صيامنا.. وبهجتنا..«المحمصية» حلوى الغلابة.. و«الحباش» ملك السفرة بـ«البهارات والطحينة»
«الحباش» خلطة بهارات يستخدمها سكان المدن الساحلية بكميات كبيرة
بحسب الإمكانيات المادية يبتكر الأهالى فى تقديم الطعام والشراب، ففى البحيرة اعتاد الأهالى منذ قديم الزمان على أكلة لا يعرفها الكثير خارج المحافظة، وهى «المحمصية» التى يحرص على توفيرها الأهالى فى المنازل خلال شهر رمضان، وهى أكلة سريعة وسهلة وبديلة للحلويات الشرقية المكلفة فى بعض الأحيان، ويعتمد عليها الكثير فى السحور لما لها تأثير على الشبع طوال اليوم، وكما قال البعض من أهالى البحيرة «الأكلة دى بتسد معايا طول يوم الصيام».
«الحباش»، يعرفه سكان المدن الساحلية ويستهلكونه بكميات كبيرة جداً، وهو عبارة عن مجموعة بهارات تضاف إلى سلطة الطحينة، لتجعل منها وجبة رئيسية على الإفطار، لا تختفى فى أى يوم من أيام رمضان، وهو ما أكده السعيد الدكرورى، تاجر عطارة، مشيراً إلى أن سكان «دمنهور وإدكو ورشيد» استهلكوا أكثر من 6 أطنان «حباش» فى أوائل شهر رمضان، وتوضح تلك الكمية الكبيرة مدى شعبية «الحباش» على السفرة الرمضانية البحراوية، وذكر سر الخلطة السحرية فى الحباش، قائلاً «هو عبارة عن كركم وبودرة ثوم وأكثر من 12 صنف بهارات أشهرها الكمون والكبابة الصينى والشطة السودانى، ولدى إضافتها على الطحينة بنوعيها تغير طعمها تماماً، وتجعلها لا تُقاوم».
«المحمصية» التى لا يُسمع عنها الكثير، تُصنع من الدقيق بطريقة خاصة، حتى تصبح مثل المكرونة صغيرة الحجم، ولكنها هشة وخفيفة ولا تكون صلبة، وأقرب فى الشكل إلى «العصيدة» التى تُصنع فى صعيد مصر، ولكنها غير مكلفة فى الثمن على الإطلاق، ويتم تخزينها طوال الشهر خارج أجهزة التبريد، ولا تتأثر بعوامل الجو لفترة طويلة، ومعروفة ضمن الأكلات الرمضانية منذ سنوات بعيدة، حيث كانت أكلة البسطاء من الفلاحين والعمال، وصارت عادة تذكرهم بأيام رمضان الجميلة.
«ليلة فرغلى»، 82 سنة، تروى لنا سر ارتباط البحراوى بـ«المحمصية» فى شهر رمضان، قائلة: «كنا نسمع عن الكنافة والقطايف والمكسرات التى يشتريها القادرون خلال شهر رمضان، لإدخال الفرح والسرور على أبنائهم، ولأن معظم سكان البحيرة فى تلك الفترة كانوا بسطاء، وحالتهم المادية لا تتحمل نفقات الحلويات الرمضانية التى كنا نسمع عنها، اضطروا لابتكار تلك الأكلة غير المكلفة لتقديمها إلى أبنائهم، واستوحينا الأكلة من العصيدة أو المفتلة الصعيدية، حيث نشترى الدقيق الذى فى الغالب يكون بالمنزل طوال العام، ونصنع منه المحمصية بطريقة معينة، بحيث يُخزن فى أكياس طوال الشهر».
وأضافت: «المنازل فى فترة الستينات والسبعينات، لم يكن يوجد بها خزين مثل هذه الأيام، وكان كل ما يوجد بالمنزل، الدقيق والأرز فقط، ولا تتوفر هذه السلع الغذائية أيضاً إلا لدى ميسورى الحال، ولأن شهر رمضان له طابع خاص عن غيره من الشهور، يستوجب على كل أسرة إدخال الفرح والسرور على أفرادها، ولضيق المعيشة فى ذلك الوقت كنا نصنع السعادة من أبسط الأشياء، وكانت المحمصية رفيقة الأسرة معظم طوال الشهر، حتى صارت عادة فى شهر رمضان، ووجبة رئيسية يحرص على صناعتها الكثير من الأهالى، ومع تغير الزمان وتطور الأحداث، لم يعد أحد يصنع المحمصية مثل السنوات الماضية، إلا أنها أصبحت ذكرى يبحث عنها الكبار وامتدت إلى الصغار، وبعد أن كانت وجبة حُلوة للبسطاء، أصبحت أكلة تُباع وتُشترى فى المحلات الكبرى، ولها جمهور خاص فى القرى الريفية، ويقبل على شرائها الأهالى فى رمضان وغيره من الشهور، ولكنها ما زالت وجبة رئيسية يتناولها البحراوية فى السحور وبعد الإفطار، ويحرص على توفيرها رب الأسرة ضمن مستلزمات رمضان».
وأشارت إلى أن الأكلة تتغير بحسب الإمكانيات، فمن الممكن تصنيعها بالسمن البلدى لمن يستطيع، ومنهم من يأكلها بالعسل الأبيض بالإضافة إلى المكسرات بأنواعها، والشيكولاتة السائلة والفاكهة المجففة، وهى أشياء لم نكن نسمع عنها فى سنوات ماضية، حيث كانت الكنافة والقطايف فى بيوت الأغنياء فقط، وتابعت: «أتذكر فى فترة السبعينات افتتاح شادر لصناعة الكنافة اليدوى فى أحد أحياء دمنهور خلال شهر رمضان، كان محط اهتمام الكثير من الأهالى فى ذلك الوقت، وكنا نذهب لنرى كيف كانت تُصنع الكنافة اليدوى، ولكن من منا يستطيع أن يشترى هذه الحلوى، وإذا توفر سعرها لا نجد السكر والسمن لصناعتها فى المنزل، وعلى الرغم من أن الحياة كانت صعبة، إلا أننا استطعنا أن نجلب السعادة بأقل التكاليف، وعلى عكس أيام زمان، تجد كل شىء متاحاً وأكثر مما نحتاج، ولكن لا تجد الروح التى تبث السعادة بيننا، لذلك نبحث عن كل ما يذكرنا بأيام رمضان زمان، سواء كان طعاماً أو شراباً أو حتى مشاهدة فوازير ومسلسلات قديمة، ولمّا كانت المحمصية مرتبطة بشهر رمضان الكريم، فلذلك يحرص على توفيرها كل من يعرفها أو ترتبط ذكراها معه».
أما «نورا محمود» 16 سنة، فتقول: «لم أعرف قصة (المحمصية) إلا من جدتى حينما روتها، وكل ما أعرفه أنهم يوفرونها فى شهر رمضان من كل عام، مثل الفطير المشلتت فى مولد الرسول، والكعك والبسكويت فى أيام عيد الفطر، ولذلك ارتبطت هذه الأكلة معى بشهر رمضان، وحينما أراها فى أى يوم من العام، أتذكر وجبة السحور الرمضانى، وأتذكر حكاوى جدتى عن تاريخ هذه الأكلة.