إسماعيل يس، سعاد، فاتن، الريحانى، روستى، المليجى، شادية، ثومة، عبدالوهاب، فيروز، نزار، دنقل، التونسى، جاهين، حجاب... إلخ. أيامنا الحلوة، الأرض، باب الحديد، راقص مع الذئاب، عمر المختار، أفلام هندية... إلخ. نستمع لموسيقى الشرق، موسيقى الجنوب الخماسية. بعضنا يهيم فى السحاب وهو يستمع للسيمفونيات الكلاسيكية، نرتفع ونسمو ونحن نستمع لقرآننا الكريم من أصوات رائعة: عبدالباسط والحصرى... إلخ. نستمع لكل تنويعات الجمال والجلال ونقول: الله! سبحان الله الجميل الذى أبدع لنا كل جميل!
أليس العمل الصالح هو كل ما يسعد الإنسان؟ إن الفن حين يصل لمشاعر الإنسان يحركها حراكاً طيباً؛ فتنتشى النفس ويترقق الجسد، ألا يعد هذا النوع من الفن عملاً صالحاً؟ من يعارض مقولتى سأعده عملاً غير صالح. أنا عاشق لفيلم «ابن حميدو»، شاهدته «عشرتاشر» مرة ولم أشبع منه، أضحك مع أبطاله فيزيحون الهموم من قلبى، يدشنون «نورماندى تو» فأضحك، «فتشنى فتش» فأقهقه، «زينات»: رجل الغاب طويل الناب! فأكركر ضحكاً. هند رستم فى الفيلم ظريفة، تجسد الجمال الأنثوى فأرضى وأعلو ولا أنزل.
أما «الريحانى»، فأحب أفلامه مع «كاريوكا» وغيرها، نشاهد غزل البنات فنضحك مع مشهد سوء التفاهم و«الريحانى» يعامل الخدم كأن كلاً منهم هو الباشا، ثم يأتى الباشا فى هيئة جناينى! كم مرة شاهدتم هذا المشهد؟ وهل يمكن لأحد أن يزوى ما بين حاجبيه أو يزم شفتيه وهو يشاهده كل مرة؟ رحمهم الله!
أنا أديب، أبدأ إبداعى بسماع ما تيسر من القرآن الكريم. وخلال كتاباتى لا أستغنى أبداً عن موسيقى وأغنيات ملائمة للحالة التى أكتب فيها، خلال رواية كان بها الكثير من الشجن والألم وجدت أغنيات أرمنية فكانت عوناً لى، سيمفونية شهرزاد وأنا أكتب رواية تقارب ألف ليلة وليلة، الموسيقى الخماسية النوبية والسودانية وغيرها وأنا مستغرق فى الكتابات النوبية... إلخ.
فيلم «بين السماء والأرض» كوكتيل بشر، كل شخصية تمثل عالماً إنسانياً، وكلهم فى مصعد تعطل بهم! أسأل نفسى: من الأفضل فيهم؟ لا أستطيع أن أقرر، نالوا كلهم درساً عندما اقتربوا من الموت، لكن فى نهاية الفيلم سعيد أبوبكر، الذى يتصرف كما يتصرف الإنسى، بعد النجاة من الموت تأخذه الدنيا المتمثلة فى جسد امرأة مغرية! هكذا الإنسان، لا تملك إلا أن تقول سبحان الله! فإن تفلسفت لتتعمق فى الإنسان لن تصل، وإن كان واجباً عليك أن تتفلسف لتصل! إنها دائرة لم ولن تنغلق أبداً، إنها الدنيا العميقة الملغِزة التى تلقى على أكتافنا أطنانا من المسئوليات والهموم، فيكون الفن الراقى الجميل المتعدد متنفساً لنا لنريح القلب ساعة. نقرأ كلام الله فى كتابه المقدس أو نستمع له بأصوات القراء الملائكيين فنسمو، فهذا هو الأعلى؛ لأنه من الأعلى إلهِنا العلى القدير. نستمتع بالفن المكتوب لكل موهوب، و«نجيب» ويوسف إدريس و«المخزنجى» أمثلة، ونستمع للموسيقى والغناء، ونشاهد فن المسرح والسينما والنحت والرسم... إلخ، بل عندما نجد مبنى رائعاً بُنى بفن نستمتع بكل جميل ونتطهر. كتب الشاعر صالح جودت ولحَّن وغنى «عبدالوهاب»: الدنيـا ليـل والنجـوم طـالـعـة تـنـورهــــا، نجـوم تغير النجـوم من حسـن منظرهـا، ياللى بدعتوا الفنون وف إيدكوا أسرارهـا، دنيا الفنون دى خميلة وانتو أزهارها، والفن لحن القلوب يلعب بأوتارها، والفن دنيا جميلة وانتو أنوارها.
نحتاج فى أوقاتنا هذه إلى جرعات أكثر من الفنون، لنقاوم بها الظلامية التى تحاول أن تكبس على قلوبنا وعقولنا، وتحشر أوطاننا فى قبور كئيبة. عصابات تدعى أنها المتحدثة باسم الله وأنها وحدها التى تفهم جوهر الدين، وتعمل بغلظة ودموية لتفرض علينا كآباتها. عصابات أول تفكير لها كيف تقْبُر كرامة المرأة، ولا تترك منها سوى كومة لحم للنكاح والولادة فقط لا غير! عصابات تكره رنّة عود ونغمة ناى. جماعات تكره العقل وتعبد النقل، وحتى النقل يكون من هوامش الجمود وتُبعِد كل قديم يفكر.
خلال حرب الاستنزاف، كانت وحدتى القتالية تحتل لسان بحيرة التمساح على شاطئ مدينة الإسماعيلية، وكان عبورنا لسيناء من نفس البحيرة بعد ذلك، موقع خطير ورغم خطورته كان فى وقت الفجر يعطى مشهداً لا تملك إلا أن تردد: سبحان الله! سبحان الله! وكان لى الحظ أن أتمعن فى السماء ليلاً فى أكثر من مكان بعيداً عن المدن والأضواء البشرية؛ فى أسوان بالقرب من السد العالى، وسط بحيرة النوبة، فى الصحراء الممتدة، أعالى بعض الجبال الباردة، البحر فى الإسكندرية ومدينة جدة بالسعودية، حديقة هايد بارك حيث صادقت عدداً من الأشجار... إلخ، وأيضاً وأنا أتابع بعض الأفلام الوثائقية التى ترصد أركاناً من الكرة الأرضية وجوانب من السموات. يا الله، يا أحسن الخالقين، يا بديع السموات والأرض، ما كل هذا الإبداع؟ ما كل هذا الإعجاز الربانى؟ من لا يهفو فؤاده للجمال فهو قبيح ويجب أن نخشاه، هو بالقطع مشروع إرهابى إن لم يكن إرهابياً بالفعل، وصدق من قال: لا تأمن لمن لا يحب الموسيقى. وأقول: لا تأمن لمن لا يحب فيلم «ابن حميدو»! ورحم الله كل من يعطى فناً يسعد البشر!