بعض المواطنين يجدون صعوبة فى التعامل مع التكنولوجيا
اتجاه الدولة للرقمنة أو ما يطلق عليه «الميكنة»، لم يتوقف عند باب الخدمات الإلكترونية، بل تطور تدريجياً، فصارت المرتبات تصرف من خلال بطاقات «ATM»، وانطلقت مشاريع مثل الدفع غير النقدى، ومنظومة الشكاوى الإلكترونية الموحدة، ورغم ذلك تظل نسبة لا بأس من المواطنين تخشى التعامل مع التكنولوجيا، وتشعر أحياناً بالعجز أمامها، لأسباب عديدة، لا تخلو من الطرافة والغرابة.
محمد السيد، 63 سنة، موظف على المعاش، أكد أنه كان قلقاً من تقاضى مبلغ المعاش، من خلال بطاقة ائتمان: «فضلت فترة أروح البنك، وأقف فى الطابور بالساعات عشان آخد القبض، وأتأكد من المبلغ.. ما يمكن البطاقة الصغيرة تطلع المرتب مش مظبوط».
بعد فترة قرر «محمد» السير فى الركب والتعامل ببطاقة الائتمان، بعد أن أقنعه بعض أصدقائه أن الأمر ليس معقداً: «رحت أقبض ماعرفتش، ولاقيت البطاقة مخرجتش من الجهاز، وقتها الناس اللى حواليا قالوا لى إنى عملت حاجة غلط، وقعدت أسبوعين علشان تطلع البطاقة مرة تانية، ومن ساعتها وأنا مش بروح أقبض، وبخلّى ابنى الكبير يقبض لى».
وجود نخيل مائل على أسلاك الكهرباء المقابلة لشرفة منزل، بخيتة عبدالسلام 50 عاماً، فى إدفو بأسوان، دفعها إلى تقديم شكاوى مختلفة لمسئولى الحى دون استجابة، وما إن سمعت عن مبادرة «صوتك مسموع»، التى أطلقتها وزارة التنمية المحلية، قررت أن تلجأ لها، ولكن لكونها ربة منزل غير متعلمة، قدمت شكواها بحيل مبتكرة: «خليت حد من جيرانى يكتب لى الشكوى على ورقة فلوسكاب كبيرة، علشان خطه حلو وواضح، وبعدين طلبت من حد من ولادى يعمل لى حساب باسمى على فيس بوك، ويحط الورقة على صفحة المبادرة، عشان المسئولين يشوفوا شكوتى، وطبعاً لو كنت لوحدى عمرى ما كنت هاقدر أتعامل مع الكمبيوتر».
صفاء إسماعيل، 55 سنة، مدرسة، تعرضت لموقف محرج خلال أول تعامل لها ببطاقة الائتمان، لتسلم مرتبها، كلما تذكرته تضحك هى وأبناؤها: «مرتبى فيه كسور، بعد ما قبضت لقيت المرتب ناقص، فى البداية ما فهمتش، وقلت أكيد فى حاجة غلط، وفضلت أدخّل البطاقة كل شوية عشان الباقى يطلع، ومشيت وأنا غضبانة، وقلت لازم أروح أقدم شكوى، لولا أولادى شرحوا لى الموقف كله».
تبتسم «صفاء»، وهى تؤكد أن طبيعتها الفضولية دفعتها للقراءة عن الموضوع، وفهمت أن هناك اتجاهاً عاماً لأن يكون كل شىء فى الدولة إلكترونياً، كخطوة لإحلال التكنولوجيا فى الوظائف العامة، لكنها تأسف عن حال أبناء جيلها، ممن تقارب أعمارهم الـ50 عاماً، حيث يجدون صعوبة فى استيعاب تلك الآليات والتعامل بها: «فى ناس تتكسف تسأل الشباب إزاى يتعاملوا مع التكنولوجيا الحديثة، خاصةً الرجالة هياخدوا الموضوع على صدرهم، وده بسبب الأمية التكنولوجية».
ليس الكبار فقط من يجدون صعوبة فى استخدام التكنولوجيا، بل أيضاً بعض الشباب، فخلال التقديم لمسابقة لتشغيل الرائدات الريفيات بالوحدات الصحية فى 11 محافظة على سبيل المثال، نسبة كبيرة من السيدات آثرن التقديم ورقياً، وليس إلكترونياً، على الرغم من صعوبة الأمر، فتقول شيرين خالد، من بنى سويف، إنها قدمت فى المسابقة من خلال مديرية الصحة الموجودة بالمحافظة: «أنا خريجة إعلام بنى سويف، والشروط كلها تنطبق علىّ، لكن أنا ما اعرفش أقدم إلكترونياً، بسبب كثرة الإجراءات، ما جعلنى أشعر بأنها معقدة، فقدمت وكثير من زميلاتى ورقياً، وقمنا بالذهاب إلى المديرية لضمان وصول الورق إلى المسئولين».
المسابقة التى انطلقت فى محافظات «الفيوم، بنى سويف، المنيا، أسيوط، سوهاج، قنا، أسوان، الأقصر، القليوبية، البحيرة، الشرقية»، كانت بالنسبة للمتقدمات لغزاً كبيراً، والسبب عدم قدرتهن على الدخول على موقع الوزارة، أو صفحتها على «فيس بوك» لمعرفة موعد إعلان النتيجة، فبالنسبة لهم التكنولوجيا المتمثلة فى وسائل التواصل الاجتماعى، أو بوابة الحكومة الإلكترونية، شىء جديد عليهن تماماً، فى ظل عدم حصولهن على تدريب للتعامل معها.
تكوين مجموعة على شبكة الإنترنت للتعرف على النتيجة الخاصة بالمسابقة، هى الحيلة التى لجأت إليها السيدات، حيث اخترن من بينهن من يجدن استخدام التكنولوجيا بشكل محترف، فتقول لبنى عبدالفتاح من سوهاج: «شعرنا بالقلق الشديد، وأردنا الاطمئنان هل سيتم قبولنا أم لا، خاصة أن البعض منا واجه مشكلات خلال عملية التقديم، لذا رشحنا عدداً منا، لمتابعة النتيجة إلكترونياً، وهو أمر لا نفخر به، ولكن فى الحقيقة لم نحصل على تعليم أو تدريب تكنولوجى كافٍ يساعدنا فى حياتنا اليومية»،
لم تنتهِ المشكلة، بحسب «لبنى»: «عندما قدمنا الورق فى إدارة الصحة، لاحظنا أن البعض تم قبول ورقه، بينما آخرون لم يتم قبولهم، بحجة أن المركز ليس تابعاً للإدارة، ويجب التقديم فى إدارة أخرى».
تعليقات الفيسبوك