للمحبين طرق.. «البهنسا».. مدينة الصحابة ومقصد المحبين و«البسطامى والشبلى وأبومحارة» يقودون «أهل الخطوة»
مقام أبوجعفر يستقبل الزوار
روحانيات رمضان فى المنيا تجسدها الوحدة الوطنية، حيث نجد فناناً مسيحياً ينشد الأغانى الدينية والأشعار الصوفية، ومواويل تراثية يتخذها أهالى المنيا سلاحاً لمواجهة الأغانى الهابطة تعظيماً وتقديساً لشهر الصيام، تصدح بها أصوات المنشدين والفرق الغنائية الشعبية فى المناسبات التى يقيمها الأهالى طوال الشهر، سواء المناسبات الدينية أو الأفراح العائلية.
وبالإضافة إلى مشروع «صليب الصوفى»، ظهرت فرقة للإنشاد الدينى، وتضم 6 أشقاء سوريين، وهم «أبو موفق، وأبوياسر، وأبوطارق، وأبوبهجت، وأبومالك، وأبومحمود»، وتُعرف الفرقة باسم «الإخوة أبوشعر»، أو فرقة «الصحابى أبوأيوب الأنصارى»، وتقيم الأفراح للشباب بالمجان فى شهر رمضان، كنوع من المجاملة، خاصةً بعد ارتفاع أسعار قاعات الأفراح والمناسبات العامة بشكل جنونى. أما المسحراتى فينتظر حلول شهر رمضان كل عام، ليطوف شوارع القرى والمدن قبل ساعات قليلة من موعد أذان الفجر، لإيقاظ النائمين لتناول السحور على إيقاع الطبلة، التى تجمع حوله الأطفال، لإيقاظ النائمين استعداداً لتناول وجبة السحور فى ليالى رمضان، لا ينظر إلى أى مقابل مادى، أو عطايا من الأهالى، فقد عقد نية على أن المهمة التى يقوم بها خالصةً لوجه الله تعالى.
جرت العادة فى مختلف قرى محافظة المنيا على إحياء ليالى شهر رمضان بإقامة الموالد فى حب الرسول وأولياء الله الصالحين، وحلقات الذكر و«الحضرات» الليلية، التى تشهد أداء الأناشيد الدينية، وإقامة الولائم، والوفاء بالنذور، ففى بقعة من أطهر بقاع الأرض بقرية «البهنسا»، التى ارتوت بدماء شهداء المسلمين الأوائل أثناء الفتح الإسلامى لمصر، توجد قباب الشهداء والصحابة، التى يقصدها مئات المحبين خلال شهر رمضان، للتبرُّك بها، حيث تُعد المنطقة متحفاً تاريخياً لعصور مختلفة، آخرها العصر الإسلامى، ووجدت بها آثار تدل على تاريخ هذه الفترات المتعاقبة على مصر.
المنيا.. شهداء الفتح الإسلامى والسبع بنات فى حمى "أم النور"
تقع قرية «البهنسا» على بعد 15 كيلومتراً من غرب مركز بنى مزار، على الجانب الغربى لـ«بحر يوسف» فى محافظة المنيا، وتشتهر بجباناتها وتلالها الأثرية وموالد الأولياء والشهداء، وكانت ذات مكانة مهمة فى العصر الإسلامى، حيث حضر إليها أكثر من 10 آلاف من المسلمين الأوائل، من ضمنهم نحو 70 ممن شاركوا فى «غزوة بدر»، بالإضافة إلى عدد كبير من الأمراء والسادات وأصحاب الرايات، ودُفن فى أرض «البهنسا» نحو 5 آلاف صحابى، وذكرها على باشا مبارك فى «الخطط التوفيقية» بأنها مدينة كانت لها شهرة عظيمة، وكانت وقت فتحها العرب المسلمون عالية الجدران حصينة البنيان، وكانت لها أبواب أربعة، ولكل باب ثلاثة أبراج، كما كانت تضم العديد من القصور والمساجد.
ومن أبرز «قباب البهنسا» قبة «أبوسمرة»، وترجع إلى الشيخ عبدالغنى بن سمرة البهنسى، أحد علماء الأزهر الشريف فى العصر المملوكى، كما توجد قبة «الشيخ الخرسى»، أحد علماء «البهنسا» فى العصر العثمانى، ولقب بـ«الحبر»، لكثرة علمه ونبوغه، بالإضافة إلى قبة «السيدة رقية»، وهى من «آل البيت» الذين تنتشر مشاهدهم فى مصر، وكذلك قبة «يحيى البصرى»، التى تقع بمكان مرتفع، وكذا قبة «محمد الخرسى»، ويوجد بها مسجد «الحسن الصالح»، وهو ابن على زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب، كما توجد بعض العملات الذهبية التى ترجع لعصر الخليفة الفاطمى الحاكم بأمر الله، وغيرها من التحف المنقولة والآثار الثابتة، وكل ذلك له أبلغ الأثر فى تعريف العالم بأسرار الحضارة المصرية القديمة والحضارة الإسلامية.
حضر إليها أكثر من 10 آلاف من المسلمين الأوائل منهم 70 شاركوا فى "غزوة بدر".. و5 آلاف صحابى يعطّرون ترابها
وتُعد قرية «زهرة»، بمركز المنيا، من أكبر القرى التى تضم عدداً كبيراً من المنتمين للطرق الصوفية، خاصة «الرفاعية» و«البيومية»، ولا يكاد يمر يوم فى رمضان دون إقامة موالد الذكر، التى تبدأ عقب صلاة التراويح، وتنتهى بحلول الفجر، يفد إليها الصغير قبل الكبير، ويأتى المحب والفقير من كل صوب وحدب، للسهر مع الأناشيد الدينية، على دقات الطبل ونغمات المزمار، وروائح العود والبخور، وبحسب فتحى فاشورة، عامل نظافة، يحرص على حضور موالد الصوفية، فإن هذه الليالى تتميز بمشاهدها الروحانية، التى يعشقها وجميع أفراد أسرته، مؤكداً أنه يحرص على قضاء جميع ليالى رمضان فى الموالد وحلقات الذكر، ولا يفوته أن يصطف وسط المحبين لأولياء الله الصالحين.
أما الحاجة هند محمد فأكدت أنها لا تترك مولداً أو حضرة بالقرية دون أن تقدم الأطعمة والمشروبات للمحبين والزوار، طمعاً فى أن تحل البركة والرزق على منزلها البسيط المتواضع، على حد وصفها، مشيرةً إلى أنها تشعر بسعادة كبيرة أثناء حضورها مثل هذه الموالد طوال شهر رمضان، وتوزيع «النفحات الرمضانية» على روادها، فيما قال الشيخ ربيع زهير، مسئول إحدى الطرق الصوفية بمركز أبوقرقاص، لـ«الوطن»، إن «مجالس الذكر والحضرات من الاحتفالات الرمضانية التى تجسد حب المصريين لشهر رمضان الكريم، ونمارس هذه الطقوس حباً فى الرسول فى هذه الأيام المباركة، لأنها لا تتعارض مع الشرع»، معتبراً أن «هذه الاحتفالات تزيح الهموم وتنسى الآلام والأحزان».
ومنذ القدم عُرفت محافظة المنيا باسم «منيا الفولى»، نسبةً إلى الشيخ أحمد الفولى، الذى يقع ضريحه ومسجده على كورنيش النيل وسط المدينة، وقد مر على إنشاء المسجد أكثر من 400 سنة، ويتوافد عليه الأهالى من شتى بقاع المحافظة، قاصدين الصلاة والتبرُّك والدعاء خلال شهر رمضان، حتى إن بعض المرضى وأصحاب الحاجات يقومون بزيارة المقام وقراءة الفاتحة أمام الضريح بغرض التبرُّك به.
الشيخ ربيع عبدالعظيم، نائب «الطريقة الرفاعية» لبندر المنيا، أكد لـ«الوطن» أن كثيراً من المحبين يتوافدون على مسجد «الفولى» طوال رمضان، من أجل زيارته والتبرُّك به، ويحرص المئات من أهالى القرى والأحياء الشعبية بالمنيا على حضور جميع الصلوات المفروضة فى المسجد طوال رمضان، وأداء صلاة التراويح والتهجد، حيث أكد أحمد جلال، أحد أبناء المدينة، أنه اعتاد كل عام صلاة التراويح فى مسجد «الفولى»، لأن والده لا يتوقف عن الحديث عن بركات وكرامات الشيخ، ما دفعه إلى أن يدخل الضريح مع عدد من زملائه للدعاء بسعة الرزق لأسرته، والنجاح فى الامتحانات.
الحاجة حميدة محمد، 65 سنة، تحرص على تحضير كل ما لذ وطاب من الطعام والفطائر والحلويات فى ليالى رمضان، وتتجه إلى ضريح «السيدة سلمى»، بوسط مقابر قرية «الزاوية القبلية»، حيث يسود اعتقاد لدى معظم الأهالى فى قرى شرق النيل بمحافظة المنيا أن الجبل قد انشق لـ«الست سلمى»، ودخلت فيه، ثم أغلق عليها، أثناء هروبها من الكفار الذين كانوا يريدون إيذاءها، وفى نفس المكان تم تشييد مقام لها، يشبه كهفاًً فى بطن الجبل، وتوجد أعلى المقام بقع حمراء يقال إنها من دمائها، ويتم تجديد المقام فى كل عام خلال شهر رمضان، وتحرص «حميدة» على الاحتفال مع أبنائها وأحفادها عند المقام سنوياً، ولا تعود إلى منزلها قبل أن تفرغ من توزيع كل ما أحضرته من أطعمة.
ولفت ياسر عبدالوهاب، نائب الطريقة «البيومية»، إلى أن بعض السلفيين يحاولون منع الأهالى من زيارة الأضرحة خلال شهر رمضان، ويحذرون البسطاء من زيارة المقابر، ولكن عادةً لا يستجيب الأهالى لهم، خاصةً أن الغالبية يمارسون هذه العادات التى توارثوها عن آبائهم وأجدادهم، مشيراً إلى أن من أبرز الأضرحة التى يقصدها البعض فى رمضان؛ ضريح «الشيخ الفولى» بمدينة المنيا، و«أبومحارة»، و«القطيعى»، و«الحميلى» فى قرية «زهرة»، و«أبواليزيد البسطامى»، و«أبوبكر الشبلى» بقرية «بنى موسى»، التابعة لمركز المنيا، ومقام «السيدة زينب» بقرية «صفط الشرقية»، ومقام «أبومدين الغوث» فى قرية «بنى عبيد» بمركز أبوقرقاص، ومقام «الإمام القرطبى» بمدينة المنيا، ومقام «الست سلمى»، بمقابر «زاوية سلطان» بالجبل الشرقى بمركز المنيا.