مصر تسابق الزمن لدخول عصر «الكهرباء النظيفة»
مصر تلحق بركب الدول المتجه نحو التوسع فى استخدام الطاقة النظيفة
بينما تتعالى التحذيرات الدولية من تزايد نسبة التلوث والتغير المناخى، وتستعد دول كبرى للتخلص من إرث الطاقة القديم، المعتمد على الوقود التقليدى، قررت مصر أن تلحق بركب الدول المتجه نحو التوسع فى استخدام الطاقة النظيفة. وتعد الطاقة الشمسية أهم مصدر نظيف للطاقة على الكرة الأرضية، وبحكم موقعها الجغرافى، فإن مصر تعتبر فى قلب الحزام الشمسى العالمى، وبذلك فإنها من أغنى دول العالم بالطاقة الشمسية، وهو ما دعا الدولة إلى تبنى استراتيجية تستهدف من خلالها أن يكون 20% من إنتاج الكهرباء من الطاقة النظيفة بحلول 2022.
"الوطن" داخل محطة "شرم الشيخ" للطاقة الشمسية
وكما يتم حالياً إنشاء أكبر محطة لتوليد الطاقة الشمسية على أرض قرية بنبان بمحافظة أسوان، وتعتبر أكبر محطة بالعالم، ستولد ما يعادل 90% من طاقة السد العالى، أيضاً على البحر الأحمر تم إنشاء محطة طاقة شمسية بقدرة 5 ميجاوات ستغذى الشبكة القومية للكهرباء بطاقة قدرها 10 جيجاوات/ساعة، وهو ما يكفى لتغطية أكثر من ألفى وحدة سكنية، ويسهم فى تحويل مدينة شرم الشيخ لمدينة خضراء، «الوطن» قضت يوماً كاملاً مع العاملين فى مشروع محطة شرم الشيخ.. إلى التفاصيل.
العمل استمر 18 ساعة يومياً لإنجاز المشروع فى 70 يوماً بأيد مصرية
وسط الصحراء، يحتضن البحر الأحمر وجبال جنوب سيناء، وعلى بُعد 20 كيلومتراً من مدينة شرم الشيخ، أول محطة طاقة شمسية فى المدينة، التى تم إنجازها فى 70 يوماً فقط، بأيدى مهندسين وعمال مصريين، بخبرة عالمية ومواصفات قياسية لا تقل فى جودتها عن أفضل محطات العالم.
فى شرم الشيخ تم البدء فى إنشاء محطة الطاقة الشمسية، وهى المحطة التى تعمل بقدرة 5 ميجاوات حالياً، وستغذى الشبكة القومية للكهرباء بطاقة 10 جيجاوات/ ساعة، وهو ما يكفى لتغطية أكثر من ألفى وحدة سكنية، وهو المشروع الذى سيعمل على تعزيز استراتيجية الدولة فى تطوير حلول الطاقة المتجددة بهدف الوصول لإنتاج 20% من إجمالى الطاقة من المصادر النظيفة بحلول 2022، فضلاً عن تحويل مدينة شرم الشيخ إلى مدينة خضراء خالية من أى تلوث.
ويعتمد التحويل الحرارى الخاص بالطاقة الشمسية بشكل عام على عملية تحويل الإشعاع الشمسى لطاقة حرارية بوساطة المواد الحرارية ومجمعات الأطباق الشمسية، لذلك تم فرش ممرات المحطة بحصوات «السن الأصفر» الذى يتم استخدامه فى البناء بهدف جعل أرضية المحطة أكثر أماناً، إذ إنه فى حال تعرُّض جسم معزول وذى لون داكن للإشعاع الشمسى فإنه يمتص الإشعاع وتزداد درجة حرارته، وبالتالى ستتم الاستفادة من هذه الحرارة فى التبريد والتدفئة وتوليد الكهرباء وتسخين المياه.
رئيس "إنترو إنيرجى": المشروع يُسهم فى بناء منظومة متكاملة فى قطاع الطاقة المتجددة على الساحة الإقليمية.. ونسعى لتنمية شبكة الكهرباء القومية
3 شركات محلية وعالمية شاركت فى تدشين محطة شرم الشيخ، التى تمثل المرحلة الأولى من مشروع حقل إنتاجى متكامل للطاقة الشمسية بقدرة 40 ميجاوات، وهذه الشركات هى: «إنترو إنيرجى»، ذراع استثمارات الطاقة التابعة لشركة إنتر جروب، وهى إحدى الشركات المصرية القابضة، وشركة «جيلا التوكل إلكتريك»، وأخيراً «شنايدر إلكتريك»، وهى شركة عالمية متخصصة فى إدارة الطاقة والتحكم الآلى فى المنازل والمبانى ومراكز قواعد البيانات والبنية التحتية.
ممدوح عباس، رئيس مجلس الإدارة بشركة إنترو إنيرجى، تحدّث لـ«الوطن» قائلاً: «مشروع الطاقة الشمسية فى شرم الشيخ باكورة توسعات الشركة فى مجالات وتطبيقات الطاقة المتجددة، ونجاحه فى تغذية الشبكة القومية للكهرباء بقدرة 5 ميجاوات حجر الزاوية لبناء منظومة ضخمة ومتكاملة فى قطاع الطاقة المتجددة على الساحة الإقليمية».
يضيف: «نركز على الدخول فى مشروعات الطاقة المتجددة، ولا نستهدف فقط تنويع أعمال ومشروعات الشركة فى قطاع الطاقة والتوسع فى قطاع الخدمات والمرافق الذى يشهد نمواً كبيراً فى مصر، إنما نستهدف أداء دور وطنى ملموس للمساهمة فى تنمية شبكة الكهرباء القومية». ويؤكد أن شركته ستعمل مع شركائها على إتمام الخطط والاستعدادات اللازمة لزيادة قدرة المحطة بواقع 35 ميجاوات إضافية، من أجل الوصول بطاقتها الإجمالية إلى 40 ميجاوات».
مصطفى عبدالمنعم، أحد المهندسين المشاركين فى إنشاء محطة الطاقة الشمسية بمدينة شرم الشيخ، مدير المبيعات بشركة شنايدر إلكتريك، تحدّث عن المحطة قائلاً إنها تم تنفيذها فى شهرين فقط، وتساهم فى تغذية مدينة شرم الشيخ بالطاقة النظيفة، وتم تشغيلها بشكل تجريبى منذ 3 شهور، وتتكون من 15350 لوحاً شمسياً، كل منها بطاقة 325 وات، وبها 7 كبائن توزيع، قوة الواحدة 2 ميجا فولت أمبير، بجانب منظومة مراقبة ذكية، تساعد فى التدخل اللحظى لحل أى مشكلة، بجانب محطة أرصاد لمراقبة أشعة الشمس التى تدخل المحطة، وكمية الطاقة الناتجة عن تلك الأشعة. ويتابع: «هناك فريق عمل مسئول عن تشغيل المحطة، مهندس و4 فنيين، موجودون طوال اليوم فى المحطة لمتابعة سير العمل، وعمل الصيانة الدورية بها، مثل غسيل الألواح الشمسية وتنظيفها من الأتربة والغبار»، ويضيف: «فكرة إنشاء المحطة كانت قبل نحو 3 سنوات، لكن البدء فى التنفيذ كان منذ 6 أشهر فقط، وإنشاء المحطة استغرق نحو 70 يوماً تقريباً، وكنا نعمل فى اليوم نحو 18 ساعة، بعد تسلم الأرض من المحافظة بدأنا عمل بعض اختبارات السطوح ثم تسويتها، نظراً للطبيعة الصحراوية، وأنشأنا قواعد خرسانية، وقوائم حديدية تحمل ألواحاً شمسية، وأحد أهم الأسباب الرئيسة التى جعلتنا ننتهى من المحطة فى وقت سريع، هو وجود الخامات، ولم تواجهنا مشكلة واحدة فى توافر تلك الخامات اللازمة لعمل المحطة، وأنهينا مدة التنفيذ، وتم تشغيلها تجريبياً لمدة 10 أيام، قبل تسليمها لشركة الكهرباء».
المدير: تغلبنا على عامل الوقت بروح العمل الجماعى ومهندس: المصريون أثبتوا قدرتهم على التحدى
ويؤكد «عبدالمنعم» أن الهدف من إنشاء محطة الطاقة الشمسية هو تحويل مدينة شرم الشيخ إلى مدينة خضراء، خاصة أنها مدينة سياحية عالمية، مما يساعد على جذب السائحين إلى المدينة، إضافة لتقليل الانبعاثات الضارة من الطاقة التقليدية، مثل غاز ثانى أكسيد الكربون، وبعد الانتهاء من المحطة بالكامل ستعتمد مدينة شرم الشيخ على الطاقة الشمسية فى إنارة وتشغيل معظم مبانيها، حيث إن المحطة تنتج حالياً 5 ميجا، ومن المخطط أن يصل إنتاجها بالكامل 40 ميجا بعد الاكتمال.
ويضيف أن العائد على المواطنين من استخدام الطاقة الشمسية سيأتى تدريجياً، خاصة أن الانبعاثات الحرارية ستقل بشكل كبير، إضافة لتقليل الاعتماد على الوقود فى تشغيل محطات الكهرباء التقليدية، ما ينعكس على تقليل الاستيراد وتوفير العملة الصعبة، والأهم هو أن تكاليف تشغيل محطات الطاقة الشمسية أقل بكثير من محطات الكهرباء التقليدية، لأن مصدرها الرئيسى هو الشمس، وهى مورد طبيعى.
ويرى أن لدينا فرصة عظيمة لتطبيق مثل هذا المشروع فى محافظات أخرى، ولدينا مشروعات كثيرة فى عدة محافظات، مثل القاهرة والإسكندرية وأسوان وشرم الشيخ، والدولة تشجع على استخدام الطاقة الشمسية والتوسع فى إنشاء محطات لها.
ويشير إلى أن المواطن العادى لديه فرصة لتشغيل الطاقة الشمسية النظيفة فى منزله، كل ما يحتاج له هو الذهاب لشركة التوزيع التابع لها المواطن، ويتقدم بطلب للشركة بإنشاء محطة طاقة شمسية، وبعدها يذهب لأى شركة متخصصة فى الطاقة الشمسية تكون معتمدة من هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة، وسيتم إنشاء المحطة التى يحتاج إليها، كل ما فى الأمر هو توفير مساحة من الأرض تناسب قدرة المحطة التى يطلب إنشاءها، وسيتم التعامل مع المواطن بنظام المقاصة، حيت يتم توليد طاقة من المحطة يتم خصمها من استهلاكه ومحاسبته على الفرق.
ويقول «عبدالمنعم» إن «الوقت المفترض لإنشاء محطة قدرتها 5 ميجا يستغرق 5 أشهر، لكننا استطعنا إنجازها فى شهرين ونصف فقط، وكنا نواصل العمل ليلاً ونهاراً حتى استطعنا إنجاز تلك المحطة فى أسرع وقت، وفى الحقيقة لدينا فى مصر مواهب عظيمة قادرة على العمل فى أى تكنولوجيا جديدة، خاصة أن المهندسين المصريين أثبتوا للعالم قدرتهم على التحدى وإنجاز أى مشروع فى أسرع وقت بأفضل مواصفات عالمية، وهذا يتضح فى المشروعات القومية التى تنفذها مصر فى الوقت الحالى فى كافة المجالات، سواء كان المشروع القومى للطرق أو مشروع الأنفاق ومشروعات تحلية المياه ومشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة وغيرها من المشروعات القومية التى تم تنفيذها بأياد مصرية شابة وطموحة».
وبخوذته البيضاء والجاكيت الأصفر يتجول يحيى عبدالرحيم أنور، مدير مشروع محطة الطاقة الشمسية بشرم الشيخ، ممثل شركة مدكور، إحدى الشركات المنفذة للمشروع، متفقداً الكابلات الكهربائية والبطاريات والألواح الشمسية. ويتحدث عن أبرز المعوقات التى واجهتهم فى تنفيذ المشروع قائلاً: «عامل الوقت كان تحدياً كبيراً بالنسبة لنا، واستطعنا التغلب عليه، بجانب أن المسافة بين القاهرة وشرم الشيخ طويلة وعبور الأنفاق بالمعدات والخدمات كان عملية صعبة، لكن الإدارة والدولة وفرت لنا كل ما نحتاج له من مساعدة».
ويوضح أن المشروع حالياً أصبح مربوطاً بشركة الكهرباء الخاصة بمدينة شرم الشيخ «موزع سافرى»، وهذا الموزع هو المسئول عن توزيع الكهرباء للمدينة، حيث يتم تغدية مبانى المدينة بجزء من هذه المحطة، ويكمل: «المشروع هو ثانى مشروع أشارك فيه مع الشركة التى نفذت مشروعاً سابقاً فى مدينة الفرافرة ضمن مشروع توفير الطاقة الكهربائية لمشروع المليون ونصف المليون فدان منذ 2015.. واستطعنا أن نحقق نجاحاً كبيراً، ما أهّلنا للعمل فى مدينة شرم الشيخ». وطالب «أنور» المواطنين بأن يستفيدوا من المبادرة التى طرحتها وزارة الكهرباء، للتحول إلى الطاقة الشمسية، بشرط وجود مساحة كافية لوضع ألواح المحطة فيها، وهناك إمكانية لربط هذه الكهرباء على عداد الكهرباء المنزلى.
ويؤكد أن «روح العمل الجماعى وراء الإنجاز فى العمل، ونعمل معاً بتعاون كبير أدى فى النهاية لإنجاز المشروع فى وقت قياسى، والجهات الحكومية المسئولة فى محافظة جنوب سيناء وفرت لنا ما نحتاجه».
ويقول المهندس مصطفى محمود، أحد المسئولين العاملين فى مشروع الطاقة الشمسية بشرم الشيخ، بشركة جيلا، إن أحد أدواره بالمشروع متابعة الصيانة، وترتيبات نقل الطاقة، بجانب مشاركته فى مشروع بنبان بأسوان، وهو المشروع الأكبر والأضخم فى مصر فى مجال الطاقة الشمسية. ويتابع: «مشروع الطاقة الشمسية بشرم الشيخ مكون من 3 محولات كل محول عبارة عن 2 ميجا، به 15240 لوحاً شمسياً مقسمة على 32 إنفرتر، بقدرة إجمالية 5 ميجاوات، ويعمل المشروع بكفاءة كبيرة وعالية».
ويتذكر محمود بدايات العمل فى المشروع قائلاً: «تسلمنا هذه الأرض وهى عبارة عن صحراء جرداء، واستمر العمل ليل نهار لتسويتها وتهيئتها لتكون صالحة لوضع البنية التحتية للمحطة، ثم بدأنا الإنشاءات الخاصة بالمحطة، حتى انتهينا منها فى وقت قياسى يُحسب للعاملين بالمحطة والمهندسين المصريين المحبين لبلدهم، الذين استطاعوا التغلب على الارتفاع الرهيب فى درجات الحرارة وصعوبة المواصلات والطبيعة الصحراوية لهذه الأرض التى تحولت إلى محطة عملاقة لإنتاج الطاقة الشمسية فى أيام معدودة».
«الكنترول روم» أو غرفة التحكم، هى غرفة لا تتعدى مساحتها 10 أمتار، بها جهازا كمبيوتر، إلى جانب دولاب بداخله العديد من الأجهزة الصغيرة، دور الأجهزة الموجودة داخل هذه الغرفة هو مراقبة عمل المحطة، وتحديد الأعطال التى قد تنتج، ومكان العطل بالتحديد وكيفية حل هذا العطل. ويعتبر نور عبدالعاطى السمان، فنى الصيانة بالمحطة، أن «دور غرفة التحكم الآلى أساسى ورئيسى ويمكن من خلاله معرفة أى مشكلة فى المحطة واقتراح طريقة لحلها، كما أن هناك وحدة مراقبة كاملة بالكاميرات بالمحطة لإضفاء مزيد من الأمان».
أقرا إيضا
رئيس «التوكل جيلا»: جاهزون لمشاركة الدولة فى مشروعات التحول إلى الطاقة المتجددة