لم يعد لدى شك أن الثورة التى نحتاجها هى ثورة على النفوس التى لم تمنحنا سوى المسخ! نعم صار معظمنا مسخاً لما تعنيه حتى كلمة إنسان فى قاموس البشرية. أضف إلى هذا «كوكتيل» من الصفات التى تؤكد المعنى وتزيده قبحاً، وعلى رأسها قلة الكفاءة والضمير والرؤية والإرادة. وتندهش وأنت تتابع حالة المسخ المجتمعى تلك، بينما الممسوخون يزدادون ثقة على ثقة ينعتون أنفسهم بالفهم والمعرفة والقدرة على التصرف. وهم عن كل هذه المفاهيم بعيدون. وفى اعتقادى المتواضع فإن أول خطوة فى طريق الثورة على النفس هى تعلم الأخلاق التى فقدناها عن عمد لا بالمصادفة. حينما أغرقونا بثقافة الاستهلاك وسيطرت علينا مفاهيم الزحام. فقدناها حينما استحللنا الحرام ووجدنا له المبررات. فقدناها حينما قطعنا أحبال التواصل مع بعضنا البعض ورأينا الرحمة عبطاً والمساعدة ضياعاً للوقت والتفهم استكراداً. فقدناها حينما قصَرنا علاقتنا بالله فى عبادات منصوص عليها فى الدين وتناسينا حديث الهادى «خيركم فى الجاهلية خيركم فى الإسلام»، فى إشارة إلى أن الأخلاق هى الأساس. فقدناها حينما تعالينا على الآخر أياً كان الآخر وظننا بجهل أننا الأفضل. فى الوقت الذى لا نعرف فيه ديانة أو المستوى الاجتماعى والفكرى أو التعليمى للمرأة التى دخلت النار فى هرة، ولم نخبر تفاصيل حياة الرجل الذى دخل الجنة فى كلب! فقدنا الأخلاق فضاع كل شىء حتى الدين الذى صار شكلياً، تُختصر ملامحه فى ذهاب لمسجد أو خروج من كنيسة. فقدنا الأخلاق حينما صار المال معيار التقييم للبشر وصارت الإنسانية ومعانيها كلمات جوفاء لا قيمة لها. فقدنا الأخلاق ففقدنا الروح والقدرة على التأثير والإبداع والتميز والنجاح، فصار التفوق فى بلادنا شخصى فردى لا يقوم على المؤسسية، يرتبط بقدرات الأشخاص واجتهادهم لا بالعمل الجماعى. فقدنا الأخلاق فصدرنا القبح لأنفسنا وصار الطبيعى أن تستمع وتتعرف على الألفاظ النابية -التى لا تعبر إلا عن انحطاط مجتمعى- على ألسنة الفنانين والإعلاميين والمثقفين للأسف -أو من يدعون ذلك- فصرنا نقارن بين الإباحية والانحطاط بجبروت ونفاضل بينهما!! عن أى ثورة وتغيير نتحدث طيلة الوقت ونحن نفتقد لآدميتنا ولا ننظر للمسخ الذى صرنا إليه ووصل له حالنا؟ عن أى ديمقراطية نتكلم ونحن نحجر بجهل على آراء بعضنا البعض؟ عن أى تقدم نتناقش ونحن لم نجلس لنفكر فى القيم التى تتهاوى يوماً بعد يوم؟ يا سادة يا كرام تدبروا فى أخلاقكم وفكروا كيف نعيد تقييم الجمال فى أنفسنا لنراه فيما حولنا؟ يا أفاضل لا تنساقوا وراء أهوائكم وابدأوا بأنفسكم ولا تستشعروا الضعف وقلة الحيلة وعدم القدرة على الفعل. علموا أبناءكم قيم ومبادئ الخير والجمال والحق، اجعلوهم أساساً نبنى عليه عصر التنوير المصرى إلى أن يفيق مثقفونا فى كافة المجالات فيدركون ما عليهم من مسئولية تجاه وطن منحهم شهرة ومالاً ونفوذاً فكرياً بين الناس، فيخرجون من كهوفهم ويعملون بين الناس لزيادة وعيهم لا لإغراقهم فى دوامات التفذلك والتقعر وعدم الفهم. قودوا حملات لإعادة الأخلاق أضمن لكم وطناً مزدهراً.