أحلى ما فى فيس بوك أنه قادر على صنع أشخاص هم غير موجودين أساساً، وأنت تستطيع محادثة نظير لك هو موجود فعلاً، لكنه ليس الشخصية التى تحادثها، وإنما شىء مختلف تماماً.
أنا لا أقصد الحسابات الوهمية. ولا الحسابات المزورة، ولا خيالات حروب المخابرات وخلافه، إنما أقصد هؤلاء الذين حاصرهم الواقع، وفشلوا فى تحقيق ذواتهم، فقرروا استخدام الواقع الافتراضى بديلاً للواقع المادى فى رسم شخصيتهم.
المسألة بسيطة للغاية، أنت تستطيع عبر فيس بوك إعلان مواقف، وإصدار نداءات، وتوجيه اتهامات، يعتقد من يطالعها أنه يتعامل مع فارس من فرسان العصور الوسطى، وهو فى الحقيقة فارس من مدرسة دون كيشوت، يحارب طواحين الهواء، بسيف من الورق، متصوراً أنه قائد فصيل يخترق حشود الأعداء، وهو فى الحقيقة مجرد حالم، لكنه من أحلام اليقظة.
أعرف نماذج كثيرة تنطبق عليها هذه المواصفات، تستمتع بقراءة البوستات التى يخطّونها، وتتخيل أنهم ملائكة الرحمة من مواقفهم المُتخيلة، أو أنهم على وعى وإدراك عميق بتفاصيل مهن وأعمال عدة، من كثرة ما يكتبونه بخبرات «سماعى»، وهم فرسان العصر، أصحاب المبادئ، أصحاب الحقيقة، الملتزم الأكبر، والشخص الأفضل، وهكذا هم لا يستخدمون إلا «الأفعل» ولا يقبلون بأقل من ذلك.
هؤلاء الذين تعشقهم لكتاباتهم، ونعومة مشاعرهم وصدق أحاسيسهم، ربما بل فى الأغلب تلعنهم وأنت تتعامل معهم فى حياتهم اليومية جراء سلوكياتهم المقززة، ونفوسهم المريضة تجاه الآخرين.
السؤال هو: ما الذى يمنعهم من استخدام صيغة «الأفعل» فى التعبير والتعريف عن أنفسهم، ولماذا يمتنعون طالما لا يوجد ما يمنعهم، أو يكشف حقيقة شخصياتهم المزيفة، والتى لا تعكس مقدار ملليمتر من الحقيقة.
المسألة وما فيها، أن ستار الوهم الفيس بوكى، قادر على رسم شخصيات وهمية لحالات حقيقية، هم موجودون فى حياتنا، وتقابلهم وتعايشهم، لكنهم على الحقيقة بشخصيات لا صلة لها بما يزعمونه ويرسمونه عن أنفسهم على حسابات فيس بوك.
أجمل ما فى فيس بوك أنه تطبيق عملى رائع لمقولة «الكلام ماعلهوش جمرك»، وتجسيد صادق لوسيلة تعويض الفاشلين عن تحقيق ذواتهم فى عالم الواقع، فيحققونها فى العالم الافتراضى.
إخواننا على فيس بوك: فيه ثورة هتحصل قريباً فى وسط أفريقيا.. استعدوا للهتاف تأييداً لها، واعتبروا أنفسكم من خطط لها، وحرّض عليها ونفذها.
فعلاً فيس بوك مصر حاجة تانية.