الأدب، هو طريق الدراسات الأدبية التى تتناول الأدب الإسرائيلى وتقدم نماذج مختارة، حتى لا نقع تحت طائلة السطو على الكتابات الصهونية.
أكاديميون فى تل أبيب أسسوا حركة "ما بعد الصهيونية" وتمكنوا من توثيق مذابح القيادة الصهيونية ضد الفلسطينيين
كيف يمكننا تجنب إشكالية التواصل المباشر مع إسرائيل؟
- على الباحث أو المترجم الحصول على الموافقة من خلال الجهات المصرية الرسمية المعنية، وذهبت للدكتور جابر عصفور وقت توليه رئاسة المركز القومى للترجمة، وطلبت منه الموافقة على ترجمة أحد الكتب الإسرائيلية، وهذه إحدى الطرق عند التصدى للترجمة، أو اللجوء إلى حل آخر وهو الترجمة من خلال لغة وسيطة.
ألا يفقد النص بعض قيمته عند الترجمة من خلال لغة وسيطة؟
- ليست هناك مشكلة، فهناك عدم رغبة فى الاتصال المباشر بالناشر والمؤلف الإسرائيلى، الذى يُعد تطبيعاً ثقافياً، وهذه الطريقة أفضل من عدم الترجمة، ومن الأجدر أن تخضع العملية لأحكام المؤسسات لا الأفراد.
تباينت الآراء حول أشرف مروان بعد كتاب «الملاك».. فما رأيك؟
- كتاب «الملاك» ترجمه اللبنانيون وقدموا طبعة خاصة لمصر، وتم توزيعه هنا، وهذا لا يليق، ويسمى «اختراقاً فكرياً صهيونياً»، وليست هذه هى نوعية الكتب التى نترجمها عن العبرية، فلا يجوز لأى شخص السماح للإسرائيليين بتجريح حرب أكتوبر عبر تجريح الرئاسة المصرية، فأشرف مروان الذى يتناوله الكتاب كان سكرتير المعلومات الخاص بالرئيس السادات، وعلينا أن نعى أن إسرائيل تهدف من وراء الكتاب إلى ضرب نصر أكتوبر، فأشرف مروان بطل من أبطال الحرب ولم يكن عميلاً إسرائيلياً أو مزدوجاً، وقضيتهم ليست أشرف مروان بل رفع معنويات الشعب الإسرائيلى، وتحطيم معنويات الأجيال المقبلة فى مصر، ولا بد للناشر العربى أن يكون على مستوى عالٍ من الوعى، فالكتاب كله أكاذيب.
وكيف نرد على هذه الأكاذيب؟
- بتوعية الرأى العام، وحديثنا الآن هو شكل من أشكال التوعية.