م الآخر| سلام الحواجب
سبحان مغير الأحوال من حالٍ إلى حال، سبحان من دونه جميعاً يتغير وهو لا يتغير، عجباً لما تؤول له البدايات إلى النهايات، رغم أن البدايات تكون أجمل إلا أن النهايات هي التي لا تُنسى، هي التي تعلق بالذاكرة مقرونةً بأصحابها وتناسينا الفضل بيننا ولم نستطع حتى جعلهم في البعد أحلى وفي البعد أرقى.
يحدث أن يكون بعض البشر قرةُ أعيننا، أحببناهم وأحبونا، أو هكذا ظن وهكذا ظنت، وكانت أمنيتنا يوم لقائهم الاختباء في أحضانهم وكأنه أب بديل وكأنها أم أخرى، كانت المشاعر تولد كأنها أول مرة وهي ليست بأول مرة كمراهقين صغار رجع بنا الزمان سنين طوال، نضطرب من اللقاءات وسماع الكلام الجميل، رقة في كل شيء ،النظرة، اللمسة، همس الأصوات لو رآهم الكروان لتغنى.
كرهاً أو طوعاً لعبت الأقدار وعبثت الظروف وزار القلب الضغينة، وأصبح مجرد ذكر الأسماء يشبه الزلازل والبراكين، وقالوا عنا وقلنا عنهم ما ليس بنا وليس بهم، فاستمتع الحاضرون بمسرحية هزلية أبطالها نحن لإضحاكهم، وإثارة سخريتهم وبتنا أضحوكة للقاصي والداني، فكأنك انتزعت من القلب بياضه، وأسكنته سوادًا في سواد، لا مكان فيه لمبررات ولا ذكريات جميلة مضت، فكان يقيناً أن ننسى الفضل بيننا ونسلم أنفسنا رهينة للقيل والقال.
أما نحن الآن.. اكتفينا بـ"سلام الحواجب" ولو نطقت الحواجب لقالت ما هذا؟!.
أهي قسوة الرجال أم غباء النساء أم حقد البشر.
وما ضير العين إذا أحب القلبُ قلباً، نكابر في سعادتنا من أجل من؟، أمن أجل العادات والتقاليد أم هي عاهات وتقاليد، لما نشكو زماننا والعيب فينا، ولما نتشدق بالأخلاق كثيراً وهي حتى ليست فينا، هل أصبح على رؤوسنا بطحاتٌ نتحسسها، كنا نكرر دوماً "فاقد الشيء لا يعطيه" حتى بات موضة هذا العصر "فاقد الشيء يتحدث عنه كثيراً".
تباً لأخلاق تركت الباطن واهتمت بالظاهر فأصبح التمثيل يسيراً متى ارتديت له الزي المناسب فصدقه الجميع.
حتى زي المرأة وغطاء رأسها أقرنوه بالعفة والطهارة، وكلماتها الجريئة دليل عهر وتسبيحها دليل طهارة!.
أما الرجل فما دامت أخطاؤه في الخفاء فهو شريف من نسل الشرفاء، وأن أخطاءه باتت مكشوفة فهو من جملة الذكور لا يضيره من فعلها شيء فأنت في مجتمع يا عزيزي السمعة فيه مقرونة بالنساء دون الرجال، أخطاؤه وهفواته لا مانع أن تُعالج أو تُغتفر أو حتى يُغض عنها البصر !!
ما بلغ علمي يوماً أنك ستقف أمام الله تبرر أفعالك له بـ"أنا رجل".
أخذنا الحكم بظاهر البشر وبأجناسهم أنثى أم ذكر، أين صدق وطهارة وعفة الداخل وما في القلب وقر؟!.
ما يثبته ويصبح دليلاً عليه أهي المواقف أم المشاعر أم الكلام المعسول، أم تركناها لرب العباد هو أعلم ببواطن الأمور.. واكتفينا نحن بـ"سلام الحواجب" حتى عضلات الوجه لم تعد تقوى عليه هو الآخر، وصار التجاهل والنسيان أيسر سبيلاً، سبحان من له الدوام.. عذراً لا أصدق أحدًا إلى الآن.
(الآراء المنشورة كتبها القراء ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع وجريدة "الوطن"، وإنما تعبر عن أراء أصحابها)