قبل أسابيع اعتمدت الحكومة، ممثلة في وزارة الأوقاف، تعديل أسماء ٤١٦ مسجدًا تحمل أسماء جمعيات وجماعات دينية ومتطرفة، كدفعة أولى في هذا الملف الجرئ المرتبط ارتباطا وثيقا بمستويات العنف والطائفية والتطرف المستشرية في عالم اليوم.
قرار تعديل أسماء المساجد التابعة للجماعات الدينية، وكذلك أسماء الجمعيات المنتمية إلى التنظيمات المتطرفة، هو قرار دولة 30 يونيو لتوكيد "مدنية مصر"، وإذا كان تعديل أسماء المساجد وجيهًا باعتبارها لا تدعو مع الله أحدا.. فإن تعديل أسماء الجمعيات الدينية هو الأكثر وجاهة، لأن أسماء هذه "الجمعيات" تمثل خطرا على الأمن القومي والسلم الاجتماعي، فهي تخاطب لاوعي المواطنين، وتمر فيهم حتى يألفوها!
اسم "الجمعية الشرعية" مثلا يعني أنها لا تعالج في مراكزها الطبية إلا المصريين "المسلمين" فهم فقط في نظرها "الشرعيون"؟ وجمعية "الشبان المسلمين"، التي شارك في تأسيسها حسن البنا، مؤسس تنظيم الإخوان الإرهابي، كيف سيكون رد فعلها إذا طلب المصري المسيحي الالتحاق بأحد أنشطتها العامة، وهو، حسب سرطان التسمية الخبيث، ليس مصريا!
هذه خطط طائفية وإقصاء باطني، أدت في النهاية إلى رد فعل مقابل بإنشاء "جمعية الشبان المسيحية"، ولا يليق أبدًا بدولة مصر بعد ثورة "30 يونيو"، التي تخلصت من حكم جماعة كانت تنوي احتكار مصر ودينها، أن تبقى بها مثل تلك التسميات، التي تمثل أرضية خصبة بنمو الفُرقة. فالاستخدام السياسي، الذي مهدت وبنَت فيه هذه الجمعيات الدينية منذ إنشائها، وتحديدا بعد اندلاع ثورة يناير في 2011، وظّفها توظيفًا يلائم انتماءاتها الشاذة، وكادت تُورد الدولة المصرية مهالك الانقسام والشقاق والطائفية ومحاصرة الشعب المصري.
إذ ليس من المقبول بأي حال أن تبقى كما هي رغم التغييرات الجذرية التي حدثت لمجتمعنا وما دفعه من ثمن لكي يحافظ على شكله هو ..لا شكل الجماعة التي تهدده آناء الليل وأطراف النهار، لذا صار الأمر من معلوما من الأمن القومي بالضرورة. وتعديل المسار المعوج هذا جدير بمحتوى التعديلات الدستورية الأخيرة التي أقرها الشعب، وألغى فيها "كل ما يفرق بين المواطنين على أساس ديني في اسم أو مضمون" وهو ما يوجب نسْفَ هي الأسماء الصَّنَميّة التي زُرعت بين مواطنينا من عشرات السنين، وعلى رأسها الجمعيات الدينية الكبيرة المنتشرة في جميع مدن وقرى مصر تقريبا مثل "الجمعية الشرعية، وأنصار السنة، و"الشبان المسلمين" ، والأخيرة بالتحديد يجب الإسراع في محو اسمها من النفوس لأنها أولا مرتبطة باسم "البنا"، مؤسس أكبر تنظيم إرهابي في آخر 200 سنة، وثانيا لأنه يتم إستخدام الجماعة الإرهابية لها لما يمكن تسميته "التجنيد بالتسمية"، وثالثا لثبوت اختراق عدد من أعضاء الإخوان مجالس إدارت هذه الجمعية بفروع المدن والمحافظات حتى وصل أحد نواب حزب "الحرية والعدالة" المنحل، الذراع السياسية المبتورة للإخوان، إلى منصب رئيس مجلس إدارة أحد الفروع الكبيرة بإحدى المحافظات!
وبما أن الحكومة المصرية أصدرت قرارها التاريخي بحظر تنظيم الإخوان وكل من له علاقة مباشرة أو غير مباشرة به، كمدارس وشركات صرافة، فهنا يتوجب على ما يسمى بـ"جمعية الشبان المسلمين" عدم التمسك باسمها بعد ثبوت علاقة والتباس بينها وبين تنطيم الإخوان واسم الجمعية، الذي يستغله الإخوان شر استغلال.
وعطفًا على ما سبق، فإن اكتساب الجمعيات صفة القانونية يفرض عليها لائحة نظام أساسي محدد الأهداف والأنشطة، وإذا كان من بين هذه الأهداف ما يبرر الطائفية والاستغلال السياسي والإرهاب فإننا حتما نكون أمام حالة "غير دستورية"، فـ"المُسمّى" عنوان للفكرة وأثر مرئي لما يدور داخل العقل، وعليه ينبغي أن يكون المُسمى معبرًا بوضوح عن الهوية وعن مقصود حقيقة الفكرة، ومتماشيا مع الدستور والقانون، لا غريبا عنهما أو ضدهما على طول الخط، وهذا يكشف مدى قدرة الدولة على تطبيق القانون والحفاظ على هوية أمة نجتْ من سيناريو حرب دينية مدمره عبر جماعة كرست كل جهودها لإشعال الفتيل في الشارع المصري، وانتشرت لافتاتها ودعواتها المريضة المُمرضة بشوارع المصريين تحمل عبارات التفريق وتنتقل بنا من مرحلة "الذنب" إلى مرحلة "المجاهرة بالذنب"!
كما تحاول فرض اعتيادٍ وتطبيعٍ لهذه "الطائفية" و"العنصرية" لتصبح جزءًا من الثقافة اليومية التي يبصرها أهل مصر صباح مساء، ليمتلئ بها العقل الباطن، ومن ثمَّ يدركها الوعي وتبدأ حينئذ مرحلة التطبيق التدميري. إن هذا البلد الأمين لا يرضى أن يكون إلا آمنًا بشعب مطمئن يأكل طعامًا واحدًا ويلبس زيا متقاربا في الروح والقيم ويصلي لإله واحد لا يُفرق بين فرد ومجموع، وبين إيمان درجة أولى وإيمان درجة ثانية.. نحن أمام حالة تغيير هوية وليست مجرد أسماء سمّاها مغرضون يلعبون على فخاخ الزمن وأن الذاكرة المصرية تهضم كل شيء ويمكن تعويدها على أي شيء، لذا على الجهات المسؤولة سرعة تكسير هذه الأجساد بوشمها الملعون لتتسق الصورة الكلية مع ما يعيشه المصريون في واقعهم .. لا ما يريده هؤلاء أن نعيشه قهرًا وعلى حد الخطر!