"القاعدة".. محاولات للعودة على أنقاض "داعش"
تنظيم القاعدة
تعيش التنظيمات الإرهابية فى مختلف مناطق نفوذها حول العالم، خلال الفترة الأخيرة، على أجهزة التنفس الصناعى.
وباتت تتنفس من ثقب إبرة، وتبحث عن قبلة الحياة للعودة إلى الساحة من جديد، بعد أن تعرضت لعدة هزات عنيفة، أبرزها مقتل أسامة بن لادن، الأب الروحى ومؤسس التنظيم القاعدة الذى خرجت منه معظم التنظيمات الإرهابية حول العالم، بالإضافة إلى جفاف منابع التمويل، وهو الأمر الذى خنق هذه التنظيمات، وجعلها عاجزة عن تنفيذ عمليات إرهابية كبيرة كما كانت فى عهدها السابق.
محاولات لإحياء التنظيم الإرهابى.. ومحللون: الوضع العالمى ليس سهلاً
وعلى مدار 18 عاماً، شنّت الولايات المتحدة، بدعم من الحلفاء الأوروبيين والشرق أوسطيين، حرباً ضروساً ضد ما سمته «الإرهاب الجهادى» تحت عنوان «الحرب على الإرهاب». وشهد العالم تقلبات وتحولات لم يسبق لها مثيل، دفعت إلى حالة من عدم الاستقرار فى الشرق الأوسط أكثر من غيره، ما تسبب فى أزمات وحروب بدأت بالحرب على أفغانستان، ثم العراق، ثم اضطرابات «الربيع العربى» وما نتج عنها من أزمات عصفت بمئات الآلاف من الضحايا والمصابين وملايين النازحين.
وفى خضم كل هذه الفوضى، ظهر تنظيم «داعش» الإرهابى ليحل محل «القاعدة»، باعتباره التنظيم الإرهابى الأقوى على الإطلاق فى أنحاء العالم، إلا أن هزيمته فى الأشهر القليلة الماضية أعادت للأذهان تنظيم «القاعدة» الذى يحذر الكثيرون من أن يستغل الفراغ الذى يخلفه القضاء على «داعش» والانسحاب الأمريكى من مناطق عدة، للعودة من جديد واحتلال موقعه كأقوى تنظيم إرهابى فى العالم.. لكن الوضع، حسب خبراء ومراقبين، ليس بتلك السهولة.
دراسة أمريكية: التنظيم الإرهابى يركز على مناطق التمركز والنفوذ المحلية
منذ أعلن تحالف الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) عن هزيمة تنظيم «داعش» الإرهابى فى سوريا، مارس الماضى، عكف المحللون والمراقبون على تحليل ظاهرة تراجع تنظيم «القاعدة» الإرهابى إلى الخلف على مدار الأعوام الثمانية الماضية، خلافاً لما عهده العالم من قوة لهذا التنظيم منذ هجمات 11 سبتمبر 2001، التى أطلقت على أثرها الولايات المتحدة حربها ضد الإرهاب، التى كلفت العالم خسائر بمليارات الدولارات، وأسقطت مئات الآلاف من الضحايا. وعلى مدار تلك الأشهر، كانت أغلب التحليلات تشير إلى أن تنظيم «القاعدة» لن يعود إلى ما كان عليه قبل الحادى عشر من سبتمبر، ولا حتى إلى ما كان عليه قبل اندلاع ما يُعرف باسم «الربيع العربى».
الباحث الأمريكى دانيال بيمان، الأستاذ بكلية الشئون الخارجية بجامعة «جورج تاون»، أكد أن السنوات الثمانى عشر الماضية شهدت نجاحات مثيرة للإعجاب ضد تنظيمَى «القاعدة» و«داعش»، وغيرهما من الجماعات الإرهابية، إلا أن الحرب على الإرهاب، التى أطلقتها الولايات المتحدة بمساعدة حلفائها، كان لها جوانب أخرى سلبية، لعل أبرزها تركيز تنظيم «القاعدة» على السيطرة المحلية وتغيير استراتيجيته من الجهاد العالمى إلى الجهاد المحلى، وهو ما يتضح بقوة من خلال تركيز «القاعدة» على السيطرة على مواقع نفوذها فى غرب أفريقيا وتدعيم موقفها، بدلاً من شن هجمات إرهابية كبرى على الدول الغربية والولايات المتحدة، على غرار ما كان يحدث فى السابق، أو على غرار ما يفعله تنظيم «داعش» حالياً من هجمات مستوحاة من أيديولوجيته، على أيدى ما يُسمى بـ«الذئاب المنفردة».
تقارير: صدور أوامر لفرع سوريا بالتزام الداخل وعدم شن عمليات خارجية
وقال «بيمان»، فى دراسة نشرها «معهد مكافحة الإرهاب» الأمريكى، إنه على الرغم من النجاح الكبير فى مجال مكافحة الإرهاب، فإن تأثير القضية الجهادية لا يزال كبيراً محلياً وإقليمياً، بل وأكثر بكثير مما كان عليه الحال فى السنوات التى سبقت 11 سبتمبر، حيث أصبحت تلك القضية أفضل قدرة على إلهام الأفراد فى الغرب للعمل نيابة عنها، كما أثبتت المجموعات الإرهابية مرونتها على الرغم من الهجوم العنيف، الذى تقوده الولايات المتحدة ضدها.
وأضاف أنه من المحتمل أن تستمر الحركة الإرهابية الجهادية ككل، لكن أقوى المجموعات ستكون محدودة من الناحية التشغيلية بسبب جهود الولايات المتحدة والحلفاء فى مجال مكافحة الإرهاب، وربما ستتم مواجهتها بالمتطلبات الملحة للحروب الأهلية فى بلدانها ومناطقها.
وكذلك، ستواجه الولايات المتحدة وأوروبا وغيرها من المناطق المستقرة هجمات متواصلة، لكنها منخفضة المستوى، من الجهاديين الملهمين، أو أولئك الذين لديهم بعض التنسيق من الخارج، لكن أعظم الأخطار والتأثيرات ستشعر بها الولايات المتحدة هى التى ستستهدف مصالحها فى العالم الإسلامى.
أفكاره أصبحت أكثر انتشاراً.. والتركيز على السيطرة فى غرب أفريقيا والجزيرة العربية
«بيمان» يرى أن الحكم على مدى التهديد الذى يمثله الإرهاب فى الفترة الحالية ومستقبلاً، يجب أن يرتكز أولاً على عدة اعتبارات لا بد من الانتباه إليها، وعلى رأسها أن «الحرب على الإرهاب» التى استمرت على مدار ما يقرب من عقدين، لم تقضِ بشكل نهائى على التنظيمات الإرهابية، بل إن تلك التنظيمات باتت أكثر قدرة على جذب واستقطاب الكثير من المواطنين الأجانب، سواء لتنفيذ هجمات إرهابية داخل بلادهم، أو للسفر والانضمام إلى صفوف الجماعات المقاتلة فى المناطق المشتعلة والمسارح النائية مثل الصومال أو غرب أفريقيا.
وفى سبيل تأكيد هزيمة التنظيمات الإرهابية، ينصح «بيمان» الولايات المتحدة بزيادة دعم حلفائها والتعاون معهم وتجميع قواعد بيانات المشتبه بهم، وتشديد الأمن على الحدود، إضافة إلى تشديد الرقابة على مواقع التواصل الاجتماعى، التى تستخدمها التنظيمات الإرهابية. وقال إنه عند الحكم على التهديد الإرهابى بشكل عام، هناك الكثير من العوامل، التى يجب أن يتم أخذها فى الاعتبار، ربما يكون الحد الأكثر وضوحاً هو أن الجماعات الجهادية تظل نشطة على الرغم من الاشتباكات المباشرة، التى دامت 18 عاماً مع الولايات المتحدة، وأنها نشرت نفوذها فى جميع أنحاء العالم الإسلامى.
وتضم قائمة بلدان الشرق الأوسط، التى تشهد حروباً أهلية تضم مجموعات جهادية الآن، الجزائر والعراق وليبيا وسوريا واليمن. وقد نشأت معظم تلك الحروب نتيجة لـ«الربيع العربى» عام 2011، وردود فعل الأنظمة عليها، وهناك الكثير من الأسباب المعقدة لاندلاعها واستمرارها لا علاقة لها بالجهادية. ومع ذلك، استغلت الجماعات الجهادية هذه الفوضى، ما زاد من نفوذها وحجم عملياتها.
وبحسب «بيمان»، فإن «محاولة أن نتخيل كيف سيبدو العالم إذا ما نظرنا إليه من خلال أعين أيمن الظواهرى أو أبوبكر البغدادى تلقى مزيداً من الضوء على ما يجرى بشكل جيد وما يجرى بشكل سيئ فى مكافحة الإرهاب فى الولايات المتحدة، وحينها سنرى انتشار أفكار الإرهابيين وحركاتهم فى جميع أنحاء العالم الإسلامى، إضافة إلى افتقار العديد من أعدائهم المحليين إلى الشرعية، والإعياء المتزايد لجمهور الولايات المتحدة والقادة الذين يرفضون الاستمرار فى خوض الحروب إلى الأبد»، فبعد أن بدأ الربيع العربى فى عام 2011، أدرك «الظواهرى» أن سقوط الأعداء التقليديين مثل نظام «صالح» فى اليمن أو نظام «القذافى» فى ليبيا، أتاح فرصاً لجماعته، وهو ما جعل الإرهابيين ينشرون فكرهم بشكل أكبر من أى وقت مضى، متابعاً: «بعد حادث الحادى عشر من سبتمبر، لم تشارك سوى أقلية من الجهاديين، فكرة التركيز على (العدو البعيد) وهو الولايات المتحدة، حيث ركز معظمهم على نظامهم المحلى. لكن بحلول عام 2017، تشير استطلاعات الرأى إلى أن الأقليات المهمة فى نيجيريا وتركيا ودول أخرى لديها نظرة إيجابية لجماعات مثل داعش. وقبل 11 سبتمبر، تبنت بعض التنظيمات فكرة (عهد الأمن) لأوروبا، لأن الدول الأوروبية فتحت أبوابها وحمايتها لهم من الاضطهاد فى العالم الإسلامى».
وأضاف: «فى الوقت نفسه، تعكس عقيدة العمليات الإرهابية التأثير العالمى لأيديولوجيا الإرهاب وضعف قيادات المجموعات المختلفة، حيث تتحرك أكثر نحو ما يسمى بـ(الذئاب المنفردة) أو على الأقل الهجمات التى تتطلب أقل قدر من التنسيق المباشر. وفى الواقع، يمكن اعتبار التحول إلى التأكيد على الهجمات الفردية لأفراد غير مدربين علامة على الضعف». وتابع: «ما يدل على أن تنظيم القاعدة ينتهج السبيل المحلى، هو أنه لم ينفذ هجوماً كبيراً على الغرب منذ أكثر من عقد، وفى عام 2015، ورد أنه أمر فرعه السورى بالتركيز على سوريا وليس الإرهاب الدولى. كذلك، فإن الجزء الأكبر من الإسلاميين الأساسيين يركز على إحياء قوته فى العراق وسوريا. أما المجموعات الأخرى الأكثر نشاطاً مثل القاعدة فى جزيرة العرب و(بوكو حرام) وحركة الشباب وطالبان، وغيرها، فكلها تركز، أولاً وقبل كل شىء، على الحروب الأهلية فى بلادهم ومنطقتهم».
أقرا إيضا
أفريقيا.. ساحة نفوذ واسعة تمهيدا لاستعادة القوة.. و"بوكو حرام" أخطر الأذرع
مدير "الأوروبى لدراسات الإرهاب": "تنظيم بن لادن" لن يعود إلى سابق قوته