أعنى بالثوب هنا الاتحاد اﻷوروبى كمنظمة إقليمية تضم نحو 28 دولة، والذى فكر فيه القادة اﻷوروبيون منذ عام 1945، وبدأ بأربع دول تُعرف باسم اتحاد الفحم والفولاذ.
ورغم أن الكثيرين أ صبحوا يشيدون بهذا الاتحاد، فإن الممارسة أظهرت أن هناك ثقوباً لا يمكن إنكارها، وهى ثقوب تهدد بحل هذا الاتحاد والعودة إلى القارة العجوز كما يعرفها العالم.
أول هذه الثقوب ظهر بوضوح شديد عندما أعلنت بريطانيا العظمى أنها تعتزم الانسحاب من الاتحاد اﻷوروبى وأن استفتاء قد جرى فى هذا الشأن يطالب بانسلاخ بريطانيا والعودة إلى حكم الملكة. والغريب أن هذه الدعوة وجدنا صداها فى إيطاليا، كما ظهرت دعوة أخرى فى إسبانيا، وتحديداً فى إقليم كتالونيا، مما يُنذر بتفكك الاتحاد وعدم رضاء معظم الدول اﻷوروبية عن الصيغة الجديدة.
ثانى هذه الثقوب أن الاتحاد يعتمد -بدرجة أساسية- على دولتين كبيرتين، فرنسا كرمز سياسى، وألمانيا كرمز اقتصادى (تمول 75%من نفقات الاتحاد اﻷوروبى)، وقد اعترضت على هذه الصيغة الجديدة دول مثل إسبانيا التى يتم تصنيفها على أنها دولة متوسطة، ونقطة الاعتراض هنا أن الدول الكبيرة هى التى تفرض رؤيتها وسياستها، أما الدول المتوسطة فعليها أن تقنع بأن تكون تابعاً.
ثالث هذه الثقوب أن مفوض السياسة الخارجية اﻷوروبية يُعتبر هو رئيس وزراء الخارجية الأوروبيين، وهنا يجد الاتحاد نفسه مضطراً أن يتبع سياسة المفوض اﻷوروبى الخارجى، بمعنى أنه إذا حدث خلاف بين السياسة الوطنية الخاصة بكل دولة والسياسة «القومية» للاتحاد فيجب أن ترضخ الدول للسياسة اﻷخيرة.
رابع هذه الثقوب أن وجود الاتحاد لم يلغِ ظهور مشكلات بين الدول وبعضها البعض، مثل مشكلة فرنسا وإيطاليا التى كادت تصل إلى مواجهات عسكرية بين البلدين، ناهيك عن أن ذلك لم يمنع إيطاليا من توجيه الاتهام للرئيس ماكرون بأنه أسوأ رئيس جمهورية جاء إلى فرنسا.
معنى ذلك أن هشاشة الاتحاد اﻷوروبى أصبحت قاب قوسين أو أدنى، وتفككه أصبح مسألة وقت، سيما إذا وضعنا فى الاعتبار أن دولة مثل الولايات المتحدة تكره أن تكون هناك قوة أخرى تنافسها النفوذ والهيمنة.
بمعنى آخر لم يعد فى هذه الحالة سوى فرنسا التى يدعو رئيسها إلى طرح أفكار جدالية، مثل فكرة إنشاء جيش أوروبى موحد التى أثارت لغطاً كبيراً فى الولايات المتحدة وفى أوروبا أيضاً، واتهمت بعض الدول اﻷوروبية فرنسا بأنها تريد العودة إلى زمن الاستعمار.
والحقُ أن دولاً كثيرة تشكك فى العملة اﻷوروبية الموحدة (اليورو) ومنها الولايات المتحدة اﻷمريكية التى نصحت أوروبا، فى أول يناير عام 2000، بأن تقوم بصناعة نوع جديد من الجبنة، ورأت أن هذا أفضل كثيراً من إطلاق العملة اﻷوروبية الموحدة اليورو، وكذلك رفضت بريطانيا العظمى الانضمام إلى ما يُعرف بمنطقة اليورو، وظلت طوال السنوات الماضية تستخدم الجنيه الاسترلينى بدلاً من اليورو، وهو ما جعل البعض لا يندهش من انسحاب بريطانيا من الاتحاد اﻷوروبى، ﻷنها أولاً ظلت تسير تابعاً للولايات المتحدة، ثانياً رفضت استخدام اليورو، وفضّلت عليه الجنيه الاسترلينى الذى يحمل صورة الملكة.
المشكلة أن صورة أوروبا العجوز بدأت تتغير لدى الدول اﻷخرى، ناهيك عن أن الحرب التى تقودها الولايات المتحدة ضد أوروبا الموحدة لا تزال مستمرة.
هذه الثغرات التى يعانى منها الاتحاد اﻷوروبى اﻵن تطرح إشكاليات لم يحاول القادة اﻷوروبيون الحاليون البحث عن حلول لها، مثل اختلاف السياسة الوطنية لدولة أوروبية ما عن السياسة القومية للاتحاد اﻷوروبى.
بكلمة أخرى، لم يعد الاتحاد اﻷوروبى مبهراً كما كان منذ البداية، والانسلاخ منه بات وشيكاً، وقد نقول إن كل الدول تنتظر ما ستقوم به بريطانيا فى اﻷسابيع القليلة المقبلة، لأن ذلك يُعتبر مؤشراً للاتحاد اﻷوروبى الذى بدأ شاباً يافعاً وكثرت العثرات فى طريقه.