تطوير مسجد الحسين.. عودة الهدوء إلى مقام الإمام
تطوير مسجد الحسين
«حب الحسين وسيلة السعداء.. وضياؤه قد عم فى الأرجاء.. سبط تفرع منه نسل المصطفى.. وأضاء الكون بوجهه الوضاء.. فهو الكريم ابن الكريم.. وجده خير الأنام وسيد الشفعاء».. تلك كلمات واحدة من عشرات القصائد التى تُنشد فى محبة حفيد رسول الله، سيدنا الحسين بن على، الأكرم ابن الأكرمين، الذى تزين «رأسه الشريفة الطاهرة»، القاهرة، ويقصد مقامه الآلاف يومياً، باحثين عن راحة تزيل همومهم وطمأنينة تستقر فى قلوبهم.
تصوف وعبادة وسياحة وتجارة
لكن المسجد والمقام، الذى يستقبل آلاف الزوار يومياً، بات يعانى من عشوائية وزحام ومشكلات كثيرة، تهدد قيمته ومكانته وأثريته وحيويته، ما اضطر الحكومة إلى وضع خطة للتطوير، ووجه الرئيس عبدالفتاح السيسى بسرعة تنفيذها، واستعادة مكانة المسجد ورونقه، وتوسعة ساحته ومحيطه، وترميمه من الداخل، وتجديد مكوناته.
وتشمل خطة التطوير 3 أماكن للصلاة فى الداخل والساحة الخارجية وبدروماً، لزيادة عدد المصلين من الرجال حتى 7 آلاف، و1500 سيدة، مع زيادة إضافات معمارية زخرفية، وتزويد المسجد بأنظمة إضاءة حديثة وتكييف مركزى، وأنظمة مكافحة للحرائق، وتوفير مقاعد مخصصة لكبار السن، ودعم الأسقف، وترميم الواجهات الحجرية، والمآذن والقبة.
«الوطن» أجرت جولة داخل المسجد الأشهر فى القاهرة، وفى محيطه وبين أرجاء ساحته، لترصد ما آل إليه وضع المنطقة من زحام وعشوائية، بفعل المحال والمطاعم والمقاهى والباعة الجائلين، وأيضاً آلاف الزوار والمريدين.
المقاهى والمحال والباعة يحاصرون الأبواب الثلاثة.. "مول مفتوح لكل شىء"
«الأخضر، والفرج، والبحرى»، ثلاثة أبواب رئيسية لمسجد الإمام الحسين، الذى يقال إنه يضم «الرأس الطاهر لسبط رسول الله».. هنا فى قلب القاهرة الفاطمية، فيلجأ إليه المريدون من كل أنحاء مصر على مدار العام، يتبركون به ويستنشقون نفحاته العطرة، لتطيب جراحهم ويزيل الله بزيارتهم هذه هموماً جثمت على صدورهم، وأتعبت قلوبهم.
هنا تاريخ طويل ترويه الساحة المحيطة بالمسجد، التى تطل على شارع الأزهر العريق، وتستعد للتطوير وفق ما صرح به رئيس مجلس الوزراء، فى نهاية أغسطس الماضى.
بين يدى حفيد رسول الله، ابن الإمام على كرم الله وجهه، يتزاحم الزوار، ويختلط المصريون بأفواج السائحين، فينتشرون فى محيط المسجد والشوارع التجارية المتاخمة له، تتفرق الخطوات وتجتمع فى المنطقة، التى نالت شهرتها من مجاورتها للمسجد الشهير، الذى اختلط اسمه بأسماء الكثير من مطاعم ومحال المنطقة «الحرم الحسينى»، و«فندق الحسين السياحى»، وغيرهما.
مع دقات الثانية ظهراً، يتوقف أوتوبيس سياحى داخل ساحة المسجد الشهيرة، ليكشف عن زيارة فوج سياحى للمنطقة، فتتعالى أصوات العاملين فى المقاهى والمطاعم، يرغبون فى استقبال أعضاء الوفد، كل منهم يحاول جذبهم بطريقته، فبعضهم يردد «welcome in Egypt»، والبعض الآخر يشير إلى المقاعد. تتشابه مقاعد المقاهى، بدرجة يصعب معها الفصل بين مقهى وآخر، إلا من تلك اللافتات الصغيرة، المعلقة أعلى كل محل، وبعض الأدوات الخاصة بكل «كافيه»، مثل قوائم الطعام، والأكواب، التى تحمل فى بعضها اسم المحل وتاريخ نشأته.
"محمود": أحضر أنا وزوجتى وأولادى كل شهر.. والتطوير فى صالح الزوار وأكيد الحكومة هتزيل المخالفات وتوسع المنطقة
وتتزين جميع المناضد بشماسى كبيرة الحجم، جلبها أصحاب المحال خصيصاً لتحمى الزائرين من حرارة الشمس فى فترة الصيف، وتقيهم الأمطار فى فصل الشتاء، وبصورة لافتة للانتباه يضع العاملون «شيشة» مصنوعة من النحاس أو الفضة، أعلى كل منضدة، كنوع من الدعاية ولفت أنظار الرواد. مصطفى محمود، ٤٥ عاماً، موظف، أحد سكان منطقة «العتبة»، يجلس على مقهى «قصر الشوق»، لقضاء عطلته الأسبوعية، برفقة زوجته وولديه، فى منطقة الحسين، التى بدأها بالصلاة داخل المسجد، والتجول فى ساحته، والتقاط الصور التذكارية، يقول: «بنحب نيجى الحسين عشان نغير جو، ودايماً بقعد على مطعم هنا نتغدى ونستمتع بالمكان»، مضيفاً أن التطوير الذى تعتزم الحكومة تنفيذه فى صالح الزائر، وأصحاب المطاعم والمقاهى أيضاً «أكيد مش هيمشوا المطاعم والقهاوى من هنا خالص، هما بس هيزيلوا تعديها على حرم الشوارع لتوسعتها، بالإضافة إلى توسعة الساحة، بما يسمح بحركة أكبر للرواد». أمام البوابة الرئيسية لمسجد الإمام «الحسين»، المعلق عليها لافتة نحاسية صغيرة، مدون عليها «الباب الأخضر»، وقف عدد من الشباب فى أعمار متفاوتة، بعضهم بصحبة أصدقائهم، وآخرون بصحبة آبائهم، ليلتقطوا الصور التذكارية بجوار المسجد، يخلدون بها زيارتهم لذلك المكان المبارك.
لا يخلو المشهد من عبور طفل صغير، لا يتعدى عمره الـ٧ سنوات، يرتدى ملابس مهترئة ويمسك بيديه بعض عبوات المناديل، بجوارهم، فى محاولة منه لبيع بضاعته للزائرين.
الباعة الجائلون يتصدرون المشهد، ببضاعتهم المختلفة، وفى مقدمتهم تبرز سيدة ستينية، افترشت الأرض، وأمامها مجموعة من «السبح»، متباينة الأشكال والألوان والأحجام، بالإضافة إلى مجموعة من المصاحف الصغيرة، تلفت انتباه المارين، ليتزاحم بعضهم عليها، رغبة فى شراء هدايا تذكارية لذويهم ومعارفهم. بمجرد رفع أذان «العصر» يفتح المسجد أبوابه للسيدات، فيتزاحمن، على اختلاف أعمارهن أمام «باب الفرج»، المخصص لهن.
وأمام ذلك الباب تجلس بعض السيدات، اللاتى يحترفن رسم «الحنة»، على مقاعد بلاستيكية، وأمامهن مقاعد أخرى مخصصة للزبائن، وكل منهن تمسك بين يديها «كتالوج»، يضم عدداً من الرسومات، تختار من بينها الزبون. أمام باب مصلى السيدات، تستقر عربة خشبية، تعلوها شمسية، ومرصوص عليها عبوات البخور مختلفة الأنواع والأحجام، ومن الأعواد المشتعلة تنبعث روائح البخور، لتغطى ما حولها، فتزيد المنطقة جمالاً وجاذبية.
«شاى شاى اللى عاوز شاى»، جملة يرددها عدد من الأشخاص، يتجولون بين المارة داخل ساحة «الحسين»، وكل منهم يحمل «تُرمس» كبيراً به ماء مغلى، وعدداً من الأكواب البلاستيك، بالإضافة إلى عبوات الشاى والسكر والنسكافيه، يستوقفهم بعض الرجال لشراء كوب الشاى مقابل 3 جنيهات، والنسكافيه بـ4 جنيهات.
"السيد": تعودنا على الزحام والباعة فى كل مكان
«مفيش حاجة هنا فى الساحة نحتاجها وما نلاقيهاش، كل حاجة نحلم بيها نلاقيها».. بهذه الكلمات بدأ السيد مصطفى، ٤٦ عاماً، أعمال حرة، أحد سكان منطقة «فيصل»، حديثه عن الخدمات، التى يتمتع بها مسجد «الحسين» عن غيره من المساجد، إذ إن الباعة المتجولين والمقاهى والمطاعم، تعطى للمكان حيوية ونشاطاً، يقول «الحسين من غير الزحمة والدوشة ما يبقاش الحسين، اتعودنا نيجى هنا زيارات ونلاقى كل حاجه حوالينا». أفراد الأمن ينتشرون فى كل مداخل الساحة، بعضهم يفتش الزوار بشكل روتينى، والبعض الآخر يكتفى بتدقيق النظر فيهم، وهناك حاجز حديدى ملون بالأخضر، يفصل حرم المسجد أو مصلى السيدات عن عالم آخر يختلف فى ملامحه، ويعبقه دخان الشيشة، وتضفى عليه أصوات الأغانى التى تنبعث من شاشات العرض الكبيرة، بهرجة شعبية، تنشر بعض البهجة وكثيراً من الصخب، ليبقى محيط «الحسين» فريداً عن غيره فى طقوس استقباله لزواره.
وفى الحوارى الضيقة المتفرعة من ساحة الحسين، يبدو المشهد أكثر ضجيجاً، إذ يصطف الباعة الجائلون باختلاف بضائعهم، التى تتنوع بين «الحمص والحلاوة وحب العزيز»، وألعاب الأطفال، والاكسسوارات.
المشهد يختلف فى ساحة المسجد المطلة على منطقة «خان الخليلى»، حيث تختلف البضائع المعروضة للبيع، ويتنوع الزوار، وأغلبهم من السياح، الذين جاءوا لشراء بعض الهدايا التذكارية التى يكثر عرضها، وإلى جوار البازارات تنتشر محال بيع «بدل الرقص»، التى تعلق أمام الواجهات بألوان وأشكال متعددة تلفت انتباه المارة. عند البوابة الخلفية للمسجد المخصصة للرجال، رُصت المقاعد الخشبية على الجانبين، كل منها يتبع مقهى من المقاهى التى تسيطر عليها العشوائية والضجيج.
"أميمة": "ننتظر تطوير المنطقة بسرعة لنتحرك براحتنا"
«لازم الدوشة والهيصة اللى حوالين المسجد تتشال احتراماً للمسجد وقيمته».. قالتها أميمة محمد، ٤٢ عاماً، إحدى سكان منطقة «روض الفرج»، عند حديثها عن العشوائية، التى تسيطر على أرجاء الساحة وفى محيط المسجد، وتتسبب فى إعاقة حركة الزوار «الكافيهات هنا ما بتعملش حساب للمسجد وبتشغل أغانى وأفلام ولا كأن الناس هنا جاية تزور الضريح وتصلى، كأنهم جايين مولد ولا فرح»، مشيرة إلى عدم وجود رقابة على تلك المقاهى التى تحيط بالمسجد من جميع اتجاهاته، وأنهت حديثها، قائلة: «يا ريت التطوير يتم بسرعة عشان الواحد يعرف ييجى هنا يرتاح ومايلاقيش دوشة فى كل مكان».
واقرأ أيضاً:
عضو مجلس إدارة مسجد «الحسين»: المياه الجوفية والتكدس أكبر مشكلاتنا.. والترميم أصبح مشروعاً قومياً