"أحمد عيسى": نظام التمويل العقاري العالمي يدعم توسعات الدولة العمرانية
أحمد عيسى الرئيس التنفيذي للتجزئة المصرفية بالبنك التجاري الدولي (CIB)
قال أحمد عيسى، الرئيس التنفيذي للتجزئة المصرفية بالبنك التجاري الدولي (CIB)، أن هناك نظامًا للتمويل العقاري يسري في الدول المتقدمة، يمكنه دعم توسعات مصر العمرانية خلال الفترة المقبلة.
وأضاف في حوار لـ"الوطن"، أن ذلك النظام يسهم في إنجاز المشروعات السكنية في مدة زمنية أقل، وتسليم وحدات مهيئة تمامًا للسكن، مما يسرع دورة رأس المال العامل لدى المطور العقاري، ويخفض التكلفة المفروضة على العميل، ويحمي مدخرات الأفراد.
وشدد عيسى على أهمية التعامل مع المطور العقاري معاملة الأنشطة الأخرى في أي صناعة أخرى في حالة الاقتراض من البنوك، وهو ما سيسهم في تحقيق نقلة نوعية بالقطاع العقاري، ويدعم توجهات الدولة الرامية الى التوسع الافقي.
وقال إن سياسات القطاع المصرفي المصري تقوم على إدارة المخاطر بالطريقة التي تعظم قدرة العملاء على السداد، وتعظيم العائد على مدخرات المجتمع في الوقت ذاته، لافتًا إلى أن البنك المركزي المصري يضع الضوابط اللازمة حفاظا على استدامة الجدارة الائتمانية للأفراد.
قروض القطاع العائلي في مصر لا تتجاوز 8% من الناتج القومي الإجمالي مقابل 80% عالميا
** بداية، حدثني عن المعايير التي تنتهجها البنوك المصرية عند وضع استراتيجية التجزئة المصرفية؟، وكيف تستطيع أن تحقق ربحًا وتدفع عجلة التنمية الاقتصادية في ذات الوقت؟
تسعى البنوك، في المقام الأول، إلى تحقيق هدف أسمى من أن تدر أرباحًا مجزية، ألا وهو، توجيه وتوظيف مدخرات المجتمع لخدمة الاقتصاد الوطني. وتعتبر مدخرات القطاع العائلي من أهم مصادر الادخار داخل المجتمع، حيث تستحوذ مدخرات الأفراد على أكثر من ثلثي مدخرات القطاع المصرفي المصري.
ومن ناحية أخرى، يتخلل عملية توظيف المدخرات، تحليل الجدارة الائتمانية للمقترضين، لذا تقوم سياسات البنك على إدارة المخاطر بالطريقة التي تضمن قدرة العملاء المقترضين على السداد، مما يعظم العائد على مدخرات المجتمع في الوقت ذاته.
وﻤﻤﺎ ﻻ ﺸك ﻓﻴﻪ ﻓإن ﺤﺠم الإنفاق للقطاع العائلي بكل أنواعه ﻴﺸﻜل ﺠزءًا مهما ﻤن حجم الاستهلاك الكلي، وتتمثل أهميته في إنشاء طلب على السلع والخدمات، ومن ثم خلق فرص عمل جديدة داخل المجتمع، وبالتالي، عندما ترتفع معدلات استهلاك القطاع العائلي بما لا يؤثر سلبًا على قدرته على سداد الأموال المُقترَضة، ينعكس ذلك بصورة إيجابية على الاقتصاد، حيث أن هذا الطلب يؤدي إلى زيادة الإنتاج وبالتالي توفير فرص العمل.
وفي هذا السياق، وضع البنك المركزي المصري ضوابط بشأن القروض الاستهلاكية والعقارية، تُلزم البنوك بألا يتجاوز إجمالي أقساط القروض الاستهلاكية نسبة 35% من إجمالي الدخل الشهري للعميل، وألا يتجاوز إجمالي أقساط القروض العقارية نسبة 40% من إجمالي الدخل الشهري للعميل، وذلك في سبيل الحفاظ على استمرارية واستدامة الجدارة الائتمانية للفرد، مما يدفع نمو إقراض القطاع العائلي بمصر بصورة آمنة.
وأود الإشارة إلى أن قدرة الأفراد في مصر على الاقتراض، في المدى الطويل، لاتزال أقل بكثير من المرجو، فقاعدة عملاء البنوك لم تتسع بعد بالقدر المنشود، حيث أن حجم القروض الموجهة للقطاع العائلي بمصر لا يتجاوز 8% من حجم الناتج القومي الإجمالي، وهي نسبة تنخفض كثيرًا عن المتوسط في الدول المتقدمة، لذا لا بد أن تتطلع البنوك المصرية إلى تنمية إقراض القطاع العائلي خلال العقود المقبلة لتصل إلى 50% من الناتج القومي الإجمالي.
وفي المُقابل، تسجل الدول المتقدمة نسبًا مرتفعة، بلغت حوالي 100% قبل الأزمة المالية العالمية، وانخفضت إلى نسب تتراوح بين 70% و80% عقب الأزمة المالية، كما أن التمويل العقاري يستحوذ على الأغلبية العظمى من إجمالي تمويل القطاع العائلي داخل هذه الدول، وبالمقارنة بمصر، نجد أن نسبة التمويل العقاري فيها لا تتخطى 1% من حجم الاقتصاد الكلي.
وفي ضوء الإصلاح الاقتصادي الذي تتبناه الحكومة المصرية، وبعد ارتفاع أسعار السلع المستوردة، وبدء السوق المحلية في تشجيع الصناعات المصرية وخاصة الصناعات الصغيرة والمتوسطة، يأتي دور التمويل وتحديدًا تمويل القطاع العائلي لتنشيط الطلب على السلع والخدمات، وتحفيز نمو السوق، وخلق طلب على السلع المحلية، وفي الوقت ذاته، إفساح المجال للمنتجين المحليين للعمل والتوسع ومن ثم خلق فرص عمل جديدة.
البنك المركزي يضع الضوابط اللازمة حفاظا على استدامة الجدارة الائتمانية للأفراد
** برأيك، هل تعتقد أن ارتفاع التسهيلات الائتمانية للأفراد سيدفع إلى حدوث موجة تضخمية؟
نظريا هذا ممكن، ولكن عمليًا فإن إجمالي عرض النقود بمصر يبلغ 3.6 تريليون جنيه، في حين تبلغ التسهيلات الائتمانية الممنوحة للأفراد حوالي 300 مليار جنيه فقط، وبالتالي فإن تأثير نمو التسهيلات الائتمانية على التضخم في مصر ضعيف جدًا، لذا أعتقد أن الأثر الإيجابي لهذا النمو أكبر وأكثر فائدة للمجتمع، عن طريق زيادة الطلب الكلي على المنتجات عند زيادة التمويل الممنوح للأفراد.
** ما هو مفهوم التمويل المستدام؟
مصطلح الاستدامة أصبح متعارفا عليه أن له علاقة بالأثر البيئي والاجتماعي للأنشطة الاقتصادية، ولكن أعتقد أن سؤالك يشير إلى قدرة المؤسسات المالية على استدامة سياسات التمويل بها، مع تحقيق معدلات عادلة للعائد على أموال المساهمين، على المدى الطويل.
** كيف تمكن صناع السياسات داخل قطاعات التجزئة المصرفية من استيعاب الارتفاعات المتتالية للأسعار خلال الأعوام الثمانية الماضية؟
يتطلع صناع السياسات داخل قطاعات التجزئة المصرفية إلى إدارة المخاطر وليس تجنبها، فتقوم السياسات على قياس الجدارة الائتمانية للمُقترض، ومن ثم إدارة المخاطر على مستوى المحفظة وليس على مستوى الفرد، وكذلك تحديد نسبة الديون غير المنتظمة على مستوى المنتج أو نوعية العميل وليس على مستوى القرض الواحد أو الفرد الواحد.
وبالرغم من ارتفاع الأسعار بنسبة أكبر من ارتفاع دخول الأفراد خلال الفترة السابقة، لعبت هذه السياسات دورا غاية في الأهمية والفاعلية على مدار الفترة الماضية، فالتقدم الهائل الذي شهدته إدارة المخاطر خلال السنوات الـ10 الماضية أسهم في الحفاظ على الجدارة الائتمانية لمحفظة القطاع العائلي في البنوك، والدليل على ذلك هو انخفاض معدلات عدم انتظام عملاء التجزئة في السداد، وبالتالي فإن قابلية القطاع لتحقيق الأرباح لا زالت جاذبة لتوسع البنوك أكثر في تمويل قطاع الأفراد بمصر.
وفيما يخص التمويل العقاري، ما زالت أسعار الفائدة العالية عائقا أمام النمو، وهنا تأتي أهمية "المبادرة" والتي أدت إلى تمكين عشرات الآلاف من المصريين من الحصول على ما يزيد عن 21 مليار جنيه لشراء عقارات بفائدة مدعومة وسعر شراء مدعوم للشقة.
وعلى كل، فإن كل التوقعات تشير إلى الانخفاض التدريجي لسعر الفائدة، مما سيؤدي إلى نمو الإقراض العقاري في المستقبل وانخفاض الحاجة إلى هذا الدعم.
** كيف تواكب البنوك تمويل التطور العمراني السريع في مصر؟ وهل تتوقع طفرة في نمو قطاع التجزئة بها أم سيحافظ على المعدلات الحالية مع أخذ ارتفاع الأسعار في الاعتبار؟
نتفق تمامًا على أهمية تمويل القطاع العائلي بالنسبة للاقتصاد ككل، وأتمنى أن أكون قد استطعت إيضاح فوائد ما يسمى بالقروض الاستهلاكية، ولكن لا بد أن تتم عملية رفع التسهيلات الائتمانية الممنوحة للأفراد بشكل مُتزن ومتأنٍ، لأن ارتفاع النسبة بسرعة أكثر من اللازم، له عواقب سلبية على الجدارة الائتمانية للقطاع العائلي ككل.
ولكن النمو المتوازن للإقراض العقاري للقطاع العائلي يحقق الاستفادة القصوى حينما يكون متزنا ومراقبا جيدًا من الدولة، لذلك أنا أؤيد الضوابط التي يفرضها البنك المركزي في هذا المجال، وأعتقد أن القواعد التنظيمية السائدة خلال الفترة الحالية كافية تمامًا لنمو القطاع بشكل مستدام.
ويخدم هذا المجال الجهود التي تبذلها الدولة لتعزيز الشمول المالي، وتقليل تداول النقد، حيث تعمل مصر حاليًا على ميكنة تسجيل العقارات واستخدام تقنيات Blockchain لتسجيل بيانات الوحدات السكنية.
كما أشير إلى كتاب البنك المركزي بتاريخ 7 أبريل 2019 بشأن خصم الأوراق التجارية المقدمة من شركات التنمية العقارية، والذي عزز فيه البنك المركزي موقفه تجاه التمويل العقاري، حيث أنه استثنى الأوراق التجارية المخصومة دون حق البنك في الرجوع على شركات التنمية العقارية من تعليمات الحد الأقصى لنسبة أقساط القروض لأغراض استهلاكية والقروض العقارية للإسكان الشخصي إلى الدخل الشهري للأفراد الطبيعيين.
** يرتفع معروض العقار يوم بعد يوم، فكيف يمكن أن يسهم تمويل البنوك للمطور العقاري أو الفرد في تحقيق التوازن بين العرض والطلب في سوق العقارات؟
سوق العقار في مصر لا تواجه مشكلات تتعلق بالتوازن بين جانبي العرض والطلب، ولكن يكمن التحدي الحقيقي في قصور هياكل التمويل القائمة به، وضعف الجدارة الائتمانية، وسياسات التمويل لبعض المطورين العقاريين، لأنها لا تتواكب مع التطور الهائل الذي شهدته الهياكل التمويلية المتاحة في الدول المتقدمة.
ويلجأ المطور العقاري في الدول المتقدمة (كما الحال في بعض البنوك في مصر) لتطوير مشروعه عن طريق مصادر التمويل المتاحة للشركات بالمؤسسات المالية "Wholesale Funding Sources"، وهنا يبدأ البنك بتحليل الجدارة الائتمانية للمطور العقاري (المقترض) عن طريق دراسة الخبرة السابقة، والأعمال السابقة، والقوائم المالية، ونموذج التدفقات النقدية المستقبلية، وكذلك دراسة السوق، وغيرها من أساليب تقدير الجدارة الائتمانية المتعارف عليها، ثم يقوم البنك بمنح المطور العقاري ائتمانا يمكنه من تطوير المشروع بالكامل دون الحاجة إلى اللجوء لتمويل الأفراد.
وغالباً ما يتم منح الائتمان بأسلوب الـ(project finance) لشركة منشأة خصيصا (SPV) تمتلك الأرض، وترهن أسهم رأس مالها المملوكة باسم المطور العقاري، لصالح البنك المقرض، كما يمكن أن يمنح المطور العقاري كفالة تضامنية لصالح البنك ضمانا للـ (SPV).
ولايزال القطاع العقاري المصري واعدا، ولكنه أقل من المأمول، فالبنوك لا تقدم التسهيلات اللازمة للمطورين العقاريين بالقدر الكافي منذ بداية إجراءات شراء الأرض وبناء العقار (في مرحلة Greenfield)، مثلما يقوم البنك بمنح التسهيلات الائتمانية لدفع الاستثمار في قطاعات الصناعة، والتجارة، والزراعة، والخدمات.
ويسهم تمويل المطور العقاري عن طريق البنوك، في إنجاز المشروعات السكنية في مدة زمنية أقل، وتسليم وحدات كاملة التشطيب مهيئة تمامًا للسكن، مما يسرع دورة رأس المال العامل لدى المطور العقاري، ومن ناحية أخرى يخفض التكلفة المفروضة عليه.
** في ظل انخفاض نسبة التمويل العقاري بمصر، تتعامل شركاته بشكل مباشر مع العميل لتلقي الأقساط المستحقة، هل يمثل ذلك أية خطورة على الاقتصاد أو العميل أو الشركة؟
بالطبع، فهناك عدد متزايد من المطورين العقاريين يعانون من ارتفاع في نسبة عدم تحصيل الشيكات من الأفراد المشترين للوحدات، وكذلك من طول المدة بين التعاقد والتسليم، مما يؤدي إلى صعوبة تقدير التكلفة في ظل التضخم، ومن ثم عدم تحقيق الأرباح المرجوة، وهو ما أدى في السابق إلى عدم قدرة بعض صغار المطورين العقاريين على تسليم العقارات بالمواصفات المتفق عليها بموجب العقد، كما يتخلف بعضهم نهائيًا عن التسليم، وفي تلك الحالة يفقد المصريين مدخراتهم.
وتبرز هنا أهمية وجود سياسات تحمي الأفراد من عدم قدرتهم على تحليل الجدارة الائتمانية لشركات التطوير العقاري، وتوجيه المطور العقاري إلى البنوك، وهي المؤهلة تمامًا للقيام بهذا الدور، خاصة أن مصر تعاني من انخفاض معدلات الادخار عن المرجو.
نظام التمويل العقاري الموحد معمول به عالميا ويسهم في إنجاز المشروعات
** هل يمكن أن تقوم البنوك بتمويل كلا الطرفين في آن واحد؟، أم يعد هذا ازدواجية في التمويل؟
بالطبع لا، هناك نظامًا موحدًا للتمويل العقاري في الدول المتقدمة، وهو ما أنادي بتطبيقه في مصر، وهو بيع المطور العقاري للوحدة السكنية عند جاهزيتها للسكن، ولا يُطالَب العميل، الفرد المشتري للوحدة بأكثر من 20% أو 30% من قيمة الوحدة، وتُجنّب هذه الأموال في حساب خاص، وعند حلول موعد استلام العميل لوحدته السكنية، يلجأ إلى البنك للحصول على قرض عقاري حتى يتمكن من سداد باقي قيمة الوحدة للشركة دفعة واحدة، ومن ثم تسدد شركة التطوير العقاري المبلغ المُقترض من البنك.
وقد أثبت هذا النظام فاعليته وقدرته على تقليل المخاطر على جميع الأطراف، وينقلها إلى البنك وهي الجهة المؤهلة في المجتمع للقيام بهذا الدور.
** ما رأيك في التوسع العمراني الذي تشهده مصر؟
تعد جهود الدولة المبذولة في هذا المجال ممتازة، فبرامج التوسع العمراني التي تتبناها الدولة ممولة من مدخرات حقيقية، وليست من زيادة في عرض النقود، وتواكب وجود طلب حقيقي من المواطنين على الوحدات السكنية، وبالتالي أدت هذه السياسة إلى ارتفاع معدلات التوظيف، فضلًا عن ارتفاع سعر المتر الواحد بمعدل يتسق مع معدلات التضخم.
ولا بد أن تسعى مصر لتطوير العقارات، وإعداد وحدات سكنية على مستوى عالٍ من التشطيب، لجذب الأجانب من مختلف الجنسيات، فعلى سبيل المثال باتت منطقة البحر الأحمر جاذبة للأوروبيين لامتلاك العقار، لما تتميز به من مناخ صحي نقي، ودرجات حرارة مناسبة.
وفي النهاية، فأنا لا أرى مخاطر وجود فقاعة عقارية كما يرى البعض، فالدول التي تنفجر بها الفقاعات العقارية، تكون هذه العقارات محملة بالديون العالية التي تضطر المؤسسات المقرضة عند عدم قدرة الفرد المقترض على السداد، إلى الاستحواذ على العقار وعرضه للبيع، ومصر لن ترى هذا الموقف لعقود قادمة بإذن الله.