قرية «الشعراء»، قرية تقع قرب مدينة دمياط، لذلك هى تحمل هجيناً اجتماعياً واقتصادياً ما بين شكل القرية والمدينة، كنت أذهب إليها وأنا طفل صغير فى إجازاتى الصيفية للاستمتاع بجمالها وهدوئها ومساحاتها الخضراء وبشاشة أهلها، هى مكان ولادة أبى وأمى، لكننى اعتبرتها مكان ولادة أحلامى ومصنع إنتاج خيالى، سافرت عبر بلاد العالم وظلت تلك القرية أجمل بقعة فى الكون وأقربها إلى قلبى، بمخزون الحب والشوق وعطر الطفولة، كان تآكل اللون الأخضر فيها إيذاناً بزحف الدخان الأزرق، دخان المخدرات، بعد أن كانت أكبر مكان لصناعة الموبيليا فى الجمهورية، صارت أكبر بؤرة مخدرات فيها، بعد أن كانت خلية نحل، صارت غرزة كبيرة، أقولها وأنا حزين وغاضب ومتألم، كانت أكبر مصدر للاتحاد السوفيتى، وصارت الآن أكبر مصدر للباطنية، بعد أن كان مستقبل الشاب وبيته الأول هو الورشة، صار مستقبله إن استطاع اللحاق والإنقاذ مركز التعافى من الإدمان، ولو صرخ معترضاً سيكون مصيره أسود، وهذا حدث أمس الأول حين اعترض مواطن صاحب حضانة أطفال على افتتاح غرزة أمام بيته، تضخّمت الغرزة وكل يوم ينضم إليها عشرات الشباب الجُدد من المراهقين، يقدم إليهم أفخر أنواع المخدرات، يتركون الورشة والبيت والأسرة ليرتموا فى حضن تاجر الصنف، كان مصير صاحب حضانة الأطفال المربى الفاضل ضربه على دماغه من أصحاب الغرزة، حتى فقد الوعى، ونُقل إلى المستشفى بين الحياة والموت، العجيب والغريب هو الصمت والخوف، صارت القرية قرية السكوت والتواطؤ، الجميع يتداول أخباراً كالحقائق المقدسة عن أن الشرطة لا تستطيع اقتحام القرية والقبض على هؤلاء التجار، هل صارت الشعراء دولة داخل الدولة؟، رسالة إلى وزير الداخلية، وأعرف أنه لا يرضى، ولن يرضى عن تلك المهزلة الكارثية، أرجوك أنقذ شباب تلك القرية، أنقذ شباب دمياط وأهلها من تسونامى المخدرات، الذى صارت بؤرته قرية كانت الأجمل والأروع والأكثر طيبة وبهاء وبهجة، وصارت الآن الأكثر غيبوبة وتخديراً وبلطجة.