بعد «ريفيوهات» متتابعة على مواقع التواصل الاجتماعى تثنى على ما يقدمه أحد مطاعم وسط البلد، وتصفه بالمكان الأفضل للحصول على الطعام البيتى، وعودة للذوق المصرى الأصيل، قررت الذهاب للحصول على نزر يسير من طاقة الحب والطعام الشهى التى امتلأت بها التعليقات.
«صدمة».. كان الوصف الأنسب للتجربة، فالمكان يتميز بأطباقه المحدودة، طعمها أقل ما يقال عنه «عادى»، كما أن روائح الطعام غير شهية وتبوح بيد غير ماهرة فى صنع الطعام، أما الخدمة فكانت سيئة..
أول ما يخطر على بال المرء بعد التجربة السابقة هو «كيف تضحك علينا «السوشيال ميديا»؟ فهى لم تعد تصنع أبطالاً من ورق ليس لهم وزن فى الحقيقة، بل صارت تقدم صورة مزيفة عن حياتنا ليس لها علاقة بالواقع الذى نعيشه، مثل بحيرة الماء فى الأسطورة اليونانية «نرسيوس».
فالشاب اليونانى «نرسيوس» الذى اشتهر بجماله، كان فخوراً بنفسه لدرجة تخطت الغرور إلى تجاهل الجميع، وعندما لاحظت إلهة الحب «أفروديت» ذلك، دفعته إلى رؤية انعكاس صورته فى إحدى البحيرات، فوقع فى حب نفسه، دون أن يدرك حقيقة أنه خُدع وأنه ينظر لوجهه فقط على صفحة ماء.
والأسطورة اليونانية تبدو الوصف الأقرب لعالم «السوشيال ميديا»، التى أصبحت كتلك البحيرة تعكس ما يحدث فى واقعنا، ولكنها تضيف إليه «بهارات» الجذب والإثارة، وتجمله بـ«مكياج» ثقيل ومصطنع، يظهر فى صور خلابة تعتمد على «الفلاتر» والألوان الصناعية، وحكايات وقصص يتم تسويقها على أنها أحدث «صيحات» الموضة ليس فى الملابس فقط، بل فى كل تفصيلة فى الحياة.
والخدعة التى تعتمدها «السوشيال ميديا» لتضحك علينا، هى أنها تقدم محتواها بشكل مبتور، فلا تحكى القصة الكاملة عن كم الضغوط والجهد المبذول قبل لقطة نجاح لا تتعدى ثوانى، أو عن التنازلات التى قدمها الطرفان قبل صورة «حب» باهرة، فيتم تشكيل العقول تجاه ثقافة الانبهار بالشكل على حساب المضمون، وتحقيق النجاح السريع المضمون.
ولم تكتفِ السوشيال ميديا بتأثيرها المعنوى، من تنميط صور السعادة بشكل يجعل من يرفضها غريباً وسط المجتمع، بل صار صناعها يهيئون كل الظروف لإقناع المتلقى بها حتى لو كان الأمر معتمداً على التدليس والخداع.
فصارت هناك لجان إلكترونية أو ليكون اسماً ألطف هى «شللية»، هدفها هو التصفيق لأى فكرة أو مشروع أو حتى موقف فى شكل «لايكات» كثيرة، و«كومنتات» هائلة متتالية -من حسابات حقيقية أو وهمية- تمدح فى محتوى معين، والهدف هو تسويقها بين العامة، وتحقيق الربح لأصحابها أو الشهرة ولا يهم المواطن العادى الذى يصدق ما تقدمه له، ويسعى له سعياً وهو مؤمن أنه يسير فى طريق السعادة ثم يصطدم فى النهاية بأن الواقع ليس جميلاً كما صورته له «السوشيال ميديا» أو ما يمكن أن نسميه بحيرة «نرسيوس».
وحل ذلك هو أن «يشغل» مرتادو السوشيال ميديا، خاصية «البحث» لديهم وترجمته فى المثل الشعبى «حرّص ولا تخوّنش»، فأى فكرة أو مكان أو توجه أو حتى منتج، لا بد من البحث وراءه عبر صفحات «السوشيال ميديا» والإنترنت بشكل عام، وقراءة المراجعات المختلفة حوله، سواء نقد أو مدح، ولا بأس من سؤال بعض من لديهم تجربة فى هذا الشأن، حتى يضمنوا عدم ضياع جهدهم وأموالهم، أو أنهم يهبونها عن طيب خاطر لمن لا يستحقها. وبعد أن أصبح عالم «السوشيال ميديا» مثل بحيرة «نرسيوس» الخوف هو أن يتحول مرتادوها إلى حال «نرسيوس» الذى -بحسب الأسطورة- ظل قابعاً طوال حياته بجانب البحيرة بعد أن فتن بها وبما تقدمه له آملاً أن يستجيب الانعكاس له، حتى مات وتحول إلى زهرة نرجس جميلة على ضفاف البحيرة نراها فنتذكر مدى بؤس صاحبها وسذاجته المفرطة!