حسن راتب بـ"صالون المحور" في أمسية رمضانية: الصوم عبادة فوق العادة
حسن راتب
قال الدكتور حسن راتب رئيس مجلس إدارة مجموعة قنوات المحور، إن الرسول محمد - صلى الله وسلم-، هو الرحمة المهداة إلى هذه الأمة، حيث علمنا أشياء كثيرة منها الحب والإيثار وإنكار الذات، وكل من اقتفى أثره وعاش على هديه ربح، مؤكداً أن هذه الليلة المباركة من النفحات وأن الصوم عبادة فوق العادة، لأنه يغير الرتابة، فالإنسان يأكل ويشرب كل يوم ولكن الصوم يغير الحال إلى حال، ويقطع رتابة الحياة بالصيام.
جاء ذلك خلال كلمته في أمسية رمضانية تحمل عنوان "الصوم.. عبادة فوق العادة"، في إطار برنامج النشاط الثقافي الرمضاني الذي ينطمه صالون المحور الثقافي، بحضور الدكتور مصطفى الفقي مدير مكتبة الاسكندرية، والدكتور مفيد شهاب وزير المجالس النيابية والشؤون القانونية الأسبق، والدكتور حازم عطية الله محافظ أسبق. وقدم المنشد الديني محمود هلال، وفرقته، سهرة رمضانية عبر مجموعة من الأناشيد والابتهالات الرمضانية.
عبادة فوق العادة
وأوضح الدكتور حسن راتب، أن الله سبحانه وتعالى اختص الصوم لجلاله وعزته، لأن لكل شيء غذاء، فكما جعل الله للبدن غذاء، فإن للعقل غذاء وهو الثقافة والمعرفة، وللنفس غذاء المجاهدة، وكذلك للقلب غذاء وهو ذكر الله، أما غذاء الروح هو الصيام، ولأن الروح قبس من نور الله، فهى الربوبية التي توجد في الإنسان، وهي الحول والقوة والتي تجعله مفضلا على كثير مما خلق.
وأشار إلى أنه عندما أراد سيدنا موسى أن يرى ربه، أمره بالصوم ثلاثين يوماً ثم زادهم عشرا وأتمهم أربعين يوماً حتى يجهز روح النبي لهذا اللقاء العظيم، وشتان بين لقاء موسى، وبين لقاء رسول الله، مضيفاً أنه شتان بين الطالب والمطلوب، فسيدنا موسى كان طالباً أما رسول الله كان مطلوباً.
وذكر أنه لابد أن نتعلم جميعاً درسا أراد المولى -عز وجل - أن يعلمه للخلق أجمعين أن بني آدم فُضّل على كثير ممن خلق تفضيلاً، فهناك خلق آخر من الملائكة وحملة العرش والعليين، لكن عظمة النبي، أنه فضله على كل الخلق تفضيلاً، فعندما صعد مع جبريل الأمين سيد الملائكة، وخرج معه، قال له: يا محمد إذا عبرت اخترقت أما أنا إذا عبرت احترقت، حتى جبريل لم يصل لهذه المنزلة.
وتابع:"الطروحات التى تطرح عندما التقت الذات المحمدية بالذات العلية، كان قاب قوسين أو أدنى، فمنزلة رسول الله عظيمة"، لافتاً إلى أن الصوم عبادة فوق العادة لأنها تغذى الروح، ومن فضل الله علينا أن جعل ليلة القدر فى الوتر الأخير من العشرة الأخيرة من رمضان حتى يكون جُهّز الإنسان للاتصال ببارئه.
وشدد "راتب"، على أن الأعمال ليس بكثرتها ولكن بكيفيتها وإخلاصها، مردفاً: شمروا عن ساعدكم لأن الأيام المقبلة يرحل رمضان وكل يوم يمر والسنين تكر وينتهي عمر الإنسان، قائلا إنه شتان بين ذكر الله لك وذكرك لله.
وألقى "راتب" الضوء على "إحياء علوم الدين" للإمام الغزالي، موضحاً أنه يؤكد أن الدين خلق للمعاملات أكثر منه للعبادات، وعظمة الدين أنه جُعل ليخلق مجتمع يستطيع أن يسود، وقد ساد العالم.
وقال: "بالرغم من أن الصلاة عماد الدين، وأن أركان الإسلام خمسة، وليس أركان المسلم، فالمسلم يستطيع أن يتخلى عن 3 أركان من الدين ويظل مسلم، لأن الحج لمن استطاع إليه سبيلا، ومن لم يستطع سقطت عنه فريضة الحج، حتى الصوم فمن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر، ومن لم يكن لديه ما يزكي به سقطت عنه الزكاة".
واستطرد: "العلم علمين، علم يجتهد الإنسان ويكتسبه، وعلم مطلوب، وعلم التقوى ويطلق عليه علم اللدني ويمنحه الله لعباده الصالحين، ولا أقول سراً أن من أعلم أهل الأرض الآن فضيلة الدكتور علي جمعة".
الذكر والفكر
ومن جانبه أشاد الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية الأسبق، بالأمسية الرمضانية التي ينظمها صالون المحور، مقدماً الشكر للدكتور حسن راتب رئيس مجلس إدارة مجموعة قنوات المحور، لما يجمعنا عليه من خير وهذه العادة الرمضانية التي نلقى فيها الأحبة.
وأضاف خلال كلمته في الأمسية، أن مصدر علماء المسلمين في معرفتهم إما أن يكون كتاب الله المنظور، وهو الكون، أو كتاب الكون المستور، وهو القرآن، وذلك أخذا من القراءتين الموجودتين في أول ما أوحى الله لنبينا، "اقرأ باسم ربك الذي خلق"، وجعل الخلق مصدراً للمعرفة، "الذى علم بالقلم" والقلم هو الوحي.
وأوضح أن الكون صدر من الله خلقاً، والوحى صدر من الله أمراً، ويقول ربنا سبحانه وتعالى :"ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين"، وهذا الذي جعل المسلمين عبر القرون لا يجدون فارقا بين العلم ومكتسباته وما يصل إليه كل حين من أسقف معرفية مختلفة وبين الدين، ولا يزال القرآن لا تنتهي عجائبه، وما زال النص الذي يفهمه البدوي بفهم معين، ويفهمه عالم الكمياء بفهم آخر، وما زال نفس النص لا يتعارض مع حقيقة كونية ولا مع حقيقة شرعية، يراعي كل الأسقف المعرفية مهما اختلف عبر الزمان وهذا هو الإعجاز الحقيقي لكتاب الله.
وأشار إلى أن المسلمين ظلوا يأخذون من هذين المصدرين وهما الكون والقرآن، وتبين لهم من تدبر الكتاب والسنة، والله سبحانه وتعالى جعلهما النص المقدس الذي ينبغي للمسلم أن يرجع إليه محاولاً الكشف والفهم فيما لا يعارض هذه الأكوان المحيطة، وجدوا أن الإنسان مكون من جسد نفخ فيه ما يسمى "روح الله"، والإضافة للتشريف وليس أن الله سبحانه وتعالى يقوم بروح، فهو ليس له روح، بمعنى أنه قائم بنفسه "الحي القيوم" لا يحتاج إلى روح أو نفس أو مثل هذه الأشياء التي يحتاج إليها المخلوقات خاصة الحية منها، وبذلك بث الله الروح في الجسد، وبث فيها ما أسماه الله بـ"النفس".
ولفت إلى أن العلماء تأملوا آيات الكتاب ووجدوا هذا المركب الثلاثي "جسد داخلها روح، وداخل الروح نفس" كأنها طبقات، وإذا غادرت الروح الجسد أسميناه بالموت، حيث غادرت روحه جسده، وحينما تغادره فإنها تغادرها بالنفس، والذي يدرك ويتطور ويتدهور هو النفس، فهناك نفس أمّارة بالسوء، وأخرى لوامة وملهمة وراضية ومرضية ومطمئنة وكاملة، وهم سبع درجات تفصيلا نجملهم في ثلاثة "اللوامة والأمارة والملهمة".
وذكر أن النفس الأمارة بالسوء، بمجموعة من الإجراءات بينها الرسول تتحول إلى النفس اللوامة التى تلوم الإنسان وتدعوه إلى الخير، موضحاً أن الخطاب في القرآن يكون للنفس وليس الروح، حيث الروح في الإنسان والبهيمة، أما المعول عليها هي النفس، والذي يخرج من الإنسان حين النوم هو النفس، "هو الذي يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها"، أما الروح فمعادها الأجل المسمى وهو ميعاد الموت، الذي كتبه الله على البني آدم وجعل الدنيا له اختبار وابتلاء".
وتابع: "بعد ما قرروا ذلك، أجابوا على ذلك البرنامج الذي يجعل النفس تتحول من الأمارة للوامة ومن اللوامة للملهمة ثم الراضية والمرضية والمطمئنة ثم النفس الكاملة، والذي يحول هذه النفس بهذه الكيفية، هو السير في طريق الله، ونريد أن نسير ونفر وبسرعة نحو الله سبحانه وتعالى".
وأردف: "قالوا لنا أول ذلك الذكر والفكر، فالذي يجعل الإنسان ينتقل من النفس الأمارة للوامة، هو الذكر والفكر"، موضحاً أن الرسول يقول "لا يزال لسانك رطباً بذكر الله" وترك لنا العشر الطيبة "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله" وتسمى بالباقيات الصالحات لأنها تبقى مع العمل الصالح وتعلن عن إيمان الإنسان بالقضية العليا لهذا الكون ومراد الله من خلقه، وكذلك "إنا لله وإنا إليه راجعون واستغفر الله وحسبنا الله ونعم الوكيل والصلاة على النبي".
واستطرد: "هنا تنفجر في القلب الأنوار وتتكشف له الأستار والأسرار ويحدث له الإلهام ويرى بنور الله سبحانه وتعالى ما لا يراه غيره من الغافلين عن ذكر الله، وسمى القرآن ذكراً، وجعل هذا الشهر هو شهر القرآن، وبين لنا رسول الله أن بقراءة كل حرف منه لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف، والقراءة تكون باللسان أو السماع أو العين دون التحريك وعلى كل واحدة عشرة من فضل الله، وكل هذا قد يستكثر بعض الناس، وذلك أنه خلق الإنسان ضعيفا، من أنت أين أنت فى مساحة الأرض أو السماء".
واستكمل: "الإنسان ضعيف، ومن أجل ذلك كان الفضل من عند الله كبير، ويستكثر الناس أن تكون الألفاظ حامية لهذه الكيفيات، ولكن الله خلق خلف هذا العاالم المنظور، عالم غير منظور فيه من الأسرار والأحوال ما يجعل كل ما أمرنا بها في ظاهر الأمر له معنى".
وواصل :"الذكر والفكر كانت هي المرحلة الأولى، ثم تكلموا عن التخلى والتحلي، تخلى قلبك من القبيح وتحلى قلبك بالصحيح، ويعبر الإمام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين، بنحو المهلكات والمنجيات، تتخلى من المهلكات وتتحلى بالمنجيات، المهلكات كالحقد والبغض والكراهية، والتي يفر منها الإنسان العاقل وليس المسلم فقط، التخلي والتحلي يحدث التجلي".
وتابع : "الأمر الثالث، بعد الذكر والفكر، والتخلي والتحلي، هو ما يسمى عند أهل الله من المجربين، ترك الأربعة، ويعنون به قلة الطعام والمنام والكلام والأنام، فالنبي كان لا يأكل كثير، وعدوا مدى صيامه، ووجدوا أنه يصوم في السنة 180 يوماً، أي نصف العام، كأنه كان يصوم يوما ويفطر يوما، وهو أفضل الصيام صيام نبي الله داوود".
وأردف: "نهى رسول الله عن صيام الدهر إلا لحاجة، فقلة الطعام كانت تتمثل في قول النبى: بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، وحسبه العلماء من المعدة 180سم، فإذا اكتفينا بتلك اللقيمات فهو القدر المناسب، وما ملأ بن آدم وعاء شرا من بطنه، وإن كان لا بد فاعلا فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه، وكان لا يأكل حتى يجوع".
واستكمل: " الروح داخلها النفس، وعندما تجدها تقل قيودها مع الجسد، فإن هذه القلة تجعلها أكثر شفافية وأكثر روحانية، وكذلك قلة المنام، فأصبح قيام الليل جزءا من منظومة المسلم الذي يسعى في الطريق إلى الله، وكذلك قلة الكلام، وهو الاعتكاف، عبادة لله، فعندما يخلو الإنسان بنفسه وبربه يحدث له التفكر السليم، وتقيه الشواغل التي طحنتنا في هذه الحياة الدنيا".
وتابع :"رمضان جمع بين كل هذا، وربنا نهانا عن اللغو، فوقف العلماء عند قلة الكلام، فالكلمة تملكها، وإن نطقت بها ملكتك، فقلة الكلام نوع من أنواع الحكمة، وألف بن أبي الدنيا كتابا ضخما جمع ما ورد عن رسول الله، عن فضل الصمت، فلا تتكلم إلا لحاجة، وهو تربية لأن يكون التفكر قبل النشاط، وبلية العصر الذي نعيشه سبق النشاط على الفكر، فهناك فجوة بيننا وبين أولادنا، فاندمجوا مع الإنترنت، فالعلة أن النشاط هو الأساس ولا مجال للفكر، فيذهبون للألعاب ثم ينتحرون أو ينضمون لداعش أو يلحدون، فإذا سبق النشاط الفكر انتهى الأمر وذهب الإنسان".
واختتم: "لو لاحظنا رمضان نجده فرصه لهذه الأربعة للبدء بها، وفرصة بها معونة، كل الناس صائمة، ومن هنا يسهل على الإنسان أن يغير الإلف، ونصل للعنوان الصوم عبادة فوق العادة".