بخطواتٍ رشيقةٍ، صعدت واثقةً إلى منصة الشباب، أميرةً متوجة بنجاحاتٍ فريدة وبطولات، وراوية لفصلٍ جديد في الحدوتة، هو السابع في سلسلة "ابدع.. انطلق"، المليئة بنماذجٍ مشرفة للتحدي، وصناعة المستقبل، دون مجاملة، فالوصفة صارت معروفة وعلامة مميزة لهذا العصر، ومقصد الرئيس عبدالفتاح السيسي بات واضحًا: "اشتغل واجتهد وابدع.. تلاقي مكانك"، وليست كما كان في الماضي القريب: "لو مش معاك واسطة.. فووت علينا بكرة يا سيد"، بصوت "رأفت فهيم" أشهر موظف عرفه أثير الإذاعة المصرية.
فتاةٌ مصرية "هادية" كاسمها، وقفتها على منصةِ شباب العالم، شكلت بورتوريه فرعونيًا أنيقًا يحضر فيه سحر "نفرتيتي"، وكبرياء "كليوباترا"، تحمل في تجربتها تفرد رائداتِ العصر الحديث، منهن "لطفية النادي - أول كابتن طيار مصرية، ومفيدة عبدالرحمن - أول محامية مصرية"، لم تكتفِ بمواهبها المتعددة بل طورتها بالعلم، تسير على خطى "سهير القلماوي" في الثلاثينات، عندما جمعت بين "البحث عن المتاعب" في بلاط صاحبة الجلالة، والعمل الأكاديمي في الجامعة المصرية بعد شهادة الدكتوراه من باريس، لتخرج من رحم كل هذه التجارب، شخصية في بساطة حديثها اختلافٌ، وفي مواهبها إلهامٌ، وفي اجتياز تحدياتها قوةٌ تستمدها منها الفتيات والشباب.
عَرِفت هادية حسني السيد، بطلة مصر وأفريقيا في الريشة الطائرة، قبل 7 سنوات، مصدرًا صحفيًا في بدايات تجربتي بـ"الوطن"، وقتها كنت شابا لم يكمل عامه الـ23 بعد، أخطو خطواتي الأولى في عالم الصحافة، تُبهر مسامعي كلمات رنانة عن "الفكرة، والشغف، والسبق، والصنعة"، وجد نفسه ضمن "كتيبة جورنالجية محترفين"، كنت أقرأ أسماءهم وأتعلم من صنعتهم في صياغة قصص صحفية، وأنا أجلس ممسكًا بـ"الجورنال" في مدرج كلية الإعلام جامعة القاهرة، حتى نلت فرصة الوجود بينهم، لكنهم لا يؤمنون بـ"ضيوف الشرف" و"التمثيل المشرف"، فلا مكان على صفحات "الوطن" الورقية والإلكترونية إلا لصاحب اللقطة المختلفة والقصة المميزة، فالفرصة مرهونة بالتفكير وبذل الجهد حتى تصنع الفارق.
وسط تصاعد الأحداث السياسية في فترة حرجة عاشتها مصر، تظاهرات في كل ميدان، وعلى كل رصيف وقفةٌ احتجاجية، وأمام كل مصلحة حكومية اعتصامٌ، يتحول في ساعات إلى إضرابٍ، وفي وسط تلك الحالة من المراهقة السياسية في الشارع، قفز "الإخوان" على السلطة، وانتشر أتباعهم من الإرهابيين والتكفريين في الشارع وكل مؤسسات الدولة كالسوس، ينخرون فيها لإسقاطها، في وقت كان فيه الشارع السياسي مهلهل، والتيارات المدنية مغيبة عن الواقع، ليس هناك لغة مشتركة بين ممثليها والمواطن المطحون، ووسط كل هذا كانت مجموعة من الشباب، يعملون بكل قوة، هدفهم رفع علم مصر في المحفل العالمي، وتمثيلها في أولمبياد لندن، وجلب الفرحة المفقودة في السياسة لشعبها من ميدان الرياضة، فقررت طرق باب الأمل معهم، ففي وقت من الأوقات كنت واحدًا منهم، بطلًا للجمهورية في رياضة المصارعة الرومانية، وعشت مأساتهم في تجاهل الإنجاز، وغياب الرعاية لأبطال يتقاضون "ملاليم" مقارنة بنجوم "دوري الأضواء والشهرة".
شباب أصحاب إنجازات دولية، فيهم أبطال القارة الأفريقية، وبينهم أبطال عالم، لكنهم كانوا خارج دائرة الضوء والاهتمام، فالشهرة والمال دائمًا من نصيب نجوم كرة القدم، وفي هذا التوقيت، كان الأشهر "باعة الكلام في السياسة"، فكان القرار بالكتابة عن "مظاليم الرياضة"، أو كما يقال عنهم "أبطال الألعاب الشهيدة"، وكانت سلسلة من الموضوعات بدأت بـ"قوس النمر، وحلم الجودو مع حسين حفيظ، وإنجاز السحرتي في الجمباز"، ومن بينهم كانت "هادية" تلمع بمواهبها، فتاة في نفس عمري تقريبا، درست الصيدلة، وتحضر لرسالة الماجستير في إنجلترا، مخضرمة في ممارسة الرياضة، فلعبت الجمباز، ومارست الاسكواش والفروسية، حتى استقرت في مضربها "الريشة الطائرة"، وطارت بأحلامها معها في ثاني مشاركة أوليمبية لها، بعد أن كانت أول فتاة عربية تشارك في أولمبياد بكين باللعبة، ومن قبلها أول فتاة عربية تحصد بطولة أفريقيا، لخصت حلمها في حديثها معي بـ3 كلمات "نفسي أشرف مصر".
حدوتة "هادية" الملهمة، صارت رسالة مكتوبة للقارئ على صفحات "الوطن"، ورسالة عالقة في ذهني لاستكمال حلمي، فأنا وهي من أبناء جيل الثمانينيات، نشق الطريق سويًا كل في مجاله، هي اختارت البحث العلمي في الصيدلة إلى جانب الرياضة، وأنا اختارت الصحافة، هي تكمل محطات العمل الأكاديمي بين إنجلترا، وأنا أكمل رحلة البحث عن المتاعب لإثبات الذات، وأواصل صناعة قصص لأبطال من "لحم ودم" تتحرك حواديتهم على صفحات ورقية وإلكترونية.
البطلة إنجازاتها الرياضية تتوالى دون أن تعطلها عن مسيرتها العلمية، فصارت سفيرة الاتحاد الدولي للريشة في السلام والرياضة وممثلة المرأة في أفريقيا، وتستمر في حصاد الميداليات الدولية، وفي الوقت ذاته، أنجزت الماجستير في إنجلترا، وتحضر للدكتوراه من جامعة القاهرة، في وقت تعمل فيه مدرسًا مساعدًا بالجامعة البريطانية، وأنا أحقق حلمي بأن أصبح صحفيًا نقابيًا، وأفوز بجائزة التفوق الصحفي من نقابة الصحفيين المصرية "أهم جائزة صحفية في مصر"، هي تسبقني وتلهمني بإنجازاتها الدولية، وأنا أسبقها في قائمة الحضور بمؤتمر الشباب السادس في جامعة القاهرة، وهو تكريم خاص من صحيفتي "الوطن"، وأستاذي رئيس التحرير محمود مسلم على ما أقدمه في عملي، إلا أنها الملهمة، تفوقت وعن جدارة واستحقاق، ووقفت كنموذجٍ مشرف على منصته في المؤتمر السابع، نموذج ناجح يمثل شباب وفتيات مصر.
حلمي وحلم "هادية" والآلاف من أبناء جيلنا، ما زال مستمرًا، فالشغف والرغبة في إثبات الذات، وتقديم الجديد، لم يبرح عقولنا بعد، هي الآن تُعلم ما جنته في مسيرتها الرياضية للأطفال في أكاديمية للريشة الطائرة، بل ساهمت في إدخالها مصر من أجل الأطفال ذوي القدرات الخاصة، لتصنع أبطالًا لأفريقيا والعالم في اللعبة؛ لتكون هذا العام مدربة الأولمبياد المصري للعبتها، وأنا الآن، أنقل تجربتي وما تعلمته في مدرسة "الوطن" لشبابٍ جدد، أتعلم منهم ويؤثرون في بطموحهم وحلمهم، فهم الأمل في صناعة محتوى صحفي وإعلامي مميز، وأفكار ترتقي بالعقول، وكذلك نقل الواقع المصري وشرحه للجمهور دون تضليل، ليكونوا نماذج ملهمة، تقف على المنصة إلى جوار"هادية" من فرسان وأميرات المؤتمر، كـ"هديل - أم كثلوم المؤتمر" و"هيثم صاحب عربية الحواديت"، وفارسة الأولمبياد الخاص "مريم عزب"، و"شريف" متسلق قمة إفرست، و"كيلاني" بطل ماراثون ذوي القدرات الخاصة، و"صاحبة عربة دهب"، وفرح الديباني أول مصرية تغنى بأوبرا باريس، وغيرهم من نماذج صنعت أمجادًا لـ"تحيا مصر"