بعد أقل من 48 ساعة من ضرب 4 ناقلات أمام سواحل الفجيرة، وصل الفريق محمد بن زايد آل نهيان، ولى عهد أبوظبى، رئيس المجلس التنفيذى، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة لدولة الإمارات، إلى بلده الثانى مصر. لم يذهب إلى واشنطن أو موسكو أو باريس أو لندن.
لماذا جاء الشيخ محمد بن زايد لمصر؟
يدرك الرجل، الذى درس العلوم العسكرية فى كلية «ساند هيرست» البريطانية، وتعلم بها فنون القتال والخطط العسكرية والتاريخ العسكرى وعلوم الاستراتيجية، أن منطقة الخليج العربى التى تعد أكبر خزان استراتيجى للنفط والغاز فى العالم بحاجة دائمة إلى قوة ردع ودفاع قادرة على تأمين الإنتاج ونقله عبر مسارات آمنة بحرية أو برية.
ويدرك الرجل، الذى درس فى مصر وتلقى بها دراسته العليا العسكرية، أن جيش مصر هو صاحب أكبر قدرة على التعبئة والتجييش والحماية للمنطقة، خاصة أنه جيش وطنى محترف يعبر عن نظام حكم معتدل يحارب التطرف والإرهاب التكفيرى ويقوده زعيم وطنى ذو خلفية عسكرية عميقة.
ويدرك الرجل أن حكمة والده الأب المؤسس الشيخ زايد (رحمه الله) كانت تجعله يوصى أبناءه جميعهم، وبالذات ابنه الثالث فى الترتيب «الشيخ محمد»، بضرورة الارتباط العضوى والتلاحم الدائم مع مصر ودعمها بلا حدود أو حساب.
وأدعى -بتواضع- أننى أعرف بعض الصفات الشخصية لهذا الرجل الذى يمكن من خلالها فهم «قانون الفعل ورد الفعل» عنده، ويمكن قياس وتوقع كيف سيتعامل مع ملف التهديدات وأعمال التخريب التى ترعاها إيران ضد بلاده وضد السعودية عبر وكلائها فى المنطقة.
محمد بن زايد رجل قوى، ولكن يتخذ قراراته بحسابات دقيقة. وهو رجل مواجهة وليس رجل مهادنة، لا يسكت على الإساءة لبلاده ولا يرضح للابتزاز، ولا يعقد صفقات على حساب سلامة أمن بلاده القومى أو أمن مواطنيه.
محمد بن زايد رجل اعتدال وتسامح وانفتاح بمنظور عصرى، لكنه فيما يختص بأى تهديد أو ابتزاز أو ضغوط ضد سيادة وطنه فهو متشدد بشكل لانهائى.
لو كان من هؤلاء الذين يعقدون أى صفقة إقليمية بأى ثمن من أجل «شراء سكوت الخصوم أو اتقاء شر الأعداء» لكان قد هادن قطر عندما اكتشف خلية الإخوان المسلمين فى بلاده، أو لهادَن الأتراك وما أوقف أكبر اتفاق تجارى معهم بسبب موقفهم من ثورة 30 يونيو، أو لما شارك فى حرب اليمن واعتبرها حرباً سعودية محضة.
لو أراد المهادنة لما وقف مثل الجبل الصامد أمام إدارة أوباما حينما حاولت تصوير ما حدث فى مصر يوم 30 يونيو 2013 على أنه انقلاب.
لو أراد المهادنة لاتقى شر إيران وعقد معها صفقات، وسكت على احتلال الجزر، وعقد معها ارتباطات شبيهة بارتباطات سلطنة عمان مع النظام الإيرانى.
لو أراد المهادنة لما حارب الإرهاب التكفيرى فى ليبيا وتونس ومالى وتشاد.
يدرك الرجل أن مستقبل المنطقة يكمن فى التنمية والتقدم عبر الدول الوطنية المستقلة البعيدة عن الطائفية والمذهبية والإرهاب التكفيرى واستخدام الدين فى خطط شيطانية ومشروعات تخريبية تهدف إلى التقسيم والفوضى.
ويدرك الرجل، الذى يفهم فنون الحرب الحديثة، أن لديه 368 طائرة مقاتلة وقاذفة وناقلة ومروحية واستطلاع من أحدث ما أنتجت ترسانة الأسلحة فى العالم، إذا أضيف إلى ما يملكه شركاؤه فى مصر والسعودية يجعل من هذا الحلف صاحب أقوى قوة نيران فى المنطقة.
ويدرك الرجل أنه إذا كانت إيران تحرك ميليشيات مدعومة، فهى -بلا شك- تتجنب أى حرب نظامية قد تكون على أراضيها أو سواحلها.
من يعرف الشيخ محمد بن زايد يعرف أنه قليل الإدلاء بأحاديث أو تصريحات، لكنه يكثر من العمل الدؤوب المرهق على مدار الساعة مما يجعل من يعملون معه يلهثون من فرط الإرهاق.
ومن يعرف الرجل يعرف أنه يختار كلماته، بعامة، بعناية شديدة خاصة إذا كانت فى مجال الأمن القومى أو الشئون الاستراتيجية، لذلك لا بد من التعمق الشديد فى النص الذى قاله الرجل فى القاهرة منذ ساعات بحضور الرئيس السيسى.
قال الشيخ محمد: «إن التحديات والمخاطر التى فى المنطقة تحتاج إلى تحرك عربى فاعل وناشط».
وعاد وأشاد بالدور المحورى الذى تلعبه مصر ضمن منظومة الأمن القومى العربى بصفتها قوة عربية كبرى لها حضورها المؤثر فى الساحتين الإقليمية والدولية.
وأكد البيان المشترك أن استهداف الإمارات والسعودية هو استهداف لأمن المنطقة والعالم.
ويدرك الرئيس السيسى جيداً وبعمق أن ما يحدث الآن فى المنطقة هو أمر تتحمل مسئوليته كل القوى الدولية الفاعلة فى العالم لأنه يؤثر فى ثروة وإمدادات النفط والغاز والتجارة للعالم ككل.
ولكن خبرة الرئيس السيسى الاستراتيجية وفهمه الجيد للعمق العربى يجعلانه دائماً يدرك أن العالم لن يساعد من لا يساعد نفسه أولاً، وأن المشروع العربى هو أساس أى تحرك دولى، وهو الضمانة الأولى والركيزة التى لا بديل عنها لأى أمن إقليمى.
يؤمن محمد بن زايد بالمشروع العربى المعتدل، ويؤمن بأن هذا المشروع هو الذى يمكن أن يقف أمام «مشروع توسعى فارسى» يسعى للسيطرة على عقول ومقدرات المنطقة.
يؤمن محمد بن زايد أن تماسك تحالف «أبوظبى- القاهرة- الرياض- البحرين»، هو ركيزة إقليمية أساسية لمواجهة مشروعات شريرة تأتى من أنقرة والدوحة وطهران وكل القوى الميليشياوية المتحالفة معهم فى المنطقة.
يخطئ من يراهن على أن ضرب الناقلات فى الفجيرة أو عملية الطائرات المُسيَّرة فى «أرامكو» سيجعل محور التحالف العربى أكثر قبولاً لأى تسوية بأى ثمن تفادياً لشرور وأخطار وتهديدات إيران وحلفائها.
الذى يراهن على ذلك لا يعرف تركيبته النفسية، والتماسك القتالى فى عقول ونفوس عبدالفتاح السيسى ومحمد بن زايد ومحمد بن سلمان والقوى الشعبية التى يعبرون عنها.
إنها المواجهة وليست التراضى، إنه الرد الحاسم وليس التخاذل، إنه الثبات على المبدأ وليس التفريط، إنها القوة وليست الضعف.
ولمن لديه أدنى شك فيما قلت وأقول الآن عليه أن يراجع بدقة البيان المشترك لزيارة ولى عهد أبوظبى لمصر، وتصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسى الحاسمة القاطعة حول ما تراه مصر خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوزها فى أمن دول الخليج والمنطقة.
والأيام المقبلة خير شاهد على ما جاء فى هذا البيان.