دراسة بين جامعتى "القاهرة ونيوكاسل" لتطوير سوق العتبة
منطقة ميدان العتبة تحتاج إلى التطوير لمواجهة تكرار الحرائق بها
منذ عام 2017 عكفت جامعة نيوكاسل البريطانية بالتعاون مع كلية الهندسة بجامعة القاهرة على إعداد دراسة لتطوير سوق العتبة التاريخى، من خلال برنامج مشترك وإجراء مشروع بحثى عن السوق بعنوان «الأسواق الخضراء المستدامة إحياء عمران القلب التاريخى للحفاظ على التراث الاجتماعى والثقافى والأنشطة الاقتصادية»، وذلك بدعم وتمويل من صندوق نيوتن - مشرفة، وصندوق تطوير العلوم والتنمية التكنولوجية، لبحث إمكانية تطوير السوق وإعادة إحيائه على غرار الأسواق الحضارية فى أوروبا، ودراسة التحديات التى تواجه تطوير الأسواق التاريخية، واستعراض الأنماط المتحضرة لإعادة إحياء هذه الأسواق، وتحديات تحويل العتبة إلى سوق حضارى.
شارك فى الدراسة فريق بحثى من الجامعتين، برئاسة الدكتورة دليلة الكردانى، أستاذ العمارة والتصميم العمرانى بكلية الهندسة جامعة القاهرة، الباحث الرئيسى من الجانب المصرى، والدكتورة نيفين حمزة، أستاذ العمارة والبيئة بكلية العمارة بجامعة نيوكاسل، والدكتورة سحر إمام، أستاذ مساعد العمارة بجامعة القاهرة، والدكتورة علياء الساداتى، مدرس العمارة والتصميم العمرانى، والدكتور تامر الصيرفى، مدرس بكلية الهندسة.
وأوصت الدراسة بإجراء دراسات لتعظيم العائد الاقتصادى من الأسواق التاريخية وتحديداً سوق العتبة، والاستفادة من العائد الاقتصادى للحفاظ الدائم على الأسواق، وتفعيل دور الأسواق فى تنمية النطاقات التاريخية المحيطة بها، وخلق شخصية جديدة ومتفردة لكل سوق على حدة، وجذب السياحة للأسواق التاريخية.
يجب خلق كيان إدارى مستقل لإدارتها.. وإعادة تأهيل الفراغ المعمارى وتعزيز الأمن ومكافحة الحريق لتعظيم العائد الاقتصادى لها
وشددت الدراسة التى حصلت «الوطن» على نسخة منها على إعادة تأهيل الفراغ المعمارى للأسواق ومتطلبات الأمن ومكافحة الحريق وكل ما يلزم من الأنظمة التكنولوجية الحديثة للحفاظ على أمن وسلامة المنشأ والمستخدمين، وتفعيل الدور المحورى للأسواق فى المساهمة الإيجابية تجاه البيئة، وذلك بتعظيم دورها فى إعادة تدوير المخلفات والأنشطة الخضراء الصديقة للبيئة، واستعادة كفاءة نظم التهوية والإضاءة الطبيعية، من خلال إزالة التعديات على الأسقف والفتحات والواجهات الخارجية.
الدراسة: المنطقة تحولت إلى فراغات محتلة من واضعى اليد.. والأسواق التاريخية فى المدن الكبيرة جزء لا يتجزأ من عمران الحداثة
وأكدت الدراسة أهمية خلق كيان إدارى مستقل لإدارة الأسواق التاريخية، والمشاركة بين تجار هذه الأسواق والإدارة الجديدة فى رسم مستقبل الأسواق، والحفاظ على الأنشطة التقليدية الموجودة مع تأهيلها لمواجهة التحديات المعاصرة، وإضافة أنشطة مستحدثة إلى جانب الأنشطة التقليدية لجذب المستثمرين، وتابعت الدراسة أنها تهدف إلى دراسة الأسواق التاريخية على الصعيد العالمى وسبل الانخراط مع المجتمع المحلى المحيط بها، بهدف خلق إطار يمكن التراث من القيام بدوره فى الإسهام فى تنمية وتحفيز السياق الاجتماعى والاقتصادى، وذلك من خلال الإدارة الواعية والتدخلات التى تجمع بين الفهم لقيمة التراث والابتكار التكنولوجى المناسب وتمكين المجتمعات المحلية، وأشارت إلى أنه تم التركيز على دراسة أسواق القرن التاسع عشر من خلال إنشاء شبكة تضم مجموعة من الأكاديميين والمسئولين من جهات الحفاظ الحكومية وصانعى السياسات والمجتمع المحلى، وذلك فى محاولة لفهم أعمق للتراث الثقافى المصرى.
وأشارت الدراسة إلى أن التراث الحديث نسبياً المنتمى لبدايات القرن الـ19 وما بعد ذلك هو الأقل حظاً فى الحصول على التمويل والمجهودات اللازمة، بالمقارنة بالتراث الثقافى للعصور الأقدم مثل الفرعونى والإسلامى، ما يؤدى إلى ضياع العديد من الفرص وتدهور الكثير من المبانى التراثية الأكثر حداثة، وأكدت أن مبانى الأسواق التاريخية فى المدن الكبيرة مثل القاهرة والإسكندرية وبورسعيد منذ عام 1880 جزء لا يتجزأ من عمران الحداثة، وتحتل مبانى الأسواق التاريخية مسطحاً كبيراً -عادة فى أماكن استراتيجية- وعادة ما تكون مغطاة ومقسمة إلى ممرات ومحلات صغيرة على الجانبين.
وأكدت أن المناطق المتميزة التى تضم هذه الأسواق من أهم الفرص التى تمكن هذه المبانى أن تصبح متاحف مفتوحة وأماكن تثقيفية وتعليمية وترفيهية فى نطاقها، وتابعت أن النظافة والجوانب الصحية وعوامل التهوية كانت جزءاً رئيسياً من تلك الأسواق، لافتة إلى أن الأسواق المغطاة تحولت إلى فراغات محتلة من قبل واضعى اليد، الذين يقدمون خدماتهم من تقطيع الخضراوات وبيع السلع الإلكترونية الرخيصة، والمخابز والتوابل إلى سكان المناطق الحضرية المحيطة بها.
وأكدت أن إضافة أنشطة على المنشأ الأصلى تؤدى إلى خلق وضع يصعب معه إدارة المخاطر، من حيث الحماية من الحريق، إلى جانب تدهور شبكة الصرف الصحى.
وحذرت من أن محاولات تعديل الهيكل الإنشائى لهذه الأسواق أو البناء داخلها تؤثر سلباً على السلامة المعمارية لتلك المبانى وعلى أهميتها التاريخية وتدمر القيمة التراثية المادية والثقافية.
وأكدت الدراسة أن المشروع البحثى لدراسة سوق العتبة يهدف إلى تطوير وتبادل الرؤى لإعادة الدور المجتمعى لتلك النوعية من المبانى، وذلك من خلال دراسة الجوانب المادية وغير المادية لها، لتكون بمثابة نواة الثقافة والاقتصاد، وبالتالى عمل فريق البحث على وضع رؤية من خلال الإطار المقترح من قبل الاتحاد الأوروبى لإعادة تطوير أسواق وسط المدينة مثل برشلونة وإيطاليا وكندا، كما اقترح فريق البحث أن تمتد وظيفة السوق الحالية كمكان لبيع المواد الغذائية ليصبح واحداً من الأماكن المشتركة للاستمتاع والترفيه وتقديم الوجبات المطهية، كما يمكن استغلال الأسطح لتضم أنشطة لتعريف المجتمعات المحلية بتكنولوجيات الطاقة المتجددة والتركيز على الطاقة الشمسية وزراعة أسطح المبانى.
"الكردانى": نعمل على استعادة نظام التهوية مع العمل على إدخال الطاقة الشمسية للسوق والتخلص من المخلفات وإعادة تدويرها
من جانبها، قالت الدكتورة دليلة الكردانى، أستاذ العمارة والتصميم العمرانى بكلية الهندسة جامعة القاهرة، الباحث الرئيسى من الجانب المصرى فى إعداد الدراسة، إن الدراسة تناولت تاريخ سوق العتبة التاريخى واستعمالاته القديمة والفارق بينها وبين أنشطة السوق الحالية، والنظام الإنشائى قديماً وحالياً، علاوة على إجراء استقصاء لأصحاب المحلات داخل السوق عن أعمال التطوير، فضلاً عن إجراء دراسات بيئية حول نسبة التلوث ودرجات الحرارة داخل نطاق السوق. وأضافت د. الكردانى لـ«الوطن» أن سوق العتبة كان يخضع لنظام تهوية منذ إنشائه متميز وراق جداً، ولكن الإشغالات الموجودة داخل السوق أدت إلى تعطل نظام التهوية، وبالتالى نعمل على استعادة نظام التهوية بشكل متطور للتوفير فى الطاقة، مع العمل على إدخال الطاقة الشمسية للسوق والتخلص من المخلفات وإعادة تدويرها. وأشارت إلى أن الفريق البحثى كان بصدد إجراء دراسة جدوى اقتصادية لزيادة العائد الاقتصادى للسوق دون الإضرار بحالته أو قيمته التاريخية، ولكن لم يتوافر الدعم الكافى، مشيرة إلى أنها زارت أسواق إسبانيا فى عام 2009، مؤكدة أن سوق العتبة لا يقل أهمية عنها، وبالتالى الدراسة ركزت على إحياء السوق ليكون على غرار الأسواق الأوروبية.
"الساداتى": التعديات أخفت الأنشطة التقليدية وحلت محلها تجارة الإلكترونيات وإكسسوارات المحمول ما يهدد التجار الأصليين
وأكدت الدكتورة علياء الساداتى، مدرس كلية الهندسة جامعة القاهرة، أن الفريق البحثى عمل لمدة 9 شهور على المشروع البحثى لتطوير سوق العتبة منذ عام، وتم مد مدة الدراسة للتعرف على المشكلات القائمة وإجراء شراكات مع كل الجهات التى لها علاقة بالسوق، مثل محافظة القاهرة كجهة إدارية، وهيئة الأوقاف كجهة مالكة للسوق. وأشارت إلى أنه مؤخراً بدأت الدولة تعمل على تطوير السوق بعد الحريق الذى تعرض له شهر يونيو الماضى، وذلك بعد توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى، وتابعت: «مصر تمتلك شبكة رائعة من الأسواق التاريخية المغطاة، وتاريخها يرجع لأواخر القرن الـ١٩ وبدايات القرن العشرين، ليس فقط فى القاهرة، لكن أيضاً فى مدن أخرى مثل الإسكندرية وبورسعيد، ففى القاهرة مثلاً توجد أسواق منها سوق العتبة وسوق باب اللوق وميدان الجامع، وفى بورسعيد يوجد بازار عباس وسوق البلدية، وفى الإسكندرية توجد أسواق منها السوق الفرنساوى»، وأضافت «الساداتى» أن هذه الشبكة من الأسواق التاريخية وسياقتها المحيطة تمثل قيمة شديدة التميز، ومع الأسف حالياً هذه الأسواق وسياقتها المحيطة فى حالة من التداعى الشديد الذى يهدد بفقدانها، وأكدت أنه من خلال التدخل المدروس والواعى من الممكن جداً إعادة إحياء تلك الأسواق بل وأيضاً استغلالها لتكون أداة لإحياء السياقات التاريخية المحيطة، على غرار أمثلة عديدة فى أوروبا، مشيرة إلى أن كثيراً من الأسواق المغطاة فى أوروبا خلال النصف الثانى من القرن العشرين شهدت فترات من التراجع والانهيار تماماً مثل الوضع الحالى لدينا، ومع ذلك توجد تجارب كثيرة ناجحة فى إعادة إحياء تلك الأسواق يمكن الاستفادة منها، مثل تجربة برشلونة فى إسبانيا، والعديد من التجارب الأخرى فى فرنسا وإنجلترا، وأوضحت «الساداتى» أن سوق العتبة وسياقه المحيط شهد تعديات على مدار سنوات طويلة أخفت وراءها كثيراً من ملامح المبنى المعمارية على مستوى الواجهات الداخلية والخارجية، كما أدت التعديات والإضافات إلى تضييق المداخل والممرات الداخلية، ما أدى لإعاقة حركة المستخدمين من رواد السوق وأعاق سلاسة حركة البضائع، وأدى أيضاً لتهديد المبنى وصعوبة إنقاذه فى حالة نشوب حريق كما حدث بالفعل، وتابعت أنه بسبب التعديات بدأت كثير من الأنشطة التقليدية فى السوق تختفى ويحل محلها أنشطة مستحدثة، أسهمت فى غزو السوق مثل تجارة الإلكترونيات والموبايلات وإكسسوارات المحمول، ما هدد التجار الأصليين المرتبطين بالمبنى والمهتمين به وبتاريخه، وأن إنقاذ السوق يتطلب إزالة كافة التعديات الجاثمة على المنشأ التاريخى، وترميم وإظهار واجهاته الداخلية والخارجية، فضلاً عن استعادة كفاءة الشبكات من كهرباء وصرف وإضافة متطلبات الدفاع المدنى، وكل ما يلزم من الأنظمة التكنولوجية الحديثة للحفاظ على أمن وسلامة المنشأ والمستخدمين.
إضافة أنشطة على المنشأ الأصلى تؤدى إلى خلق وضع يصعب معه إدارة المخاطر من حيث الحماية من الحريق وتدهور شبكة الصرف
من جانبها، قالت الدكتورة سحر إمام، أستاذ مساعد بكلية الهندسة جامعة القاهرة، إن تحقيق الحيوية والاستدامة الاقتصادية للمبنى التراثى لسوق العتبة يحافظ على المبنى والنطاق المحيط به، مشددة على أن الحفاظ على المبانى التراثية فى قلب النطاقات التاريخية وإعادة استخدام وحدات من هذه المبانى، بحيث تتبنى أنشطة ثقافية وتجارية وترفيهية كاستعمالات مؤقتة، قادر أن يكون أداة فاعلة فى تحفيز تنمية النطاقات القائمة المحيطة بها.
تعديل الهيكل الإنشائى أو البناء داخلها يؤثر سلباً على السلامة المعمارية ويدمر القيمة التراثية
وأكد الدكتور تامر الصيرفى، مدرس بكلية الهندسة جامعة القاهرة، أنه بالرغم من أهمية سوق العتبة التاريخية والوظيفية للمنطقة إلا أن السوق يمثل إشكالية وتحدياً كبيراً من حيث التنقل الحضرى الناتج عنه والمرتبط به داخل النطاق العمرانى المحيط، سواء حركة المشاة أو الحركة المميكنة، بدءاً من حركة البضائع من أسواق الجملة إلى سوق العتبة وحركة البائعين والمتسوقين وصولاً إلى السوق ونهاية بالحركة المرتبطة بالتخلص من المخلفات الناتجة عن السوق، وأشار إلى أن السوق يقع فى منطقة عمرانية حيوية تتميز بالكثافة التجارية العالية، وبالتالى إدارة التنقل الحضرى شاملة المواصلات العامة والمشاة والسيارات وعربات نقل البضائع فى هذه المنطقة تعتبر ضرورة جوهرية لضمان جودة واستدامة الفراغات العمرانية، لافتاً إلى أن خطة التطوير وإعادة التأهيل للسوق يجب ألا تشمل مبنى السوق فقط، ولكن يجب أيضاً أن تتضمن خطة محكمة وشاملة لإدارة التنقل الحضرى فى النطاق العمرانى الخاص بالسوق.
من جانبها، قالت الدكتورة ريهام عرام، مدير وحدة الحفاظ على التراث بمحافظة القاهرة، إن هناك توجيهاً رئاسياً بتطوير السوق، ورئيس الوزراء عقد اجتماعاً مع الجهات المعنية لبحث الأمر، واللواء خالد عبدالعال، محافظ القاهرة، عرض تقريراً عن تطوير سوق خضار العتبة بحى الموسكى بعد الخسائر التى نجمت عن حريق السوق يونيو الماضى، مؤكدة أنه تم تفقد السوق ومعاينته من قبل لجنة مشتركة من الأوقاف ومحافظة القاهرة لمراجعة عقود المحال المؤجرة ومدى قانونيتها، مع تحرير المخالفات وإصدار قرارات بإزالتها، حيث إن أساس السوق 220 محلاً وصل عددها حالياً لـ460 محلاً تجارياً موجودة بالسوق، تأثر منها جراء الحريق 180 محلاً نتيجة لتزايد المحال العشوائية وغير القانونية، ما أدى إلى ضيق المداخل والمخارج والتأثير على خطة الحماية المدنية بالسوق، وأكدت أن السوق له قيمة تاريخية، حيث تم بناؤه عام 1892 كأول سوق حضارى بالقاهرة الخديوية، ومساحته 5200 متر، ويقع فى منطقة تربط بين شوارع العطار والأزهر والمرجان، ويتخلله 12 ممراً داخلياً، وأشارت إلى أن مقترحات تطوير سوق العتبة تضمنت إعادة الشىء لأصله وترميم الحوائط والسقف المعدنى والجمالون، بالإضافة إلى إنشاء شبكة إطفاء وحماية مدنية معتمدة وتركيب أجهزة إنذار حريق.