"جمالات".. ربّت 10 أبناء و15 حفيدا من "نصبة شاي": التعب ورانا ورانا
«نصبة الشاى» مصدر رزق «جمالات»
دخلت جمالات توفيق المنزل بعد يوم طويل من العمل فى الشارع على نصبة شاى تملكها فى منطقة وسط البلد، كل ما تأمله نيل قسط من الراحة يعوض التعب والإرهاق اللذين تشعر بهما، خصوصاً أنها تعانى من كسر فى إحدى قدميها، وتسير بمساعدة عكاز. تبددت أحلام «جمالات» تماماً، عندما التف حولها أحفادها وطالبوها بصنع طبق «مكرونة بالكبدة»، فلا سبيل للراحة وعليها أن تغير ملابسها وتواصل العمل داخل منزلها الكائن بمنطقة العمرانية. عمرها 63 عاماً، وفقاً لتاريخ ميلادها، لكن فعلياً تبدو أكبر من عمرها بكثير، وهو ما يظهر فى نبرة صوتها المنهكة طوال الوقت، وكلماتها التى تنطقها ببطء وخبرتها التى تبدو واضحة فى كل تصرف تحكى عنه.
تحكى «جمالات» أنها تحملت مسئولية تربية 10 أبناء وأكثر من 15 حفيداً، بعد وفاة زوجها من 30 عاماً: «كله ماشى بستر الله، بدعى ربنا دايماً أنه يقف معايا فى كل خطوة بعملها، كنت شغالة فى البوفيه فى وزارة الزراعة، كنت باخد مرتب 260 جنيه، مكنش بيكفى حاجة، 10 عيال فاتحين بقهم، وعايزين ياكلوا ويشربوا ويلبسوا ويتعلموا، فقررت إنى أسيب الشغل وأبدأ أشتغل فى نصبة الشاى».
كانت تتمنى الاستمرار فى العمل الحكومى عملاً بمبدأ «إن فاتك الميرى اتمرغ فى ترابه»، وحتى يساعدها المعاش فى الحياة. العمل على «نصبة» الشاى، فتح لها باب رزق لم تكن تتوقعه «جمالات»، وهو العمل فى الطبخ والتنظيف لإحدى الأسر الكويتية التى تعيش فى مصر، لفترة من الوقت، وهو ما ساعدها فى تربية أبنائها حتى استطاع كل منهم إيجاد عمل، وفتح بيت. ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، فبعد أن زوّجت «جمالات» بناتها الخمس، وثلاثة من أبنائها الرجال، واستطاعت توفير المال لمساعدتهم فى تجهيز «شققهم»، واستعدت لمرحلة الراحة من العمل، فوجئت بالأزمات التى وقع فيها أبناؤها وجعلتها تعود للعمل بكامل قوتها، فتبدأ العمل فى السابعة صباحاً، وتعود إلى بيتها مع غروب الشمس.
«ابنى الوسطانى أحمد كان عند توك توك وسلفه لواحد زميله علشان يشتغل عليه شوية، وكانت النتيجة أن زميله استغله فى بيع المخدرات، ولما ابنى اتخانق معاه، وعبر عن رفضه لتصرفه، وعايز ياخد التوك توك منه، حصلت خناقة كبيرة، وأصيب ابنى خلالها بطلقة فى صدره ورجله وراسه، وأخوه التانى جه يدافع عنه خد ضربة شوهت معالم وشه، ومن يومها بقيت أنا المسئولة عنهم فى الإنفاق خصوصاً إنهم متجوزين وعندهم عيال».
ترفض «جمالات» وصف ما يحدث لها بالحظ السيئ أو تعليق مشكلاتها على «شماعة» الظروف، فكل ما يحدث له سبب عند ربنا بحسب قولها - وفقط يجب أن تتماسك، حتى لا تتسبب فى انهيار أسرتها: «اللى بيساعدنى من ولادى كتير خيره، عرفت أربيه، واللى ما بيقدرش يبقى برضه كتر خيره أنه شايل نفسه، يعنى مثلاً أنا عندى ولد تالت سيد شغال عامل عملية قلب ومركب دعامة، ده مقدرش أقوله ساعدنى بالعكس أنا اللى بشوف ولاده عايزين إيه، وبوفرها ليهم، عن طيب خاطر، علشان ميحسوش إنهم ناقصهم حاجة». تبتسم «جمالات» عندما تستمع إلى أصوات أحفادها الصغار حولها مرة أخرى التى هدأت قليلاً، بعد تناول الوجبة التى صنعتها، وتدرك أن مجهودها لا يذهب هباء: «علشان الصغيرين الحلوين اللى حواليا دول، أفضل أشتغل وأعافر لغاية لما أطمن عليهم، حتى لو عديت 100 سنة، مفيش حاجة اسمها مسن ولا كبير فى السن، إحنا دورنا عمره ما بينتهى».