ما زلت أتذكر مشهد افتتاح بطولة الأمم الأفريقية عام 1991، وكلمات «بالحب اتجمعنا» يتردّد صداها بين جنبات استاد القاهرة الدولى، بينما عمرو دياب يجرى فى الملعب، وهو يحمل «الميكروفون» بيد، بينما يشير للجماهير بيده الأخرى، علامة على الحب والترحيب.
كان هذا المشهد منذ 28 عاماً، أى عقدين من الزمان، تغير فيهما وجه المحروسة كثيراً، فظهرت أجيال جديدة بثقافات وأفكار مغايرة، ومعها الكثير من أشكال الدعاية والتسويق المختلفة التى تسعى لمواكبة فكر تلك الأجيال وأذواقهم. لكن الأمر كان مختلفاً عند صانعى المحتوى الإعلانى، الذين بدا أنهم وقفوا عند «بالحب اتجمعنا».
ليظهر «رتم» الأغنية الشهيرة كخلفية فى كثير من الدعاية الإعلانية خلال بطولة كأس الأمم الأفريقية. وكأن الأجيال الجديدة ليس من حقها الحصول على أيقونة خاصة بها خلال البطولة، تتذكرها خلال العقود التالية، وتفاخر بها الأجيال القادمة.
لا ينكر أحد أنه فى الآونة الأخيرة قرر صانعو المحتوى الإعلانى أن شكلاً من أشكال التجديد هو اللجوء إلى «النوستالجيا»، لم يكن هذا على مستوى مصر فقط، بل جميع أنحاء العالم. فحسب مجلة «التايم»، وإحدى الدراسات المنشورة فى «journal of consumer research»، فالمستهلك يقبل أكثر على الشراء عندما يشعر بالحنين إلى الماضى.
وهو ما يجعل الكثير من الشركات الأمريكية، بل والهندية، تعتمد على فكرة «النوستالجيا» فى الترويج لمنتجاتها.
وفى مصر، بدت «النوستالجيا» شكلاً مبتكراً بالفعل، بل حققت نجاحاً مع الناس، خصوصاً من جيل التسعينات التى كان حقها مهضوماً بين أجيال الثمانينات والألفية الجديدة. لكن ما بدأ كتجديد تحول بعد فترة إلى تكرار يبعث على الملل وأحياناً الضجر. فصارت «النوستالجيا» كالشبح الذى يطارد أى محتوى إعلانى، فيجعل المشاهدين يهربون منه.
بدا ذلك على استحياء فى عدد من الإعلانات الفردية، لكنه ظهر بشكل لا يمكن أن تخطئه عين فى ماراثون إعلانات رمضان، فلم تحظَ بعض الحملات الإعلانية بالإقبال المطلوب بعد الاعتماد على «النوستالجيا» فى مضمونها، وكأن الجمهور يوجه رسالة «أنا هنا.. كفى رجوعاً للماضى».
لذا كان من المدهش استمرار الاعتماد على فكرة «النوستالجيا» مرة أخرى فى المحتوى الإعلانى خلال بطولة كأس الأمم الأفريقية، فلم ترسم ملامح الحاضر القريب أو تتخيل المستقبل البعيد بمحتوى أصيل، سواء فى صورة أو فيديو أو أغنية، بل كلها إعادة تكرار لشكل المشجعين قديماً وحديثاً، وحتى شعارات تلك الحملات لم يظهر فيها أى تجديد.
أحياناً ينسى صناع الإعلانات، أن الإعلان لم يعد مجرد فيديو ترفيهى سريع، بل وثيقة تاريخية يتم الاعتماد عليها فى دراسة حال الحقبة الزمنية التى ينتمى إليها ثقافياً وتاريخياً وتراثياً واقتصادياً.
لذا فالاعتماد على الماضى رغم جماله ووجاهته، إلا أنه يحرم الأجيال القادمة من معرفة أى تفاصيل عن الحقبة الزمنية الحالية، باستثناء أنها تعيد إنتاج القديم. بل يوحى أن الجيل الحالى بلا أى خصوصية ثقافية أو هوية، وهذا غير صحيح، فهناك الكثير من التفاصيل والأحداث الجديرة بأن تكون مصدر إلهام لصانعى الإعلانات.
وفى النهاية، تبدو بطولة أمم أفريقيا حدثاً مناسباً لنبعث برسالة بأننا بالفعل «بالحب اتجمعنا»، لكننا بـ«الإبداع» نستمر.