49.4 مليون مستخدم للإنترنت فى مصر، يمثلون 50% تقريباً من عدد السكان، و40 مليون مستخدم لموقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» يمثلون 40% من المصريين، فى حين تبلغ نسبة المدفوعات الإلكترونية 2.5% تقريباً من إجمالى تجارة التجزئة فى مصر فى حين يشكل الدفع النقدى «كاش» 97.5% من معاملات تجارة التجزئة.
يقضى المصريون ثلث أعمارهم بمعدل 7.5 ساعة يومياً على شبكة الإنترنت، منها 3 ساعات على مواقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك، تويتر، إنستجرام»، وتتصدر اهتماماتهم البحثية، الصور، والفيديو، والأغانى والمقاطع الصوتية، وكرة القدم، وحالة الطقس.
لا أحد يبحث عن معلومات مفيدة تقريباً، نسبة ضئيلة للغاية تزور مواقع تعليمية، أغلبهم طلاب فى المدارس والجامعات.
عندما يحتاجون إلى خدمة حكومية يتوجهون مباشرة إلى المصلحة الحكومية المعنية، ولا يفكرون فى الدخول على موقعها لمعرفة ما إذا كان يمكنهم التقديم على هذه الخدمة إلكترونياً من عدمه.
وعندما تطلب منهم سداد رسوم فى أى جهة، سواء حكومية أو خاصة، يتوجهون إلى الخزينة مباشرة، دون التفكير فى إخراج الموبايل، والبطاقة البنكية التى أصبحت فى متناول الجميع تقريباً حالياً، والدفع من خلال الإنترنت.
هذه التناقضات هى التى تفسر حالة «الجهل التكنولوجى» أو «الجهل الإلكترونى» التى تعانى منها نسبة كبيرة من المصريين.
فبمجرد ذكر هذا المصطلح قد يتبادر إلى ذهن البعض أنه غير جاهل تكنولوجياً بمجرد معرفته للبحث عن «فيس بوك» فى محرك البحث جوجل، والدخول إليه من خلال حساب رسمى، وبدء تصفح المحتوى.
العالم يتحرك كل لحظة آلاف الأميال، ولو لم نواكب هذا التحرك السريع، سنظل دائماً فى مرتبة متأخرة بين الأمم، ولن تُجدى الثورة التنموية التى تشهدها الدولة حالياً فى شىء ما دام أبناؤها غير مؤهلين للتعامل مع كافة وسائل الاتصال والدفع والخدمات التكنولوجية المختلفة.
لا يمكن أبداً أن تتقدم دولة فى العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين، وأبناؤها لا يعرفون مصطلحات الذكاء الاصطناعى والأتمتة، ولا يستطيعون التعامل مع التقنيات الحديثة، وما زالت تسيطر عليهم فكرة «شباك الخدمة» و«الخزينة» وإيصال السداد النقدى.
الدولة تحتاج إلى ثورة حقيقية للقضاء على المفاهيم المغلوطة حول المعرفة التكنولوجية، ولبناء ثقافة جديدة تقوم على تقليل الاتصال البشرى فى أداء الخدمات والمدفوعات المختلفة.
هذه الثورة الثقافية التى نحتاج إليها الآن، لا بد أن تمتلك أدوات نجاحها، من التسويق الجيد للمفاهيم والخدمات الجديدة، وتحفيز الأفراد على تغيير أنماط استخدامهم للتكنولوجيا والإنترنت، وتوجيهها لقنوات تخدم أهداف الدولة فى العديد من الملفات المهمة التى يتصدرها التحول الرقمى، والشمول المالى، ومحاربة القطاع غير الرسمى.
قبل 25 يناير 2011 كان هناك 16 مليون مصرى فقط يستطيعون استخدام الإنترنت ويمثلون 22% من السكان فى هذا التوقيت، ومع انطلاق الأحداث، وبروز منصة «الفيس بوك» كمحرك رئيسى للشارع، توافد المصريون على استخدام الإنترنت وارتفعت نسبتهم إلى 50% حالياً، كما ارتفع عدد مستخدمى مواقع التواصل الاجتماعى من 17% فى 2010 إلى 40% حالياً.
نسب الاستخدام تضاعفت، ولم يكن ذلك بسبب الثورة وحدها، وإنما لعبت عناصر أخرى دوراً فى تحقيق ذلك، من بينها انتشار الهواتف الذكية، وانخفاض أسعار خدمات الإنترنت، والزيادة السكانية المستمرة، ولكن استمرت طريقة الاستخدام الخاطئة.
الوقت الذى يقضيه المصريون على مواقع الإنترنت المختلفة بنحو 7.5 ساعة يومياً وهم مستيقظون كان قادراً على بناء الاقتصاد من جديد، لو استغل المصريون نصف هذا الوقت فى العمل والإنتاج، والربع الثالث فى المعرفة البناءة، وخصصوا لأنفسهم ساعتين يومياً للترفيه على شبكات الإنترنت والتواصل الاجتماعى.
الدولة مطالبة بحملة شاملة لتغيير ثقافة استخدام الإنترنت فى مصر، لا تقل أهمية عن الحملة التى طالبت بها فى مقالى السابق لمحو أمية 25 مليون مصرى لا يستطيعون القراءة والكتابة.
هذه الحملة ستدعم بشكل كبير أهداف الشمول المالى التى تستمر نسبته عند مستويات منخفضة لا تتخطى 17% فى مصر، بالرغم من التقدم الملحوظ فى الخدمات المالية البنكية وغير البنكية وتقديمها بأساليب مبتكرة تضاهى المستويات العالمية.
وستدعم أيضاً التحول الرقمى الذى ما زال الجميع يطالب به كمكون رئيسى من مكونات التنمية فى القرن الـ21.
نحن جميعاً بحاجة للقيام بهذه الحملة، حتى نحافظ على مكتسباتنا الاقتصادية التى تحصلنا عليها عن الفترة الماضية، فما زال أمامنا الكثير لنفعله من أجل تحقيق الحلم المصرى فى التقدم والبناء.
ممارسة الأفراد لمفاهيم التحول الرقمى والدفع الإلكترونى خرجت عن نطاق الاختيار والرفاهية حالياً، فالدولة ستنقل مقارها الإدارية الرئيسية إلى العاصمة الإدارية فى 2020، ولن يكون التواصل المباشر بين الجماهير والموظفين فى أداء الخدمات مثل ذى قبل، الجميع مطالب باختصار الوقت والجهد وتطوير أساليب الحصول على الخدمات، ليستغل هذا الوقت فى العمل والإنتاج أو حتى فى الترفيه والرياضة.
تلك هى الدولة الحديثة التى نسعى لبنائها، وسنبنيها معاً، رغم أنف كل حاقد، متآمر، أو خائن.. إن شاء الله.