سلباً أم إيجاباً؟.. العالم يثور على هيمنة الدولار الأمريكى
دولارات - صورة أرشيفية
تُعد الحرب العالمية الثانية بمثابة نقطة تحوُّل فى هيمنة الدولار الأمريكى على الاقتصاد العالمى، خاصة عقب توقيع اتفاقية «بريتون وودز» عام 1944 التى رسّخت دور الدولار فى تعاملات العالم الاقتصادية، حيث صارت الدول الـ44 التى وقَّعت الاتفاقية ترجع إلى الدولار لتحديد قيمة عملاتها دولياً، كما كانت الولايات المتّحدة تمتلك 75% من ذهب العالم آنذاك، وكان الدولار هو العملة الوحيدة على مستوى العالم المُغطاة بالذهب، مما دفع عدداً كبيراً من دول العالم إلى العمل على تكديس الدولارات بهدف استبدالها بالذهب مستقبلاً، وصار عدد كبير من هذه الدول يستخدم عملة الدولار كاحتياطى للنقد الأجنبى.
"الاتحاد الأوروبى" و"روسيا" يدرسان تقليص حصة الدولار فى ميزان المدفوعات بينهما.. ودول "شرق آسيا" و"أفريقيا" تبحث إصدار عملات موحدة لكل منها
وشهدت الساحة العالمية مؤخراً تقلبات عديدة للدولار، فى ظل استمرار هبوطه مقابل العملات الرئيسية الأخرى، وأصبح الموقف أكثر تعقيداً بعد بيع كثير من المستثمرين الدولار من سندات وأذون خزانة، وتوجيه أموالهم لشراء الذهب، فضلاً عن ارتفاع الدين العام الأمريكى إلى 22.01 تريليون دولار، ما دفع الولايات المتحدة إلى الاستمرار فى طبع النقود دون غطاء من الذهب لسداد المديونيات.
دول العالم تثور على الدولار
مع تزايد العقوبات الاقتصادية التى تفرضها الولايات المتحدة على العديد من دول العالم، قررت الكثير من هذه الدول أن تثور وتسعى للخروج عن سيطرة الدولار، حيث قامت روسيا والاتحاد الأوروبى مؤخراً بالاتفاق على تشكيل مجموعة عمل لتقليص حصة الدولار فى ميزان المدفوعات بينهما والانتقال إلى الروبل واليورو.
ووفقاً لبيانات البنك المركزى الروسى، فإن حصة التعاملات بالروبل فى تجارة روسيا مع الاتحاد الأوروبى تبلغ 8.3% فقط، فيما تشكل حصة اليورو 34.3%. وبالنسبة للصين فهى قادرة على التخلى عن الدولار عن طريق بنك التنمية الجديد الذى أطلقته مجموعة البريكس، ويشكل هذا البنك إلى جانب البنك الآسيوى للاستثمار منافسة قوية لكل من صندوق النقد الدولى والبنك الدولى. وفى شنغهاى الصينية تم إطلاق بورصة عالمية لتداول عقود النفط بالعملة الصينية اليوان فى خطوة تمثل ضربة قوية لاحتكار «البترودولار»، كما قلصت الصين استثماراتها فى سندات الخزانة الأمريكية من فبراير وحتى مايو الماضى، بشكل تدريجى من 1.130 تريليون دولار إلى 1.110 تريليون دولار.
فيما اقترحت ماليزيا، تصميم عملة تجارة موحدة لمنطقة شرق آسيا على أن تكون مربوطة بالذهب، ويمكن استخدامها فى تسوية الواردات والصادرات لكن ليس فى التعاملات المحلية.
واتفقت دول غرب أفريقيا على اعتماد العملة الموحدة «إيكو» فى المعاملات التجارية بينهما اعتباراً من 2020، كما تدرس جامعة الدول العربية، إمكانية إطلاق عمله عربية موحدة خلال السنوات المقبلة، بناءً على مقترح تقدم به اتحاد المصدرين والمستوردين العرب.
ووفقاً لتصريحات طارق عامر محافظ البنك المركزى المصرى، فإنه من المستهدف تدشين بنك مركزى أفريقى موحد وعملة أفريقية موحدة بحلول 2043، كما عقد «المركزى» اتفاقية ثنائية لمبادلة العملات مع البنك المركزى الصينى بنهاية عام 2016، بمبلغ 18 مليار يوان صينى مقابل ما يعادله بالجنيه المصرى، على أن يستمر لمدة 3 سنوات، كما يحصل البنك المركزى الصينى على مبلغ 46.18 مليار جنيه، بينما لم يعلن البنك المركزى المصرى عن تفاصيل جديدة تخص الاتفاقية منذ توقيعها.
نتائج متوقعة عند الخروج عن سيطرة الدولار
قد تتأثر الولايات المتحدة سلباً بانخفاض الطلب على الدولار وعزوف الدول عن الاستثمار فى سندات الخزانة الأمريكية، وهو ما قد يؤدى إلى غياب إحدى القنوات التمويلية التى تعتمد عليها بشكل كبير فى تمويل الموازنة أو الديون أو حتى الاستثمارات الحكومية. ومن جانب دول الاتحاد الأوروبى سيؤثر اتساع استخدام اليورو والحد من الدولار على الاستفادة من اقتصاد الحجم بسبب اتساع السوق، ومنع الصدمات الناجمة عن مضاربات فى العملات، وارتفاع السيولة النقدية الدولية مما يجعل تكلفة الاقتراض به منخفضة، بينما قد تتأثر منطقة اليورو سلباً بارتفاع أسعار صادراتها نتيجة لزيادة قيمة اليورو، وبالتالى انخفاض القدرة التنافسية للمنتجات الأوروبية عالمياً.
وفيما يخص الدول النامية التى ترتبط عملاتها المحلية بالدولار بشكل كبير، عندما تنجح فى تقليص دور الدولار فى تعاملاتها واحتياطاتها الدولية، فبالتأكيد سينخفض تأثرها بالأزمات والتقلبات الاقتصادية العالمية التى تمر بها الولايات المتحدة كزيادة معدلات التضخم وأسعار الفائدة، على عكس ما حدث فى 2008، وستحد من تبعياتها للاقتصاد الأمريكى. كما سيؤدى اهتزاز وضع الدولار إلى زيادة كبيرة فى أسعار الذهب الذى سيجذب ثقة المستثمرين حول العالم كملاذ آمِن للاستثمار، بينما قد يُصاب الاقتصاد العالم بالضعف نتيجة اتجاه كل تكتل لاستخدام عملات مختلفة والخروج عن دائرة سيطرة العملات الرئيسية التى تحددها سلة العملات.
التأثيرات المحلية
ويؤثر انخفاض قيمة الدولار مقابل العملة المحلية، على تراجع تكلفة السلع المستوردة خاصة المواد الخام، وبالتالى انخفاض تكاليف التصنيع المحلى، والحد من عجز الميزان التجارى، بينما قد يتأثر الاقتصاد المحلى سلباً نتيجة ارتفاع أسعار السلع المحلية عالمياً والحد من تنافسياتها، فضلاً عن تراجع قوة الاحتياطى النقدى فى حالة الإبقاء على حصة الدولار المرتفعة منه.
ويرى أشرف القاضى، رئيس المصرف المتحد، أنه مع مرور الولايات المتحدة ببعض الأزمات الاقتصادية قد يظهر تأثيرها على العملة الأمريكية ويؤدى إلى هبوط الدولار أمام باقى سلة العملات الرئيسية، ولكن من المنظور الأمريكى يمكن استغلال الموقف لصالحها، خاصة أن الولايات المتحدة تصدر الكثير من السلع والخدمات، ومع انخفاض قيمة الدولار ستصبح السلع الأمريكية المصدرة أقل تكلفة من قبل فى الأسواق العالمية، مما سيؤثر على ارتفاع حجم الطلب على المنتج الأمريكى.
وأضاف أن هبوط الدولار أمام العملات الرئيسية سيؤثر بشكل كبير على الأسواق الناشئة، وذلك فى ظل اعتماد غالبية الدول النامية فى احتياطاتها الأجنبية على الدولار، مشيراً إلى ضرورة تنويع الاحتياطى الأجنبى من العملات الأخرى، مع الأخذ فى الاعتبار أزمة الجنيه الإسترلينى المتوقعة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى. وأوضح أن توجه البنوك المركزية الأفريقية لإنشاء عملة موحدة تكون بديلاً للدولار غير صحيح فى الوقت الحالى، لأن اقتصاديات معظم الدول الأفريقية ليست بالقوة الكافية، الأمر الذى يعود بالسلب على العملة المحلية، لافتاً إلى أن المرحلة الحالية تتطلب عمل أسواق موحدة وتدعيم الحوافز الاقتصادية والجمركية بين الدول الأفريقية.
وفى سياق متصل، قالت رضوى السويفى، رئيس قطاع البحوث ببنك الاستثمار فاروس، إن أزمة الدولار المتوقعة ستكون ذات تأثير محدود على الاقتصاد المصرى، حيث إن البنك المركزى لديه سلة عملات متنوعة حتى وإن كان للدولار نصيب الأسد من الاحتياطى الأجنبى، إلا أن هناك وجوداً لباقى العملات الرئيسية بنسب ضئيلة يعمل «المركزى» على زيادتها.
وأوضحت أن مصر تعتمد بشكل أساسى على الدولار الأمريكى فى كثير من التعاملات التجارية مع الدول الأخرى، لذا سيكون من الصعب التخلى عن الدولار مرة واحدة، مضيفة أنه إذا تم التوسع فى تفعيل اتفاقية تبادل العملات مع الصين سيخفف ذلك من حدة الطلب على الدولار بشكل كبير.
وقال إسماعيل حسن، محافظ البنك المركزى الأسبق، إن مصر لديها تنوع فى الأرصدة الموجودة بسلة العملات الرئيسية ولا تعتمد على الدولار فقط، مشيراً إلى أن نسب العملات فى الاحتياطى النقدى متوازنة، وأن تأثير انخفاض قيمة الدولار، أو حدوث أزمة فيه، سيكون محدوداً على الاقتصاد المصرى.
وأضاف أن عملية استبدال الدولار بعملة أخرى فى التعاملات التجارية بين الدول وبعضها أمر ضرورى للغاية، موضحاً أنه لا بد من تنفيذه بشكل تدريجى لأن الدولار هو العملة الرئيسية لمعظم التعاملات التجارية واستبدالها بأى عملة أخرى سيكون أمراً صعباً. وأشار إلى تعدد محاولات إنشاء عملة عربية موحدة، ولكنها لم تلقَ نجاحاً، وذلك نتيجة لارتباط جميع العملات العربية بالدولار أيضاً، وبالتالى لن يكون هناك خصوصية بعيداً عن العملة الأمريكية.
وفيما يخص إنشاء بنك مركزى أفريقى وعملة أفريقية موحدة، قال حسن إن تنفيذه يحتاج إلى وقت كبير لتقوية هذه العملة وإحلالها فى التعاملات البينية محل العملة المهيمنة، موضحاً أن إنشاء عملة موحدة سيخفف من الطلب على الدولار بشكل كبير، مما سيؤثر بشكل إيجابى على الاقتصاد الوطنى.