«تدويل الخدمات المصرفية» البنوك المصرية تدخل سباق المنافسة فى 4 قارات
عمرو كمال وعاطف المغربى
أطلقت الكثير من البنوك الكبرى فى أوروبا والولايات المتحدة خططاً عالمية جريئة لتدويل خدماتها المصرفية بداية القرن الحالى، وسعت بكل الوسائل الممكنة لتحقيق نمو على الصعيد الدولى، فقد استحدثت أعمالاً مصرفية للعملاء من تجار التجزئة والشركات فى مناطق جديدة، وجمعت الكثير من الأصول الأجنبية، وتمكنت من تحقيق أرباح مرتفعة وأصبحت نموذجاً للتدويل يُحتذى به. اتسع نطاق تدويل البنوك بشكل سريع من خلال عمليات الدمج والاستحواذ عبر الحدود، أو إنشاء فروع ومكاتب تمثيل فى دول خارجية، أو زيادة قاعدة البنوك المراسلة فى كافة أنحاء العالم.
ولعل السبب فى توجه البنوك إلى تدويل خدماتها هو الرغبة فى نمو الاستثمارات المباشرة الدولية من خلال فتح فروع خارجية، أو للاستفادة من الحوافز والامتيازات التى قد تقدمها الدول المضيفة كالإعفاءات الضريبية، إضافة إلى الحد من المخاطر عن طريق تنويع الأسواق، حيث إنه يعزز من قدرة البنك حال حدوث خسائر محلية وتغطيتها بعوائد أجنبية.
باسم قمر: عمليات التدويل بحاجة لكيانات مصرفية عملاقة.. والبنوك المصرية لم تستغل قدراتها الخارجية بعد
كما يُعد تشبع السوق المحلية أهم المبررات التى تدفع البنوك إلى تدويل خدماتها لضمان بقائها، فيما يلعب تدويل الخدمات المصرفية دوراً حيوياً فى خدمة سياسة الدولة الاقتصادية، وتعزيز حركة التبادل التجارى وزيادة صادراتها.
على الرغم من أن تدويل الأنشطة البنكية يُعد فائدة بالنسبة للبنك والنظام المصرفى ككل فى حالة تحقيق العوائد ورفع الفاعلية، فإنه قد يكون نقمة فى حالة تحمل خسائر وأعباء ناتجة عن ظروف خارجية فى الدولة المستضيفة، وهذه نتيجة شروط فرضتها العولمة المالية كمنطق للتعامل والتبادل.
وعلى المستوى المحلى توسع كثير من البنوك فى تدويل خدماتها، إلا أنه فى مسح قام به «الوطن الاقتصادى» أوضح أن السوق المحلية تضم نحو 13 بنكاً مصرياً، من بينها 5 بنوك مصرية فقط تعمل على تدويل خدماتها خارجياً وهى: البنك الأهلى، مصر، القاهرة، والعقارى المصرى، والبنك التجارى الدولى، مقابل نحو 25 بنكاً أجنبياً تفتتح فروعها فى مصر.
حيث توجد البنوك المصرية فى 4 قارات هى أفريقيا، آسيا، أوروبا، وأمريكا الشمالية.
فيوجد البنك الأهلى فى 8 دول خارج مصر أبرزها أمريكا، والصين، إلى جانب شبكة من البنوك المراسلة بلغت 1086 فى مختلف أنحاء العالم، كما يوجد بنك مصر فى 6 دول أبرزها الإمارات ولبنان وألمانيا، ويتعامل مع 300 بنك مراسل فى 43 دولة حول العالم. فيما يوجد بنك القاهرة فى 5 دول أبرزها أوغندا، من خلال بنكه الخاص، والإمارات والصين، بينما يوجد البنك العقارى المصرى فى كل من فلسطين والأردن، ومؤخراً قام البنك التجارى الدولى CIB بتأسيس مكتب تمثيل بالعاصمة الإثيوبية «أديس بابا»، بينما لا يزال البنك الزراعى يدرس التوسع فى الأسواق الأفريقية.
وعلى الرغم من قوة وصلابة القطاع المصرفى فإن هناك نحو 8 بنوك لا تسعى للتوسع خارجياً، وتعانى من عدم وجود شبكة بنوك مراسلة لديها حول العالم، وذلك فى ظل حاجة مصر للوجود المصرفى فى الدول الأفريقية، لدعم خططها الطموحة لغزو السوق الأفريقية اقتصادياً، وزيادة عمليات التبادل التجارى، وإنشاء المزيد من الاستثمارات فى أفريقيا.
كما يوجد نحو 14 مليون مواطن يقيمون بالخارج بحاجة لمزيد من الفروع، أو شبكات بنوك مراسلة، خاصة أن تحويلات العاملين بالخارج توفر الكثير من العملة الصعبة، فوفقاً لبيانات البنك المركزى بلغ إجمالى تحويلات العاملين بالخارج نحو 25.5 مليار دولار خلال 2018.
فلم تعد المنافسة الخارجية اختياراً بعد اندلاع الثورة الصناعية الرابعة بما تقدمه من تكنولوجيا متطورة تيسر من تدويل الخدمات المصرفية عبر الحدود بسرعة وأمان، والتى أسفرت عن ميلاد كيانات إلكترونية جديدة كالبنوك الرقمية التى يمكن للعميل فى أى من دول العالم التعامل معها مباشرة من مكانه، خاصة إذا كانت هذه البنوك تمنح عوائد مرتفعة، وذلك لانخفاض الأصول لديها، وانخفاض تكاليف تشغيلها أيضاً.
لذلك يمكن القول إنه فى السنوات المقبلة سيتآكل نصيب البنوك التى لم تتمكن من تدويل خدماتها المصرفية.
والجدير بالذكر أن البنك المركزى من جانبه يشجع التدويل عبر نص قانون البنوك الجديد على زيادة رأس مال البنوك إلى 5 مليارات جنيه، بدلاً من 500 مليون جنيه لكل بنك حالياً.
عمرو كمال: اقتحام الشركات التكنولوجية سوق الخدمات المالية يفرض على البنوك تخطى الحواجز وفتح أسواق جديدة
فى سياق متصل قال عمرو كمال، رئيس البنك العقارى المصرى، إن التوسع الخارجى للبنوك أمر لا يمكن العزوف عنه لاستمرارية وجود البنك ومنافسته، خاصة بعد التطور التكنولوجى الهائل، ودخول شركات عالمية لتحويل الأموال حيز المنافسة المصرفية. وتابع كمال أن تدويل الخدمات المصرفية يعزز من انتشار البنوك، ويزيد من أرباحها.
وأوضح أن البنك يمتلك ١٣ فرعاً فى الأردن، و٨ أفرع فى فلسطين، ما يجعلها بوابة لدخول الصادرات والاستثمارات المصرية إلى دول شرق وغرب آسيا أو العكس، وتحقق الفروع الخارجية مكاسب كبيرة للبنك، حيث حققت فروع الأردن أرباحاً بقيمة 2 مليون دولار، وفروع فلسطين حققت أرباحاً بقيمة 350 ألف دولار، خلال الفترة من أكتوبر 2018 حتى مارس 2019. وعقّب باسم قمر، كبير الاقتصاديين لمنطقة جنوب الشرق المتوسط بالبنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية، بأن البنك الراغب فى التدويل لا بد أن يكون خاضعاً لإشراف البنك المركزى للدولة المستضيفة، لذلك لا بد أن يمتلك البنك الخبرة الكافية للتعامل مع القوانين التى تحكم مختلف الدول وكيفية المواءمة معها. واستكمل: «على الرغم من صعوبة افتتاح فروع جديدة بدول خارجية لأنها بحاجة لبناء مصرفى قوى ومتكامل ليكون قادراً على تحمل المخاطر الائتمانية، إلى جانب التعامل بالعملة المحلية للدولة، فإنه ليس بالمستحيل».
وأضاف أن البنوك المصرية على الرغم من صلابتها ليست منتشره عالمياً بشكل كبير، ولم تظهر قوتها على الساحة المصرفية الدولية بعد، فوجود البنك محلياً يجعله فى منأى عن الأزمات والمتغيرات الدولية.
عاكف المغربى: التقلبات السياسية وتغيرات أسعار الصرف أبرز مخاطر التدويل المصرفى.. ونستحوذ على 30% من تحويلات المصريين بالخارج
وفى سياق متصل أضاف عاكف المغربى، نائب رئيس بنك مصر، أن البنك يمتلك 5 فروع بالإمارات، كما يمتلك نحو 93% من بنك مصر لبنان، ويمتلك نحو ٢٠ فرعاً فى لبنان، إضافة إلى استحواذ البنك على 70% من بنك مصر أوروبا ومقره فى ألمانيا، إلى جانب مكتب تمثيل فى الكوت ديفوار، وروسيا، والصين. وتابع أن البنك يدرس فتح مكاتب تمثيل فى ميلانو إيطاليا، وكينيا، وكوريا الجنوبية.
كما ذكر أن بنك مصر يستحوذ على نحو 30% من تحويلات المصريين بالخارج، مضيفاً أن فروع بنك مصر الخليج تمكنت من جذب استثمارات فى أدوات الدين الحكومية بقيمة 500 مليون دولار خلال عام تقريباً.
وذكر «المغربى» أن أكثر المخاطر التى تواجه البنوك عند تدويل خدماتها هى المخاطر السياسية والمخاطر التى تواجه معدلات أسعار الصرف، إضافة إلى عدم وجود خبرات كافية لدراسة الأسواق الخارجية جيداً ومواجهة تقلباتها الاقتصادية، كما تعانى بعض الأسواق المستهدفة من ارتفاع معدلات الفساد والتى يصعب التعامل فيها، إلى جانب محدودية الكوادر العاملة فى السوق المصرية.