الهيموفيليا الوراثية.. القصة الكاملة لمرض الدم القاتل
الهيموفيليا.. مرض الدم القاتل
«الهيموفيليا»، أو «السيولة الوراثية»، أو «الناعور»، أسماء مختلفة لمرض واحد يقتل ضحيته تدريجياً، وتتزايد خطورته فى حالة إصابة المريض بنزيف مستمر، ونظراً لعدم دقة التشخيص من البداية، نتيجة عدم وجود أطباء متخصصين فى أمراض الدم والأورام، خاصةً فى الأقاليم، تتفاقم خطورة المرض، الذى لا يفرق بين صغير أو كبير، ويظهر ذلك جلياً فى الأطفال الذكور أثناء إجراء عملية «الختان»، حيث قد يؤدى إلى تعرض الصغير لنزيف مستمر لا يقف بنقل الدم، ويكون الحل فى هذا الموقف هو نقل مشتقات الدم، والتى كانت، حتى فترة قريبة، سبباً مباشراً فى إصابة الكثيرين بالفيروسات الكبدية، ولا يعرف الأطباء علاجاً فعالاً لهذا المرض القاتل سوى عقار «فاكتور»، المعتمد دولياً.
وتتمثل المشكلة الحقيقية التى يواجهها ضحايا هذا المرض، فى عدم توافر عقار «فاكتور» بصورة مستمرة، ما يتسبب فى إصابة العديد منهم بالنزيف، الأمر الذى يؤدى إلى تلف المفاصل إلى الحد الذى يضطر فيه الأطباء إلى بتر الأطراف، أو قد يتسبب المرض فى حدوث نزيف بالمخ، وتعرض المريض لخطر الوفاة.
70% من مرضى "الناعور" يفقدون أطرافهم.. ونزيف المخ أسرع طريق للوفاة
«الوطن» تفتح ملف مرض «الهيموفيليا» أو «الناعور»، الذى أصبح أحد الأمراض التى تهدد صحة المصريين بشكل عام، خاصةً فى القرى والمناطق الريفية بالأقاليم، الأمر الذى أدى إلى فقدان نحو 70% من المرضى لأطرافهم، فضلاً عن امتناع الكثيرين منهم عن الزواج، خوفاً من تكرار المأساة مع أبنائهم.
المرضى: "عايشين على الهامش" ونتمنى زيادة المخصصات المالية لعلاجنا
«إحنا عايشين على هامش الحياة، خايفين نتزوج ونخلف علشان المأساة ممكن تتكرر مع أبنائنا»، هكذا عبر عدد من المصابين بمرض «الهيموفيليا» عن معاناتهم مع المرض اللعين، الذى يُرجعه الأطباء إلى عوامل وراثية، كما طالبوا بزيادة المخصصات المالية للعلاج، بسبب ارتفاع أسعار عقار «فاكتور»، الذى يُعد أحد الأدوية الرئيسية لعلاج سيولة الدم، حيث إن قرار العلاج على نفقة الدولة، الذى ينتفع به بعض المرضى، لا يغطى سوى فترة 6 شهور، وتكون قيمته 6 آلاف جنيه فقط، فى حين أن الحقنة الواحدة من ذلك العقار يتراوح سعرها بين 2000 و2200 جنيه، ويحتاج المريض الواحد إلى 8 حقن كل شهر، ما يتسبب فى تكبدهم أكثر من 17 ألف جنيه شهرياً، بينما طالب آخرون بأن يتم علاجهم بالتأمين الصحى.
"العلاج على نفقة الدولة" لمدة 6 شهور بقيمة 6 آلاف جنيه فقط.. والأدوية تكلفنا 17 ألف جنيه شهرياً.. وحقنة "الفاكتور" الواحدة بـ2200 جنيه
«ياسر محمد»، شاب يبلغ من العمر 24 سنة، من محافظة أسوان، يحاول التغلب على المرض بالفن والرياضة، حتى أبدع فى الغناء، وأصبح مطرباً معروفاً يكثر الطلب عليه فى الأفراح والحفلات، كما قام بتصوير عدد من الأغنيات «الفيديو كليب»، كما يصر على ممارسة بعض الرياضات التى تتطلب مجهوداً بدنياً، مثل رفع الأثقال والسباحة، ولكنه يمارس هذه الألعاب دون علم والديه، نظراً لتأخر حالته، وخشيته من أن يمنعه والداه من ممارسة هوايته المفضلة.
"ياسر" يقهر المرض بالغناء ورفع الأثقال
تحدث «ياسر» لـ«الوطن» قائلاً: «كنت أدرس بكلية الحقوق، ثم حولت أوراقى إلى كلية الخدمة الاجتماعية، وعلمت بمرضى منذ الصغر، حيث تم تشخيص الحالة بعد الولادة، بسبب حدوث نزيف من السرّة، وتبين إصابتى بالنوع الأول من الهيموفيليا، وهو أشد الأنواع خطورة، وينتج عن طفرة جينية، وللأسف لا يوجد أطباء متخصصون فى أمراض الدم بأسوان، حتى أتابع معهم رحلة العلاج»، مشيراً إلى أنه يحتاج 8 حقن من عقار «فاكتور» شهرياً، نظراً لتأخر حالته، ورغم ذلك لم يهتم بكلام الأطباء، الذين نصحوه باستخدام كرسى متحرك، وعدم الحركة حفاظاً على حياته.
وتابع بقوله: «أصررت على ممارسة الرياضة، خاصةً السباحة، ثم رفع الأثقال، رغم خطورة ذلك على مريض الهيموفيليا، ولكن كان للأمر نتيجة إيجابية، حيث إن رياضة رفع الأثقال كانت سبباً فى تقوية العضلات حول المفاصل، وتخفيف حدة النزيف»، مشيراً إلى أنه جرى احتجازه بالمستشفى عدة مرات، ومع ذلك لم يخبر الأطباء أو والديه بممارسته الرياضة، وأضاف: «على الأقل قدرت أمارس حياتى الطبيعية إلى حد ما، ولكن حينما التحقت بالجامعة تجددت المعاناة، بعد توقف علاج التأمين الصحى»، معتبراً أنه «أفضل كثيراً» من العلاج على نفقة الدولة.
«نفسى فى عربية مجهزة تساعدنى على قضاء احتياجاتى، وكان نفسى أمارس هوايتى فى المشى وركوب الدراجات، ولكن مرضى منعنى، ولا يمكننى إلا أن أقول الحمد لله الذى لا يُحمد على مكروه سواه». بتلك الكلمات بدأ «أحمد محمد سمير»، 31 سنة، حاصل على بكالوريوس محاسبة من كلية التجارة بجامعة طنطا، ويعمل بالقطاع الخاص، حديثه مع «الوطن»، مشيراً إلى أن الأطباء اكتشفوا إصابته بمرض «الهيموفيليا»، النوع الأول، إثر تعرضه لنزيف حاد، وعقب إجراء التحاليل اللازمة تم اكتشاف إصابته بالمرض، وأكد أنه رغم ما ألّم به من حزن، فإنه ما زال متمسكاً بالحياة.
"أحمد": "قررت الزواج علشان أقدر أعيش حياتى"
وأضاف «أحمد» أنه يحاول أن يعيش حياته بشكل طبيعى، رغم قلقه المستمر من تدهور حالته، مشيراً إلى أن إصابته بالمرض جاءت نتيجة طفرة جينية، حيث إنه المصاب الوحيد بين أفراد عائلته، وهو ما شجعه على اتخاذ قرار بالارتباط والزواج، وأن يستكمل حياته بشكل طبيعى، دون أن تساوره أى مخاوف بشأن انتقال المرض إلى أبنائه، وتابع أنه بسبب تأخر حالته، فقد أصيب بمضاعفات فى مفصل الركبة اليمنى، ولم يعد قادراً على الحركة، ويحتاج إلى عملية جراحية لتغيير المفصل، ولكن حياته قد تتعرض للخطر، فى حالة حدوث نزيف لا يمكن إيقافه، نظراً لعدم توافر الدواء اللازم لعلاج حالته.
ولفت إلى أنه فى بداية إصابته بمرض «الناعور»، أصيب بـ«فيروس سى» نتيجة نقل مشتقات الدم قبل ما يقرب من 14 سنة، إلى أن أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسى مبادرة «100 مليون صحة»، حيث حصل على العلاج مجاناً حتى اكتمل شفاؤه تماماً، فقد اختتم حديثه بمناشدة المسئولين فى وزارة الصحة أن يتم إخضاع مرضى «الهيموفيليا» للعلاج بالتأمين الصحى، بما يسمح للمريض بالكشف كل 3 شهور، وتوفير العلاج اللازم بصفة مستمرة، وزيادة المخصصات المالية للعلاج، كما طالب بتيسير إجراءات حصول المرضى على سيارات مجهزة نظراً لإصابتهم بإعاقات حركية، كما طالب بإطلاق حملات توعية للتعريف بمرض «الناعور»، وكيفية التعامل معه وعلاجه.
"أبوحجر": "ربنا يجعلنا سند لبعض"
ومن القليوبية، أكد «محمد أبوحجر»، 39 سنة، موظف، أنه يسعى لأن يعيش حياته بشكل طبيعى، غير عابئ بمرضه، فهو شخص يحب الحركة والخروج ويرفض التقوقع، مردداً: «عايشين بس علشان نخدم بعض، إحنا سند وعكاز لبعض»، ويلقّبه الكثيرون من مرضى «الهيموفيليا» بـ«الأخ الكبير شيال الهموم»، لا يرى أحداً من زملائه مهموماً إلا تدخل وسعى لحل مشكلته، يومه لا يمر دون التواصل مع أصدقائه ومعارفه، للاطمئنان على أحوالهم، مهما بعدت المسافات، ولفت إلى أنه تم تشخيص إصابته بمرض «الناعور» بينما كان فى الرابعة من عمره، أثناء عملية «الطهارة»، حيث أصيب بنزيف حاد، وتم نقله إلى مستشفى «الدمرداش» بالقاهرة، وأثبتت التحاليل إصابته بالنوع الأول من المرض.
وتابع «أبوحجر» بقوله: «فى بداية إصابتى بالمرض كان علاجى الوحيد نقل مشتقات الدم، حيث لم يكن عقار الفاكتور قد دخل مصر إلا فى عام 2003»، مشيراً إلى أن الأطباء كانوا يشكون فى إصابته بـ«فيروس سى»، ولكن الفحوص التى خضع لها أثناء المبادرة الرئاسية «100 مليون صحة»، أثبتت عدم إصابته بالمرض، وإنما يحتوى دمه على الأجسام المضادة للفيروس فقط، واعتبر أن مرضى «الهيموفيليا» ممن يخضعون للعلاج على نفقة الدولة، يعانون من ضآلة المبلغ المخصص للعلاج، حيث يتم تجديد القرار كل 6 شهور، كما أن المبلغ المخصص لكل هذه الفترة لا يكفى المريض لشهر واحد.
أما «محمد نور»، 26 سنة، من القاهرة، فقال: «رغم إصابتى بمرض الهيموفيليا، لم أخش الزواج، الذى يعتبر العقبة الأساسية أمام العديد من المرضى، خشية أن يتعرض أطفالهم لنفس المعاناة التى عاشوها هم منذ أن كانوا أطفالاً صغاراً»، وتابع متحدثاً لـ«الوطن» بقوله: «تزوجت وألقيت بحمولى على الخالق»، مشيراً إلى أن إصابته بالنوع الأول من المرض تسببت فى تشويه وتلف المفاصل، ولم تعد تعمل بصورة طبيعية، حتى أصبح غير قادر على الحركة، وطالب وزارة الصحة بتوفير عقار «فاكتور»، مؤكداً أن المرضى يعانون الأمرين من أجل الحصول على هذا الدواء، رغم ارتفاع سعره بصورة غير مبررة.
"أم إيهاب": "الدوا بنلاقيه شهر و3 شهور بيختفى"
كما بدأت «أحلام بهجت الأسود»، من محافظة الدقهلية، حديثها لـ«الوطن» بقولها: «ابن عمرى بيموت قصاد عينى، ومش لاقيين الدوا ولا حد حاسس بينا»، فى إشارة إلى طفلها «إيهاب»، 9 سنوات، بالصف الرابع الابتدائى، الذى أصيب بنزيف حاد أدى إلى تآكل فى المفاصل، مشيرةً إلى أنها تضطر إلى إغلاق باب الشقة لمنع ابنها الصغير من الخروج للعب مع أصدقائه وجيرانه، خوفاً من إصابته بنزيف مرة أخرى قد يودى بحياته، على حد قولها، مشيرةً إلى أن «الكارثة الكبرى تتمثل فى أننا بنلاقى الفاكتور شهر، و3 شهور مش موجود، ومش عارفين إيه السبب»، وأضافت أنه يجب أن تعمل الدولة على توفير الدواء حسب حاجته، كما طالبت هيئة التأمين الصحى بتوفير الجرعة الشهرية من العلاج، وصرفها للمريض دفعة واحدة، للتخفيف عن المرضى وتجنبهم مشقة الانتقال لمسافات طويلة لصرف العلاج.