خبراء: الشائعات وسيلة للحرب دون قتال
هاشم بحري
أكد عدد من خبراء علم النفس والاجتماع أن الشائعات تستخدم منذ مئات السنين فى المعارك بديلاً للقتال، وذلك بإطلاق أخبار غير صحيحة أو إضافة معلومات مغلوطة لأخرى صحيحة بهدف تحطيم الطرف الآخر دون محاربته، وشددوا على ضرورة مواجهة الشائعات بالمعلومة، فضلاً عن تطوير التعليم حتى يتم إعمال العقل فى كل ما يتلقاه المواطن من معلومات فى مختلف وسائل الإعلام، خاصة مواقع التواصل، التى حذروا من خطورة ما يبث عبرها، التى جعلت المواطن الذى يقيم فى حارة أو قرية يتابع كل التطورات فى مختلف بلدان العالم، ويرون تأثير الشائعات أنها قد تترجم إلى إحساس بالتراجع والغضب من النظام القائم ما لم يتم دحضها والرد عليها بمعلومات حقيقية.
وقالت الدكتورة هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع السياسى وعضو المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، إن الشائعات حرب قديمة من أيام التتار، حيث كانوا يقولون إن الشائعة لها تأثير أكبر من القوة العسكرية فكانوا يقتلون عدداً قليلاً أمام أعداد كبيرة تقوم بدورها بالحديث عن القوة الغاشمة للتتار، فيحتلون البلدان دون حرب واستمروا فى ذلك حتى وصلوا مصر وهى البلد الوحيد الذى هزمهم ولم يقتنع بشائعاتهم، وتابعت: «الشائعات تطورت من أيام التتار من كيف تلقى الرعب فى قلب عدوك إلى كيف تحول عقل عدوك إلى تابع، فيقال إن أفضل ممارسات القوة هى التى لا تستدعى عنفاً فيتم الإقناع بفكرة يتم تنفيذها عبر آخرين، وهى ما يسمى بالتبعية الاقتصادية السياسية الفكرية، ويعتمدون فى ذلك على التسرب إلى المؤسسات صانعة الفكر من أول المدرسة عبر المناهج حتى الإعلام والدراما، ثم أضيفت السوشيال ميديا، والتى تندرج تحت فرع من فروع الاجتماع الحديثة يسمى علم الاجتماع الآنى، حيث يكون الفرد فى العالم الافتراضى».
"زكريا": التتار احتلوا بلاداً بسبب الشائعات ومصر تصدت لهم
وأكدت أن الشائعات، خاصة الصادرة عن وسائل التواصل الاجتماعى، عملية تدور يومياً ومستمرة ولا يمكن البت فيما إذا كان يمكن النجاح فى مواجهتها من عدمه، وقالت: «لا توجد إجابة مباشرة بنعم أم لا، فمواقع التواصل لن تكف عن إطلاق الشائعات، فضلاً عن أنها عملية معقدة، فأصل الضربة تأتى من معلومة خطأ أو رغبة شريرة أو عادات الناس فى نقل الشائعات»، وتابعت: «هناك مثل شعبى يقول سنطة وسنيطة وشجرة ومخيطة، بمعنى أنه لو قال أحد خبراً فى أول القرية بأن فلاناً مريض هيروح واحد ينقل الخبر لمراته ومراته تقول لجارتها فلان بيموت وبالتالى تنتشر ككرة التلج، لأن الناس على المستوى النفسى تحب أن تبدع فى نقل الخبر وهو ما يحدث فى الصحافة أيضاً».
وطالبت «زكريا» باتباع أساليب مواجهة قوية للشائعات وقالت إنه يجب على من يحارب الشائعات أن يتسلح بعلوم النفس والاجتماع المتخصصة لأن المسألة شديدة التعقيد والدهاء، واختتمت: «أغضب من كثير من إعلاميينا لأنهم لا يتقنون فن الرد على الشائعة بمعنى أن المعالجة يجب أن تحوى معلومة بصياغة منضبطة».
"مغيث": تشيع إحساساً بالتراجع والغضب
من جانبها، قالت الدكتورة فادية مغيث، أستاذ علم الاجتماع، إن النظام السياسى فى مصر فى حقبة التسعينات كان يقول إن الديمقراطية حققت منجزاً حضارياً فى الغرب لكن نحن لدينا خصوصية، «لكن المتأمل فى تلك الخصوصية يجد أنها محصورة فى القمع والاستبداد وكل آفاق التعبير وحرية الكلمة المكتوبة وكل وسائل التعبير»، حسب قولها، وتابعت: «لا أحد ينكر أبداً أهمية وسائل التواصل الاجتماعى والميديا بشكل عام، يكفى أن أى إنسان فى أى مكان يتابع أخبار مختلف الدول، ولا بد للسلطات عندنا أن تنتبه لهذا، وما يحدث اليوم به كثير من الإسفاف أكثر مما به من معلومات غائبة عن الناس».
وأشارت إلى أن الشائعات تخلق إحساساً بالتراجع والغضب وأعربت عن خوفها على البلد: «لأن البسطاء أصبحوا كثراً والجهلة أصبحوا أكثر بسبب تخلف التعليم منذ السبعينات، وبالتالى فبناء الوطن هو بناء الشعب تعليمياً من الأول، خاصة أن الميديا جعلت الشعوب فى قلب الموقف ولن يستطيع أحد أن ينكر ذلك»، وأكدت أن مواجهة الشائعات على السوشيال ميديا تكون بالحقائق وتحسين القاعدة الشعبية وأدائها وطريقتها فى الحوار وأحلامها فى التغيير وصياغة العلاقة والثقة مع السلطة القائمة.
وقال هاشم بحرى، أستاذ علم النفس، إن الشائعات سلاح استخدم فى الحرب العالمية الثانية، اخترعها جوبلز، وزير الإعلام الألمانى، وبعدها أصبحت فكرتها تدرس وتعتمد على خبر حقيقى ثم تضيف عليه معلومات مغلوطة تمس الحاجات اليومية، وتابع: «يعنى مثلاً عايزين يعملوا عدادات مياه، يضاف إلى هذا الخبر إنهم عايزين يحطوا كارت وتسعيرة زى الكهرباء، أو هيبيعوا مية النيل للفلاح الذى يروى أرضه، فمن يعمل الشائعة يريد أن يكسب مكسباً ليس من حقه بهدف تحطيم مَن أمامه، تحقيقاً للمثل القائل بين الأقزام عملاق، فبدلاً من تكبير قيمته يهد من أمامه ويكسب المعركة دون حرب».