فى نهاية الحلقة الأخيرة من برنامج «حديث شيخ الأزهر» المذاع على القناة الفضائية المصرية خلال شهر رمضان 1440هـ الموافق من 4 مايو إلى 3 يونيو 2019م، دعا فضيلة الإمام الأكبر المجامع العلمية والبرلمانات ومجالس الشيوخ إلى التفكير فى منع ضرب الأزواج والأطفال ومنع الضرب عموماً، مبرراً ذلك بأن الضرب بالرغم من أنه مباح بشروطه (والتى تحصره فى الضرب الرمزى) لكن لولى الأمر أن يقيد هذا المباح إذا رأى ضرراً يتحقق من تطبيقه، ومؤكداً أن ضرب الزوجات من وجهة نظره تتأذى منه الزوجة، فهو بالغ الأذى للمرأة عموماً وللزوجات خصوصاً. وأشار فضيلته إلى أن ضرب الزوجة أصبح من الأمور التى تسبب لها أذى نفسياً ينعكس سلباً على الأسرة، وقد كان ابن عطاء -فقيه مكة المعروف- من أوائل الذين رفضوا الضرب ولم يعتبره مناقضاً لما جاء فى القرآن لأن الضرب «الرمزى» مباح لك أن تأتيه وأن تدعه، ولا مانع لدينا فى الأزهر من فتح النقاش فى هذا الأمر للنقاش بين العلماء، مختتماً فضيلته الحلقة بالقول: «أتمنى أن أعيش لأرى تشريعات فى عالمنا العربى والإسلامى تجرم الضرب». وقد جاءت دعوة شيخ الأزهر لسن تشريعات تجرّم ضرب الزوجة والأطفال وكل الاعتداءات البدنية، بعد سجالات محمومة فجّرتها تصريحات قال فيها إن القرآن أباح ضرب الزوجة الناشز ضرباً غير مبرح، وذلك خلال شرحه لكلمة «واضربوهن» فى الآية 34 من سورة النساء.
وإذا كان حديث شيخ الأزهر عن إباحة ضرب الزوجة الناشز قد أثار الكثير من الجدل، فإن الدعوة إلى سن تشريعات تجرم ضرب الزوجة والأطفال لم تجد حظها من الاهتمام الواجب، فلم يبادر أى من أعضاء مجلس النواب إلى تقديم مشروع قانون فى هذا الشأن، ولم أقرأ مقالاً صحفياً واحداً يتناول حكم ضرب الزوجة فى ظل النصوص القانونية السارية حالياً. وفى هذا الشأن، يلاحظ أن المادة الستين من قانون العقوبات المصرى تنص على أن «لا تسرى أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتُكب بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة». وفى تطبيق هذه المادة، يلاحظ تردد القضاة بشأن حق الزوج فى تأديب زوجته. إذ إن بعض أحكام القضاء قديماً أنكرت حق التأديب، محتجة بعدم نص القانون صراحة عليه. خلافاً لذلك، أطلق بعض أحكام القضاء حق التأديب من كل قيد. ولكن، استقرت أحكام القضاء فى الوقت الحاضر على الاعتراف بهذا الحق، فى القيود التى تقررها الشريعة. فالضرب للتأديب مقيد بألا يكون شديداً ولا شائناً. وإذا تحقق الزوج أو ظن عدم إفادة الضرب فلا يضرب، لأنه وسيلة لإصلاح الحال، والوسيلة لا تكون مشروعة عند ظن عدم ترتب المقصود عليها. ومؤدى ذلك أنه إذا لم يكن فعل الزوج فى هذه الحدود، كأن ترتب عليه أثر فى جسم الزوجة، ولو سحجات بسيطة، أو كان لغير التهذيب، فالزوج مسئول عنه جنائياً.
وفى دولة الإمارات العربية المتحدة، كانت المادة الثالثة والخمسون من قانون العقوبات الاتحادى رقم (3) لسنة 1987م تنص على أن «لا جريمة إذا وقع الفعل بنية سليمة استعمالاً لحق مقرر بمقتضى أحكام الشريعة الإسلامية أو القانون، وفى نطاق هذا الحق. ويُعتبر استعمالاً للحق: 1- تأديب الزوج لزوجته وتأديب الآباء ومن فى حكمهم للأولاد القصّر فى حدود ما هو مقرر شرعاً أو قانوناً. 2- ... ولكن، وبموجب المرسوم بقانون اتحادى رقم (7) لسنة 2016م، تم تعديل المادة الثالثة والخمسين من قانون العقوبات، وذلك بحذف البند (1) المتعلق بتأديب الزوجة وتأديب الآباء ومن فى حكمهم للأولاد القصّر. وفى تفسير هذا الحذف، قد يرى البعض أن المشرع الاتحادى لدولة الإمارات العربية المتحدة لم يعد يجيز ضرب الزوجة تأديباً، وقد يرى البعض الآخر أن الأمر غدا متروكاً للاجتهاد الفقهى والقضائى فى ضوء الأحكام العامة. ومن هنا، تأتى أهمية الدعوة التى أطلقها فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر لسن تشريعات تجرّم ضرب الزوجة والأطفال وكل الاعتداءات البدنية، وذلك أسوة بحظر الضرب فى المدارس بعد أن كان مباحاً فى السابق. والله من وراء القصد.