رغم أن تاريخ العلاقة بين الإخوان والإعلام أو بالأحرى تاريخ اعتماد الإخوان على الإعلام يعود إلى البدايات المبكرة لنشأة الجماعة قبل ما يقرب من قرن من الزمن، بإصدارهم أول صحيفة لهم وكانت أسبوعية فى عام 1933، فإن تجاربهم الإعلامية الكثيرة منذ ذلك التاريخ وحتى قبيل ثورة 30 يونيو لم تكن ناجحة ولم تحقق شهرة لدى عموم المصريين باستثناء منتسبى الجماعة، حتى إن قناة مصر 25 التى نشأت مع بداية وصولهم للسلطة لم تستطع تغيير حقيقة فشل الإخوان إعلامياً، رغم كل الدعم الذى تلقته القناة مادياً وسياسياً، ومع ذلك فإن الفترة التالية لسقوط الإخوان بثورة 30 يونيو وما تلاه من قرار الجماعة فى الدخول فى حرب مفتوحة مع الدولة المصرية ودور الإعلام فى تلك الحرب تشير إلى نمط مختلف فى العلاقة بين الجماعة والإعلام، ذلك أن الجماعة وانطلاقاً من أنها فى حالة حرب مع الدولة المصرية أسست برعاية دول مثل تركيا وقطر عدة قنوات تليفزيونية وصحف ومواقع إلكترونية نجحت فى إبقاء الجماعة على قيد الحياة، والمؤكد أن ذلك الدور الذى تؤديه وسائل الإعلام الإخوانية يعبر عن نجاح بالمعايير السياسية أكثر من الإعلامية بكثير، ذلك أن وسائل الإعلام الإخوانية لا تلتزم بأى معايير مهنية تتعلق بالإعلام كمهنة، ولكنها من أجل غاية محاربة الدولة استخدمت كل الوسائل المشروع منها وغير المشروع بالمعنيين الإعلامى والدينى، وإن ظل الخيط الناظم لعمل تلك الوسائل هو إشاعة أكبر عدد ممكن من الشائعات والأخبار المغلوطة والتركيز المبالغ على أى سلبيات أو أحداث سلبية مهما بلغ صغرها، ومع أن الدعم المالى الكبير الذى تتلقاه تلك الوسائل والتنسيق الشديد فيما بينها وتوسيع نطاق تلك الوسائل ليشمل بعض وسائل الإعلام «المحبة» أو المتعاطفة مع الجماعة قد ساعد فى استمرارها وانتشارها، فإن مواجهة الإعلام المصرى لتلك الوسائل ساعد بشكل كبير فى الترويج لتلك الوسائل، فقد قام إعلام الإخوان على نشر الشائعات والأكاذيب ويعرف مسبقاً أن الإعلام المصرى وأحياناً بعض المؤسسات الرسمية سيسارع إلى الرد على تلك الأكاذيب، ودون التقليل من أهمية تفنيد أكاذيب الإعلام الإخوانى إلا أن الاكتفاء بذلك وجعله منهجاً فى التعامل مع ذلك الإعلام أدى إلى تزايد الحديث والاهتمام بوسائل الإعلام الإخوانية، ومن ثم كثر الحديث حتى من قبل الإعلام عن ارتفاع نسبة مشاهدة تلك القنوات رغم عدم وجود أى دليل مادى على ذلك.
يقال دائماً إن الهجوم خير وسيلة للدفاع، وفى الحرب الإعلامية مع الإخوان وداعميهم لا بد على الأقل من التوازن بين الدفاع والهجوم، والهجوم المقصود هنا ليس الهجوم على أشخاص الإعلاميين فى وسائل الإخوان، ولكن الهجوم بمعنى سحب بساط تحديد الأجندة وموعد المعركة من تلك الوسائل، وذلك من خلال التركيز على استهداف تاريخ الجماعة الدموى وعلاقاتهم بالدول الغربية ومصادر التمويل التى يحصلون عليها وموقعهم من حيث خدمة الدين والتوقف عن استغلالهم للدين وتوظيفه فى السياسة، وما لا يقل أهمية عن ذلك هو ضرورة التركيز على «تعرية» النظامين القطرى والتركى الداعمين الرئيسيين للجماعة، الأمر الذى من شأنه أن يضع إعلام الجماعة فى موقف الدفاع على الأقل لكى يؤمن مصادر التمويل وضمان الاستضافة فى تركيا وقطر.
إن الاستمرار فى سياسة الدفاع أو رد الفعل فى التعامل مع الإعلام الإخوانى هو الذى خلق «أسنان» وأظافر للإعلام الإخوانى وأعطاه الفرصة لتقوية تلك الأسنان والأظافر التى ينهش بها الرأى العام المصرى، إضافة إلى الرأى العام فى عدة دول يغازلها الإعلام الإخوانى عبر خطاب مصاغ بعناية لخطب ود تلك الدول وإقناعها بأن الجماعة سلمية ومظلومة وتستحق الدعم فى مواجهة الدولة المصرية! وهو الخطاب الذى يغيب فى مقابله خطاب إعلامى مصر قادر على التواصل مع الدوائر الغربية، سواء للرد على خطاب الإخوان أو استمالة تلك الدول للخطاب المصرى، وتزداد خطورة التأخر فى التواصل مع الإعلام والرأى العام الدوليين فى ظل ما أكده الأستاذ ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، من أن وسائل الإعلام الأجنبية تتأثر بشدة من وسائل الإعلام التابعة لجماعة الإخوان، وبما تنقله من أكاذيب، وهو الأمر الذى يتطلب من كافة مؤسسات الدولة أن تنفتح بصورة أكبر وتتفاعل بصورة أكثر مع الإعلام الأجنبى، وإمداده بالحقائق والمعلومات الصحيحة، الأمر الذى من شأنه دحض تلك الشائعات والأكاذيب، كما أكد أن «اختراق الحواجز» مع الإعلام الأجنبى، والتفاعل الإيجابى معه بصورة منظمة عبر الأدلة والمستندات، سيجعل الدولة المصرية ومؤسساتها تنجح فى كسب الجزء الأهم فى المعركة الإعلامية ضد مصر، وفى النهاية فإنه لا شك فى أن الإعلام لديه من القدرات والكفاءات ما يمكنه من «تقليم أظافر» الإعلام الإخوانى الهش مهنياً، شريطة الانطلاق من أن المسألة مسألة حرب حقيقية لا تقل خطورتها وأهميتها لمواجهة الإرهاب وتأمين الدولة المصرية عن المعركة الجارية لاستئصال بقايا الإرهابيين على الأرض.