"الحنة السويسى": من إحياء الأفراح إلى حماية التاريخ على أنغام السمسمية
السيد كابوريا يغنى مع فرقة الحنة
مع شروق شمس كل يوم، يجلس السيد كابوريا وابنه «عاطف» أمام البحر، يحاولان الاستمتاع بنسيم الهواء النقى، وما إن تمر بضع دقائق حتى يخبر «السيد» ابنه بأنه حان موعد التمرين على بعض الأغانى، التى اعتاد على أدائها، ضمن فرقة «الحنة السويسى»، وكانت أغنية «سمبوكى واقف على المينا»، أولى محطات التمرين.
تعتبر «الحنة السويسى» من أقدم فرق الغناء الشعبى فى محافظة السويس، إن لم تكن الوحيدة، التى بدأت فى الستينات، بحسب «كابوريا»، قائلاً: فى البداية كان الأمر مجرد طقس شعبى، حيث فى ليلة «الحنة» التى تسبق عقد الزواج، يحتفل الناس بالعروسين بشكل مبهج، ثم تطور الأمر ليصبح شكلاً من أشكال الاحتفال، الذى تتميز به المحافظة، ثم «فرقة» تُطلب بالاسم فى الأعياد والمناسبات القومية.
"كابوريا": هويت العزف والرقص وأنا فى العاشرة.. والفن الشعبى مهدور حقه.. "ما بنكسبش منه وبنصرف عليه.. لكن مكسبنا الحقيقى حب الناس"
سنوات عمر «السيد كابوريا»، التى تخطت الـ74، لم تجعله فقط مؤسساً للفرقة، بل شاهد على مراحل تطورها المختلفة، حتى أصبح يعلم الأجيال الجديدة فنون الرقص والغناء، مؤكداً «من وأنا عندى 10 سنين هويت فن العزف على السمسمية السويسى والرقص، كان شغفى اللى جريت وراه وسيبت حالى ومحتالى، كانت الفرقة ساعتها موجودة بس مش بشكلها الحالى، مجرد هواة بيرقصوا ويغنوا فى الحفلات والأفراح».
عندما يعود «كابوريا»، بذكرياته إلى الوراء، يعتبر أن ذكر أسماء أهم الفنانين الشعبيين، الذين كان لهم الفضل فى مساعدته على شق طريقه فى العزف والغناء، هو الطريقة الوحيدة لرد الجميل لهم، ومبرره أن تظل أسماؤهم خالدة بين الأجيال الجديدة، وأشهر هؤلاء العازف إبراهيم البلطى، وعبدالمنعم عمار، ومحمد طه، والريس أبودراع، مضيفاً «هما الناس اللى اتعلمت على إيديهم، وقتها كانت الفرقة بتعمل حفلاتها فى الشوارع العامة أو أماكن التجمعات مثلاً، وما زلت أذكر حفلات فى تقاطع خط السكة الحديد وشارع صدقى القديم».
فى أواخر الثمانينات ظهرت فرقة «الحنة» بشكلها الحالى، بحسب «كابوريا»، بمساعدة «زكريا إبراهيم»، مؤسس مركز «المصطبة» للفنون الشعبية، وهى تتكون من 15 فرداً، منهم 4 عازفين على آلات المزاهر، الطبل، الدف، السمسمية، وراقصون، ومغنون وكورال: «أشهر الأغانى اللى الناس بتطلبها بشكل دورى مننا هى البدوية، سامبوكى واقف على المينا، يا ليل آن، يا ريس البحرية، بالآلى بالآلى، نوح الحمام».
لا ينكر «كابوريا» أن هناك تشابهاً بين بعض الآلات التى تستخدمها الفرقة، والتى تستخدمها الفرق الأخرى، مثل «الطنبورة البورسعيدية، والصحبجية الإسماعيلاوية»، وهو تشابه يبرره بوجودها فى منطقة جغرافية واحدة، لها ذات السمات والخصائص، لكن مع ذلك هناك بعض الاختلافات الصغيرة، التى تجعل لكل فرقة طابعها الفنى المميز والخاص بها، مؤكداً «إحنا ولاد عم، وأصلاً بنتقابل سوا كتير، وبنقدم حفلاتنا معاهم، لكن الاختلاف اللى بيميزنا فعلاً عن الفرق دى هى رقصة الحنة اللى من كتر ما إحنا مشهورين بيها أصبح لقبها الحنة السويسى، ومنها جاء اسم الفرقة».
عندما يتحدث «كابوريا» عن «الحنة السويسى» تلمع عيناه وتظهر البهجة والحماس الشديدان فى نبرات صوته، : «الحنة السويسى لها طقوس خاصة وتبدأ بفرش المكان وتزويقه، وبعدين نقوم بدق الكف، ثم ننطلق فى تبحيرة سويسى على السمسمية، وفيها بنغنى ولكن على الأدوار السويسى، ثم تأتى فقرة الحنة، وهى صينية داخلها الحنة ومجموعة من الشموع المضيئة ويتم رسمها بأشكال مختلفة، فيه ناس بتعملها صينية واحدة، وفيه ناس بتعمل صينيتين فوق بعض أو ثلاثة، ويلتف حولها محبو العريس وفنانو الفرقة فى شكل دائرة، ونرجع تانى للدق بالكفوف أو التصقيف، يعنى بلغة أبناء القاهرة، ثم الغناء بأدوار الحنة السويسى على طبلة خفيفة».
ينظر «كابوريا» لابنه «عاطف» بنوع من الحب والامتنان، فهو الوحيد من ضمن أبنائه العشرة الذى قرر استكمال مسيرته فى حبه للرقص والغناء الشعبى، فانضم للفرقة وصار يصاحبه فى معظم حفلاتها: «عاطف هو أحد أعضاء الكورال فى الفرقة، وهى حاجة جميلة إنك تشوف امتدادك بيكمل مسيرتك فى الفن والغنا، رغم إن ما لهاش مكاسب تقريباً غير حب الناس».
يعترف «كابوريا» واسمه الحقيقى «صلاح عبدالحميد» أنه رغم تلك السنوات الطوال من العمل فى الفرقة، إلا أنه لم يتكسب يوماً من الأمر، بل على العكس كان ينفق عليها من ماله الخاص، معتبراً أن ذلك حال كل العاملين فى مجال الفن الشعبى والغناء على وجه الخصوص، قائلاً: «أنا كان لازم أشتغل حاجة تانية علشان أجيب قوتى وقوت عيالى، لأن الشغل فى الفن الشعبى بالنسبة للناس مجرد هواية، مش بيشوفوا التمرينات والاستعدادات اللى بنعملها قبل ما نظهر، والوقت الطويل اللى بنقضيه فى السفر من بلد لبلد علشان مهرجان أو احتفال، وترك بيوتنا وأهلنا، وده بس دورنا المادى، إنما دورنا المعنوى أكبر وأعظم لأننا بنحفظ تراث محافظاتنا من الضياع من خلال الفرقة».
ويعتبر «كابوريا» أن اللوم فى الأمر لا يقع فقط على الدولة بل أيضاً على الناس: «الفن الشعبى للأسف مهدور حقه، المفروض إن أى شعب عارف إن الفن الشعبى جزء من تراثه وتاريخه فيقدره، لكن هنا التراث الشعبى محتاج إن الناس تسأل وتدور عليه، ومتهملش فيه، لأن تراثنا غنى وعظيم وحرام إنه لا يلقى الاهتمام اللى يستحقه».