لعل تجهيز مسرح العمليات فى الخليج العربى هو خبر الساعة فى العالم الآن، ومع وصول قطع البحرية الأمريكية فى مواجهة المياه الإقليمية الإيرانية بدأت التكهنات تتزايد حول اقتراب موعد عمل عسكرى لطالما تم التلويح به ضد إيران، تسريبات كثيرة عرفت طريقها إلى الصحافة العالمية على مدار عام كامل تتحدث عن شكل وتركيبة تحالف جديد لمواجهة إيران.. فى المقابل قامت إيران خلال الأسابيع والأشهر القليلة الفائتة بتجهيز مسارح عمليات بديلة ووسيطة خارج الأراضى الإيرانية وتحديداً فى العراق ولبنان واليمن وقطاع غزة عبر وكلاء إقليميين لها بما يمكنها من إدارة عدد من المعارك الصغيرة الموجهة والمؤثرة من خلال استخدام صواريخ بعيدة المدى.
وفى تقدير موقف لمايكل نايتس بمعهد واشنطن أوضح أن عمليات نقل الصواريخ الإيرانية إلى الخارج اتبعت نمطاً مميزاً - أولاً، يتمّ توفير صواريخ المدفعية بعيدة المدى (ويتم تحديثها أحياناً بدقة أفضل)، ثم تضاف إليها الصواريخ البالستية قصيرة المدى. وعندما يتطلب الأمر مدى أطول، تم توفير صواريخ بالستية طويلة المدى. ولا تساهم هذه الزيادات فى مدى الصواريخ فى رفع عدد الأهداف التى يمكن الوصول إليها فحسب، بل تسمح أيضاً بتخصيص سلسلة من مواقع الإطلاق تكون أوسع نطاقاً ويصعب توقّعها. إن تفويض الوكلاء الإقليميين بتجهيز منصات الإطلاق يتيح لإيران زيادة عدد الضربات بأقل مخاطر مقارنة بإطلاق النار من أراضيها أو باستخدام عناصر إيرانية. وتبرز عدة أمثلة على هذا النمط:
لبنان:
يعود تزويد إيران لـ«حزب الله» اللبنانى بالصواريخ البالستية، التى تُعتبر أبرز سلاح تمدّ به إيران وكلاءها، إلى عقود طويلة. فبحلول عام 2006، كان الحزب قد بنى ترسانة ضخمة؛ أبرزها صواريخ قصيرة المدى، إلى جانب بضع مئات من صواريخ المدفعية «فجر- 5» التى يصل مداها إلى 75 كيلومتراً، وصواريخ «زلزال -3» بمدى 300 كيلومتر، وصواريخ سورية من طراز «إم - 600» (التى هى نسخ من الصواريخ الإيرانية «فاتح-110») بمدى 300 كيلومتر. وخلال الحرب مع إسرائيل عام 2006، أطلق «حزب الله» حوالى 4 آلاف قذيفة عبر الحدود. وتشير التقييمات الحالية إلى أن ترسانة الحزب من الصواريخ المدفعية طويلة المدى تبلغ فى الوقت الراهن بضعة آلاف وأن ترسانته من الصواريخ البالستية قصيرة المدى تصل إلى بضع مئات، علماً بأنه أضيف إلى بعضها ميزة التوجيه الدقيق وزُرعت فى مناطق مأهولة.
غزة:
زوّدت إيران حركتَى «حماس» و«الجهاد الإسلامى» فى فلسطين، بالصواريخ وبالقدرة على إنتاجها وإصلاحها محلياً، بما فيها صواريخ «فجر-5» (التى تُعرف أيضاً باسم «إم-75») بمدى 75 كيلومتراً. وتمّ إطلاق هذه الصواريخ من غزة تجاه «تل أبيب» الشهر الماضى، كما أُطلق وابل من الصواريخ ذات المدى القصير على إسرائيل فى 4 و5 مايو الجارى.
سوريا:
زوّدت إيران حلفاءها فى سوريا بصواريخ جاهزة وبالقدرة على إنتاجها، بما فيها صواريخ «إم-600» يصل مداها إلى 300 كيلومتر. وفى مايو 2013 تردّد أن إسرائيل ضربت مستودعاً مخفياً من صواريخ «إم-600» بالقرب من دمشق. وبحلول عام 2018، كانت إيران قد نشرت منشآت تصنيع ومنصات إطلاق وذخائر فى سوريا، مما دفع بالقوات الإسرائيلية إلى استهدافها. ورداً على ذلك، أطلق وكلاء إيران عشرات الصواريخ على إسرائيل فى مايو 2018، فضلاً عن صاروخ ثقيل (ربما «إم-600») فى يناير 2019.
اليمن:
منذ أن اندلعت الحرب الراهنة فى اليمن عام 2015، علّمت إيران الحوثيين كيفية إنتاج صاروخ مدفعى من طراز «بدر-1P» بمدى 150 كيلومتراً، وكيفية تحويل صواريخ «SA-2» إلى صاروخ «قاهر-1» بمسار حر وبمدى 250 كيلومتراً وصاروخ بديل من طراز «قاهر- M2» (ما يعادل الصاروخ الإيرانى «توندار -69») بمدى 400 كيلومتر. كما أرسلت نسخةً من صاروخ «قيام-1» البالستى قصير المدى (يسميه الحوثيون «بركان 2-إتش») بمدى ألف كيلومتر. ووفقاً لمنظمة الأمم المتحدة، صنعت «مجموعة الشهيد باقرى الصناعية» الإيرانية هذا الصاروخ بشكل خاص لكى يتمكّن الحوثيون من ضرب «الرياض» ومدن سعودية أخرى. ونقلت الأمم المتحدة أيضاً أن إيران زوّدت المتمردين بمعدات لإنتاج المؤكسد المستخدم فى هذه الصواريخ البالستية قصيرة المدى العاملة بالوقود السائل وذات المدى الأبعد.
العراق:
يتصاعد القلق فى دوائر الاستخبارات العراقية والأمريكية والإسرائيلية من قيام إيران سرّاً بتزويد صواريخ مدفعية طويلة المدى إلى ميليشياتها الوكيلة فى العراق، بما فيها «كتائب حزب الله» و«حركة حزب الله النجباء» اللتان صنفتهما الولايات المتحدة على لائحة الإرهاب، وربما «منظمة بدر» أيضاً. وتفيد بعض التقارير أن هذه التنظيمات الوكيلة الشيعية قد طوّرت استخداماً خاصاً لقواعد آمنة فى محافظات ديالى مثل (معسكر أشرف) وصلاح الدين (معسكر سبايكر) وبغداد (جرف الصخر) وكربلاء (الرزازة) وواسط (الصويرة). ومن المسلّم به على نطاق واسع أيضاً أن الميليشيات طورّت خط تواصل وتحكم يمتدّ إلى إيران عبر ديالى، يسمح لها باستيراد الصواريخ والمعدات من دون موافقة الحكومة أو عِلمها أنظمة التوجيه الدقيق قد تكون قريباً فى طريقها إلى العراق.
مؤكد أن اشتعال الأمر ووصوله إلى الصدام العسكرى المباشر يشكل كارثة إقليمية بكل المقاييس، تربك الكثير من الحسابات وتعيد صياغة المفاهيم السياسية والاستراتيجية فى المنطقة.. وهو ما يدفعنا إلى البحث فى كيفية الحفاظ على المصالح المصرية فى خضم هذا المشهد.
أولاً: العناصر الحاكمة للموقف المصرى فى منطقة الخليج
تشكل منطقة الخليج العربى أهمية خاصة لمصر بما تمثله من ثقل فى المنظومة العربية، فضلاً عن ملايين العمالة المصرية المقيمين فى دول الخليج العربى، كذلك شكلت «الرياض» و«أبوظبى» على وجه التحديد شركاء جادين لمصر فى معركتها الأساسية ضد الإرهاب ومن خلفه جماعة الإخوان وتنظيمها الدولى من جهة وكذلك فى معركة التنمية وتحقيق الاستقرار وبالتالى فإن القول بأن أمن الخليج العربى جزء من الأمن القومى المصرى ليس مبالغة ولكنه أمر واقع.. وبالتالى مصر لن تسمح ولن تقبل بالاعتداء على أى دولة خليجية لكنها لن تشارك فى أى تحالف يتم تشكيله لتوجيه عمل عسكرى ضد إيران وهذه قناعتى وبنيتها على سمات الشخصية الإقليمية لمصر وهى ليست وليدة اللحظة.
ثانياً: التداعيات على الجوار المباشر لمصر
مصر وفى خضم معركتها ضد الإرهاب من جهة والسعى لتحقيق تنمية حقيقية من جهة أخرى كانت وما زالت تعانى من محيط جغرافى غير ملائم لطموحها وهو ما دفعها إلى اتباع سياسة هادئة ومتزنة للحفاظ على مصالحها، إذ يتسم الجوار المباشر لمصر سواء فى قطاع غزة أو السودان أو ليبيا بحالة عدم استقرار واستقطاب وسيولة.
هذا الجوار الجغرافى معرّض إلى خطر حقيقى فى حال اشتعال الحرب مع إيران سواء قطاع غزة المتباين فى ولاءاته أو السودان المرتبك أو ليبيا التى اقتربت من لحظة الحسم، وبالتالى من الصعب أن تقبل مصر تغيير معادلات جرت لصالحها فى جوارها الجغرافى أو أن يتم التأثير أو استغلال جوارها الجغرافى فى التأثير على مسارها التنموى، ومن المؤكد أن أى استهداف للمصالح المصرية من قبَل الجوار سيقابل برد فعل مصرى حاسم.
ثالثاً: المواجهة مع تركيا فى شرق المتوسط
أثبتت الأحداث صدق رؤية القيادة السياسية المصرية وسلامتها بعملية التحديث الشامل التى جرت للقوات المسلحة المصرية وبالأخص للبحرية المصرية، وجرت عملية التحديث بينما كان البعض فى الداخل المصرى يتحدث عن جدواها فى ظل الظرف الاقتصادى الصعب.. الآن ظهرت أهمية امتلاك القدرة بعد العداء المعلن الذى تباشره تركيا ضد مصر بعد نجاح مصر فى ترسيم حدودها البحرية مع قبرص وتمكنها من اكتشاف واستخراج ثرواتها الضخمة فى مياه المتوسط، وهو الأمر الذى قضى على الكثير من الأحلام التركية والقطرية على حد سواء.. تسعى تركيا إلى إيقاف الصعود المصرى فى ظل مؤشرات تقول إن مصر ستكون مركز الطاقة فى الشرق الأوسط وبالتالى تسعى إلى تغيير الأمر الواقع الذى فرضته مصر، وقبل أيام أطلقت تركيا أكبر مناورة بحرية فى تاريخها والتى حملت اسم «ذئب البحر»، وفى اليوم نفسه كانت مصر تعلن تدشينها الكورفيت الشبحى الثالث، «المعز» من طراز «Gowind -2500».
الخصوصية والأهمية اللتان تشكلهما منطقة شرق المتوسط دفعتا الكثير من القنوات الإخبارية والمراكز البحثية للتحدث عن احتمالية المواجهة المصرية التركية فى هذه المنطقة وقدمت العديد من التقارير والأوراق شملت حصراً ورصداً للقدرات العسكرية للبحرية المصرية مقارنة بنظيرتها التركية، وجميعها أكدت أن عملية التحديث التى جرت للبحرية المصرية جعلتها تتفوق على نظيرتها التركية، وذكرت قناة روسيا اليوم، فى تقرير لها فيما يخص البحرية المصرية، أن من الممكن القول إنها تتفوق على البحرية التركية فى كم التسليح وقوته، حيث تمتلك البحرية المصرية حاملتى مروحيات من طراز «ميسترال»، وغواصات ألمانية حديثة من طراز «تايب»، وفرقاطات «فريم» و«أوليفر هازرد»، وزوارق صواريخ مثل «مولنيا» الروسية التى تحتوى على صواريخ «موسكيت» الأسرع من الصوت، وزوارق «أمباسادور».
بالإضافة إلى ذلك، اكتملت أعمال بناء وتجهيز الكورفيت الشبحى المصرى الثالث «المعز» رقم 981 وسمى «Gowind-2500»، وتبلغ إزاحته 2600 طن وطوله 102 متر وعرضه 16 متراً وسرعته القصوى 47 كم/ساعة ومداه الأقصى 6850 كم.
ولا تتوقف قدرة البحرية المصرية على الفرقاطات وزوارق الصواريخ، ولكن القوات المصرية تمتلك قدرات دعم جوية كبيرة تتمثل فى المقاتلات والمروحيات الهجومية، مثل مقاتلات «الرافال» الفرنسية، و«ميج-29» الروسية، و«إف-16» الأمريكية، بالإضافة إلى مروحيات «كا-52» الروسية الهجومية، وغيرها من وسائل الحرب الإلكترونية.