"الطائرات المسيَّرة".. صداع في رأس المنطقة
الطائرات المسيرة
مع كثرة النزاعات وتفاقمها فى السنوات الأخيرة، تغيرت خريطة الحروب فلم يعد للحروب التقليدية مكان على خريطة الصراعات المسلحة، فتطور تكنولوجيا التسليح كان ملاحقاً لركب تطور العلوم والتكنولوجيا على مستوى العالم، حيث ظهر نوع جديد من التكنولوجيا يمكّن أصحابه من ضرب أهدافهم ولو كانت فى النصف الآخر من الكرة الأرضية.
تعمل بـ"الريموت كنترول".. وقادرة على إسقاط قنابل وصواريخ
هذا التطور المذهل هو تصنيع الطائرات بدون طيار أو الطائرات المسيرة «الدرونز» كما يطلق عليها، التى أصبحت واحدة من أهم تطورات تكنولوجيا التسليح على مدار الأعوام القليلة الماضية، لا سيما بعد أن باتت فى متناول الجميع باختلاف مهماتها واستخداماتها، بداية من الاستخدامات السلمية والتصوير، مروراً بالاستطلاع، وانتهاء بالطائرات الحربية المسيرة المتطورة القادرة على حمل صاروخ نووى يتجاوز وزنه طناً كاملاً، ومع ذلك لا تحتاج هذه الطائرة الصغيرة فى تشغيلها إلا لشخص واحد يمسك بذراع التحكم يوجهها بالريموت كنترول، أينما يشاء ويقصف هدفه دون أن يدرى أحد ما حدث. «الوطن» تسعى من خلال هذا الملف إلى تسليط الضوء على تلك التكنولوجيا بعد أن باتت أحد أهم الاستخدامات العسكرية فى المنطقة العربية والعالم.
يستخدمها الحوثيون فى اليمن والإرهابيون فى سوريا والعراق وليبيا
«الطائرة المسيَّرة، أو الطائرة بدون طيار، أو الزنانة أو الدرون أو الدرونز».. كلها أسماء تطلق على طائرة «الدرون» الصغيرة، التى تُسيَّر بالتحكم عن بُعد، والتى استُخدمت فى البداية لأغراض مدنية، أغلبها التصوير فى المرتفعات أو الأماكن التى يصعب الوصول إليها، إلا أنها سرعان ما استُخدمت لأغراض عسكرية، سواء تجسس أو تصوير منشآت، ومؤخراً حملت متفجرات بغرض استهداف القوات والمنشآت، دون تعرضها لأى خسائر.
وبسبب رخص سعرها وسهولة الحصول عليها، انتشرت فى يد الجماعات الإرهابية فى المناطق المشتعلة بالشرق الأوسط، مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا، ويستخدمها أيضاً جيش الاحتلال الإسرائيلى كثيراً، مثلما حدث فى هجومه الأخيرة على جنوب لبنان، فضلاً عن استخدامها كـ«مرسال» من تنظيم مُحاصر فى مكان ما إلى عناصره الموجودين فى منطقة أخرى، لتتحول هذه الطائرات التى صدرت منها نُسخ عسكرية عديدة إلى ظاهرة، ربما تكون فى بعض الأحيان إيجابية، وفى أغلبها سلبية.
وتعتبر إسرائيل نفسها رائدة فى استخدام تلك الطائرات المجهزة لأغراض عسكرية، ويُعد هجوم جيش الاحتلال على منطقة تابعة لـ«حزب الله» بجنوب لبنان، هو الحدث الأخير الذى استُخدمت فيه الطائرات بدون طيار. وقد بدأ الأمر بعدوان شنّه الاحتلال فى 24 أغسطس الماضى على بلدة سورية بزعم التصدى لهجوم بطائرة مسيَّرة «انتحارية» إيرانية، ليعلن اللبنانيون فى اليوم التالى سقوط طائرتين مسيَّرتين إسرائيليتين، انفجرت إحداهما فى الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل تنظيم «حزب الله». وفى يوم 28 أغسطس أطلق جنود الجيش اللبنانى النيران على طائرتين مسيَّرتين إسرائيليتين. ذلك بالإضافة إلى اتهام قوات «الحشد الشعبى» العراقية لإسرائيل فى أغسطس الماضى بشن هجوم بطائرة مسيَّرة على إحدى قواعدها، لتتحول تلك الطائرة إلى «صداع» فى رأس المنطقة، خلال الفترة الأخيرة.
خبير عراقى: تنقل الرسائل للمسلحين المحاصرين
هشام الهاشمى، الخبير الأمنى العراقى، يقول إن الجماعات الخارجة عن القانون والجماعات الإرهابية، مثل تنظيم «داعش» الإرهابى، هى أول من استخدم الطائرات من نوع «درون» بهدف التصوير والقتال ونقل بعض الرسائل المهمة بين طرفين فى مناطق محاصرة، لافتاً إلى أن هذا الأمر تم رصده مبكراً، قبل أربعة أعوام، أى فى 2015.
«الهاشمى» أضاف، فى اتصال هاتفى مع «الوطن»، أن تلك الجماعات تجيد استخدام «الدرون» وطورتها بعد أن كانت تُستخدم من قبَل هواة التصوير، لافتاً إلى أنهم طوروا فى البداية محركها، وبعد ذلك طوروها لتكون مُجهزة لحمل كميات من المتفجرات، وأنها الآن تحمل كمية تصل إلى 5.4 كيلوجرام من المتفجرات، كما أنهم استطاعوا أن يستخدموها لأول مرة كـ«درون انتحارى» فى معاركهم خلال عامَى 2016 و2017 فى «نينوى».
ويتابع الخبير الأمنى أن القوات الأمنية العراقية تمتلك تلك الطائرات المسيَّرة، إلا أنها لا تستخدمها فى أغراض قتالية، لكن لأغراض التجسس والتصوير فقط، لافتاً إلى أن الوحدات الخاصة تعتمد عليها بشكل كبير فى إطار عمليات التحالف الدولى، وأن قوات «الحشد الشعبى» العراقية حصلت على «الدرون» من إيران والصين، واستخدمتها فى عمليات التجسس والتصوير، وليس فى العمليات القتالية.
وعلى صعيد الساحة السورية تمتلك قوات «سوريا الديمقراطية» طائرات «درون»، حصلت عليها من التحالف الدولى، وفقاً لـ«الهاشمى»، موضحاً أن بعضها صناعة أمريكية، والبعض الآخر أوروبى، وأن تنظيم «داعش» الإرهابى استخدمها فى المعارك السورية بشرق الفرات والحسكة وقبلها «كوبانى» لكن للتصوير وليس للقتال.
أما عن الجماعات الإرهابية السورية، فيقول الهاشمى إنها أيضاً تستخدم الدرون للتصوير وليس للقتال، كما تستخدمها جبهة «تحرير الشام» (جبهة النصرة الإرهابية) التى حصلت عليها من تركيا أيضاً للتصوير، ولم تستخدمها حتى الآن فى أغراض قتالية.
ويضيف: بالطبع يمتلك الجيش العربى السورى درون متطورة حصل عليها من إيران وروسيا والصين، موضحاً أن «الدرونز فى أيدى الجماعات المسلحة تنقسم إلى فئتين، الأولى فئة عسكرية حصلت عليها من مصدر ما، أما الثانية فهى فئة مدنية وتم تطويرها للاستخدامات العسكرية».
المحلل السياسى اللبنانى نضال السبع يقول: هناك 3 أطراف فى المنطقة تستخدم طائرات «الدرون»، هم «جماعة الحوثيين» وتستخدمها فى الحرب اليمنية ضد المنشآت السعودية، كما حدث فى مطار «أبها» الدولى، فضلاً عن استخدامها فى منشأة نفطية على حدود الإمارات العربية المتحدة، و«إسرائيل» التى استخدمت هذا السلاح فى الضاحية الجنوبية بلبنان، والثالث «الجماعات الإرهابية» فى سوريا التى تستهدف قاعدة «حميميم».
محلل لبنانى: الأمن التركى هو الذى يزود الجماعات الإرهابية فى سوريا بها لإصابة الأهداف بدقة ودون خسائر
وأضاف، فى اتصال هاتفى مع «الوطن»: تقديرى الشخصى أن الأمن التركى هو من يزود الجماعات الإرهابية فى سوريا بهذا السلاح، وهذا السلاح ظهر مؤخراً فى عام 2015، وبدأ ينتشر بشكل كبير، وأصبح متداولاً، وهو لا شك سلاح فعال ومقلق، لأنه عملياً يصيب الأهداف بدقة، دون خسائر لمن يستخدمه.
أما عن امتلاك تنظيم «حزب الله» لهذا السلاح، فيوضح «السبع» أنه «لا يوجد ما يثبت أن حزب الله يمتلك أو لا يمتلك ذلك السلاح، فليست هناك معلومات حول هذا الأمر، فاحتمال يكون عنده واحتمال لا».
"الفاخرى": الجيش الوطنى الليبى لا يستعملها بعكس الميليشيات التابعة "لحكومة السراج"
وعلى صعيد الأوضاع الليبية، يقول وزير التعليم الليبى الأسبق، الدكتور عبدالكبير الفاخرى، إن «المجموعات الإرهابية التابعة لفايز السراج، رئيس الحكومة المؤقتة، استخدمت تلك الطائرات»، لافتاً إلى أن «كل الطائرات التى حصلت عليها الجماعات الإرهابية من صناعة تركية، ويتم تسييرها من خلال منظومات إلكترونية تم وضعها فى مطار معيتيقة الدولى، حيث تم تأسيس مركز عمليات أو منطقة إدارة طيران الدرونز هناك».
وعن الجيش الوطنى الليبى، فيؤكد الفاخرى لـ«الوطن» أن «الجيش لم يستخدم تلك الطائرات، لكنه يستخدم الطيران العادى للوصول إلى أهدافه»، مضيفاً: «لم أقرأ أى معلومات تفيد بأن الجيش الوطنى استخدم هذه الطائرات، لكن الميليشيات تستخدمها بدعم من تركيا». ويشير إلى أنه «تم الكشف عن أن الجماعات الإرهابية تستخدم الطائرات تركية الصنع، بالاستعانة بطاقم تركى مختص بتسيير تلك الطائرات، وقد تم الكشف عن أسماء أفراده، وصور جوازات سفرهم بعد دخولهم الأراضى الليبية».
ويوضح أن هناك معلومات تفيد بأن الميليشيات التى تقاتل الجيش الوطنى الليبى تم رصدها تستخدم تلك الطائرات، مؤكداً: أن «الجيش الليبى عانى كثيراً من تلك الطائرات، وأسقط منها أكثر من طائرة، كما أن هناك مركز عمليات لتلك الطائرات فى مصراتة، وتم رصد ذلك عن طريق صور الأقمار الصناعية، والأتراك هناك يستخدمونها بشكل مباشر».