نعيش اليوم عصر الثورة الصناعية الرابعة، أو عصر الذكاء الاصطناعى، بحيث رأينا كيف أن الروبوت أو الإنسان الآلى بدأ يقوم بالعديد من المهن التى كانت مقصورة فى السابق على بنى البشر. ومن ثم، يتساءل البعض عما إذا كان ممكناً للذكاء الاصطناعى أن يكون قاضياً عادلاً. وللإجابة عن هذا التساؤل، تجدر الإشارة إلى أن دولة أستونيا قد عهدت إلى «أوت فيلسبرغ» منصب مسئول البيانات الرئيسى فى أستونيا، وهو طالب دراسات عليا يبلغ من العمر 28 عاماً، ويشرف على جهود دولة البلطيق الصغيرة لإدخال الذكاء الاصطناعى والتعلم الآلى فى الخدمات الحكومية. وفى أكثر المشاريع طموحاً، طلبت وزارة العدل الأستونية من «فيلسبرغ» تصميم «قاضٍ آلى» قادر على الفصل فى نزاعات الدعاوى البسيطة التى تقل قيمتها عن 7000 يورو. ويأمل المسئولون فى أستونيا أن يتمكن النظام من التخلص من القضايا المتراكمة أمام المحاكم، حيث يبدى المسئولون حماساً لفكرة الروبوت الآلى الذى يعمل على حل النزاعات البسيطة، مما يتيح مزيداً من الوقت للقضاة البشريين من أجل حل المشكلات الأكثر صعوبة معاً. ووفقاً لهذا النظام، يتعين على أطراف القضية تحميل المستندات والمعلومات الأخرى ذات الصلة إلكترونياً، ثم يقوم الروبوت بإصدار قرار يمكن استئنافه أمام قاضٍ بشرى. ومن المتوقع أن تنجح فكرة «القاضى الآلى» فى أستونيا، بالنظر لأن سكانها البالغ عددهم 1.3 مليون نسمة يستخدمون بطاقة هوية وطنية ذكية يمكن استعمالها لقائمة من الخدمات عبر الإنترنت، وتتصل قواعد البيانات الحكومية مع بعضها البعض من خلال قناة (X-road)، وهى بنية تحتية رقمية تسهل عملية مشاركة البيانات. وقد بدأت أستونيا التوجه نحو الخدمات الرقمية مع بزوغ فجر الألفية الثالثة، بحيث بلغ عدد المستخدمين حالياً لهذه الخدمات أكثر من ثلثى البالغين، أى ما يقارب ضعف المعدل الأوروبى.
وفى الولايات المتحدة، تساعد الخوارزميات على إصدار أحكام جنائية فى بعض الولايات. كما أن نظام الدردشة الآلى (Chatbot) لعدم الدفع (DoNotPay) والقائم على الذكاء الاصطناعى فى المملكة المتحدة قام بإلغاء 160 ألف مخالفة مواقف فى لندن ونيويورك قبل بضع سنوات. ومع ذلك، يستبعد البعض أن تصل قاعات المحاكم الأمريكية فى المستقبل القريب إلى قاضٍ روبوت قائم على الذكاء الاصطناعى، فالولايات المتحدة ليس لديها نظام قومى للهوية والعديد من الأمريكيين لديهم خوف غريزى من الحكومة الإلكترونية. كذلك، قد يعترض البعض بأن «الدستور ينص على المحاكمة العادلة وهناك مأخذ على عملية صنع القرارات بشكل آلى بالكامل من قبل الوكالات الحكومية، وحتى لو كانت هناك إمكانية الطعن أمام قاضٍ بشرى، إلا أن القيود ما تزال قائمة». ومع ذلك، يبدو مقبولاً أن يقوم المساعدون القانونيون القائمون على الذكاء الاصطناعى بمساعدة القضاة من خلال طرح المبادئ القانونية والسوابق والخلفية القانونية اللازمة لاتخاذ القرار.
وبوجه عام، يبدو سائغاً القول إن «اتباع نهج الذكاء الاصطناعى يمكن أن يؤدى إلى قدر أكبر من الاتساق مما لدينا فى الوقت الحالى، وربما قد نصل إلى نظام أكثر دقة من النظام البشرى فى عملية صنع القرار».
بقى أن نشير إلى أن جودة الذكاء الاصطناعى تتوقف على جودة البرمجة المدخلة فيه، حيث تعرضت خوارزميات إصدار الأحكام للانتقاد باعتبارها متحيزة ضد السود. ويثير البعض المخاوف من تحيز الأتمتة، مؤكداً أنه كلما زادت كمية القرارات التى تتخذها الآلات، كان من الصعب على البشر ضخ خبراتهم فى الأنظمة الذكية. ورغم هذا القلق، نعتقد أنه من الضرورى أن نبادر إلى استخدام الذكاء الاصطناعى فى كل تفاصيل حياتنا، حتى لا نخسر سباق الثورة الصناعية الرابعة وألا نكون فى ذيل القائمة مثلما كان الحال فى الثورات الصناعية الثلاث السابقة.
والله من وراء القصد..