التعليم الخاص.. ادفع ولا تتظلم
مصاريف «الباصات» تزيد أعباء أولياء الأمور
هرباً من جحيم المدارس الحكومية، كما يصفه بعض الأهالى، وسعياً وراء مستقبل أفضل لأبنائهم كما يعتقدون، كانت المدارس الخاصة هى الاختيار الآمن لأولياء الأمور، لكن لا شىء يظل على حاله، فقد ظهر عديد من الأزمات، بعضها استطاع أولياء الأمور التعامل معها، والبعض الآخر وقفوا أمامه حائرين، فظهور بيزنس المدارس الخاصة أدى إلى زيادة المصروفات دون سند قانونى أو رسمى وبدون حد أقصى للزيادة، إضافة إلى إلزام الطلاب بشراء الكتب والكشاكيل التى تباع داخل أسوار المدرسة.
أولياء الأمور يشكون استنزافهم بمصاريف "خارج القانون"
حدة المشكلة تتفاقم مع عدم وجود عائد لهذه المبالغ الباهظة التى يتكبدها الأهالى فى تطوير المدرسة أو تحسين جودة العملية التعليمية، خاصة فيما يتعلق بالتبرعات التى تفرضها بعض المدارس كشرط أساسى للالتحاق بالمدرسة دون حصول أولياء الأمور على إيصالات بقيمتها. «الوطن» استمعت إلى شكاوى أولياء أمور الطلاب، إضافة إلى آراء خبراء تعليم معنيين بالملف.
أمهات تلاميذ الابتدائى: التبرعات والكتب إجبارية.. وأصحاب المدارس "جشعين"
«المدارس الخاصة سفاحين فلوس من غير أى فايدة أو مقابل للمبالغ الكبيرة اللى بندفعها»، بهذه الكلمات بدأت مى القاضى، إحدى أولياء الأمور، حديثها بشأن مدارس أبنائها التى يدرسون بها بمرحلة «كى جى وان» والصف الثانى الابتدائى بإحدى مدارس اللغات الخاصة بمنطقة الشيخ زايد التابعة لمحافظة الجيزة، التى تقول عنها «مى» إنها لا توفر أياً من القواعد الأساسية لأى معلم، حيث لا بد أن تتوافر فيه الخبرة فى مجال التعليم والشرح للطلاب بالإضافة إلى الجوانب التربوية المهمة للغاية، وتابعت السيدة ذات الـ30 عاماً أنها تحاول جاهدة منذ شهرين تقريباً إلحاق نجليها بمدرسة أخرى بسبب المستوى التعليمى المتدنى للمدرسة، حيث تقول: «لما دخلت ابنى الأولانى المدرسة فى كى جى وان كانت كويسة جداً وأنا أصلاً روحتها على أساس السمعة الكويسة، لكن لما دخل أولى ابتدائى كل حاجة اتغيرت»، وتشير «مى» إلى أنه لا توجد رقابة على المدارس الخاصة، حيث كان من المفترض أن تطبق المدرسة خطة التطوير الجديدة للتعليم، مضيفة: «الإدارة أخدت مننا فلوس أكتر من السنين اللى فاتت عشان هتطبق التطوير بالنسبة لابتدائى اللى هو هيدرسوهم منهج كونكت بلس، بس اللى اكتشفناه إن الولاد مستلموش الكتب ودرسوهم منهج كى جى تو تانى».
"سوسن": ابنى فى "كى جى" وكنت بادفع له 8000 جنيه والسنة اللى بعدها لقيت المصاريف 17 ألف
تقول «مى» إن المدرسين غير مؤهلين تعليمياً ولا تربوياً، وتضيف: «صاحب المدرسة لما بيعمل إنترفيو للمدرسين مبيشوفش همّا كويسين فى الشرح والأسلوب فى التعامل مع الطلاب، بالعكس كل اللى بيهتم بيه المدرس هياخد كام وعلى أساسه بيعينه»، وتتابع أنه لذلك السبب فإن نجلتها انتقلت للصف الأول الابتدائى دون أن تجيد القراءة، إضافة إلى المعلومات الخاطئة التى لا يهتم المدرسون بتصحيحها للطلاب، وتقول «مى» إنه عندما تقدم عدد من أولياء الأمور بشكاوى بهذا الشأن كان رد المدرسين «بنشتغل على قد الفلوس اللى بناخدها»، وبحلول نهاية العام وبناء على ذلك قررت «مى» نقل أبنائها من المدرسة إلا أنها واجهت مشكلة لابنتها الكبرى عند تقديم أوراقها للمدرسة الجديدة، وتقول: «لما رُحت أقدم ورقها إدارة المدرسة عملت لها اختبار بس طبعاً عشان مستوى المدرسة القديمة كان سيئ جداً وكانوا مهملين فى الطلاب فبنتى متقبلتش والمديرة ادتنى مهلة شهر ونص وأرجع أعيد الاختبار تانى، وخلال تلك المدة تحملت مبالغ مادية وتكاليف عالية للدروس الخاصة، حيث أحضرت مدرسين لبنتى فى البيت»، وتابعت: «بعد شهر ونص رُحنا عيدنا الاختبار وبنتى نجحت وقدرت تعدى الاختبار فى وقت قليل، بس الإدارة مقتنعتش وإدوها امتحان تانى فى تلات مواد، كل مادة 6 صفحات، وطبعاً بنتى اتوترت جداً واتلخبطت فاتلككوا وقالوا لنا لأ مش هينفع، عشان بنتك محلتش كويس وهترهق المدرسين فى الشرح واحنا مستغنيين عن ده»، وتشير «مى» إلى أن ابنتها دخلت فى حالة نفسية سيئة بسبب تعامل المدرسين غير التربوى، موضحة: «يعنى بيقعدوا ينتقدوها قدامها ويقولوا إنها مبتعرفش تقرأ وكلامهم بيبقى جارح جداً، وكل ده قدام البنت الصغيرة اللى خلاص مبقتش عايزة تروح المدرسة تانى وبقت معزولة عن الكل بسبب إحساسها بإنها فاشلة»، وتشير الأم إلى أنه لم يتبق وقت على بداية الدراسة إلا أنها حتى تلك اللحظة لم تجد مدرسة مناسبة لابنتها، والمدرسة الوحيدة التى استطاعت الحصول فيها على مكان بلغت تكلفة المصاريف فيها 24 ألف جنيه، إضافة إلى مصاريف الزى المدرسى الذى بلغ 3500 جنيه، وتكاليف السبلايز، التى تخطت مبلغ الـ700 جنيه، وتضيف: «مش عارفة أعمل إيه وحرام بنتى تضيع عليها السنة عشان مدارس مستهترة».
ورغم أنها مدارس دولية تحمل علامة متميزة يعرفها الجميع، إلا أن سوسن الفولى السيدة الأربعينية، التى تقطن بمنطقة مصر الجديدة التابعة لمحافظة القاهرة، تقول إنها تعرضت لأكبر خدعة من إدارة تلك المدارس، ما دفعها لتحويل ابنيها إلى مدارس راهبات، حيث يدرس أحدهما بالصف الأول الإعدادى والآخر بالصف الأول الابتدائى، بعدما اكتشفت أن مديرة المدرسة التى تقوم باختيار المدرسين حاصلة على الشهادة الإعدادية فقط، ما اعتبرته «سوسن» غير مناسب لمنصب مديرة مدرسة.
وتقول السيدة الأربعينية إنه فى البداية كانت المصروفات الدراسية مناسبة، إلا أن أولياء الأمور تفاجأوا فى العام التالى بالزيادة الكبيرة وغير المعقولة، موضحة: «عرفنا بعد كده إن المصاريف كانت قليلة عشان أولياء الأمور تجيب ولادها، يعنى بالبلدى كده بيربوا زبون ولما ضمنوا الناس رفعوا المصاريف جداً بطريقة جنونية»، حيث تقول إنه فى البداية كانت المصروفات لـ«كى جى وان» 8000 جنيه، وفى العام التالى ارتفعت لتصل إلى 17 ألف جنيه، ما أثار غضب العديد من أولياء الأمور وقرروا نقل أبنائهم، خاصة بعد علمهم بأن الشهادة التى تمنحها تلك المدارس غير معتمدة.
"الراهبات" تحصّل 25 ألفاً تبرعات من غير إيصال
وتقول «سوسن» إن استغلال المدارس لم يقف عند ذلك الحد، ولكن فى تجربتها الثانية أيضاً فى مدارس الراهبات لم يكن الوضع أفضل حالاً، حيث اضطرت إلى دفع مبلغ 25 ألف جنيه كتبرعات لإحدى مدارس الراهبات بمنطقة مصر الجديدة ليتم قيد ابنيها وإلا فليس هناك مكان لهما داخل المدرسة، وتضيف: «التبرعات دى طبعاً مبناخدش بيها إيصال، لأنها حاجة غير قانونية ومنعرفش الفلوس دى بتروح فين، وأنا مش أول واحدة تدفع تبرع وبقالنا سنة ومفيش أى تغيير، لا على مستوى التطوير فى المدرسة ولا على مستوى المدرسين ولا الشرح ولا أى حاجة»، وتشير «سوسن» إلى أن الأعداد داخل فصول البنات فى مدرسة ابنتها تعدت الـ40 طالبة، وهو ما يجعل عملية الشرح والفهم والاستيعاب غير مجدية بالنسبة للطالبات، مضيفة أن مديرة المدرسة لا تمانع فى أن يقوم المدرس بإعطاء الطلاب دروساً خصوصية داخل فصول المدرسة بعد انتهاء اليوم الدراسى، وأما بالنسبة لمدرسة نجلها فتقول «سوسن» إنه يتم إجبار الطلاب على شراء كتب المدرسة بـ1200 جنيه، بالإضافة إلى الكشاكيل التى طبع عليها شعار المدرسة، ولا يتم الاعتراف بأى كشكول سواها وتضيف: «سعر الكشاكيل طبعاً بيكون أغلى كتير من بره والمديرة مدية تعليمات لكل المدرسين محدش يبص ولا يصحح أى كشكول مش عليه شعار المدرسة، وبالتالى مفيش أعمال سنة ولا درجات ولا تكريم للطالب حتى لو كان شاطر ومتفوق».
"هدى": "دفعت أكتر من الطلاب اللى مع ابنى فى نفس الفصل.. والمصروفات زادت الضعف"
عملية نصب أخرى تعرض لها عدد من أولياء أمور إحدى مدارس اللغات الخاصة بمنطقة المقطم، حيث تقول هدى أمين، ولية أمر لطالبين بتلك المدرسة، إنها علمت بالمدرسة عن طريق أحد أصدقاء زوجها الذى استفاض فى مدحها وأن مصروفاتها مناسبة جداً، الأمر الذى دفع «هدى» إلى إلحاق أبنائها بها فوراً: «رحت دفعت المصاريف وكانت هنا الصدمة لما لقيت أولياء أمور بيدفعوا معايا وأولادهم مع ابنى فى نفس السنة بس مصاريفهم أقل، ولما سألت السكرتيرة اللى بتاخد منى الفلوس ليه أنا بتحاسب غيرهم، قالت لى عشان انتى جديدة والنظام هنا كده»، جملة لم تجد لها «هدى» مبرراً إلا أنه لم يكن أمامها سوى قيد أبنائها فى المدرسة حتى لا تفوتهم السنة الدراسية، خاصة أن جميع المدارس الخاصة تغلق أبوابها وتكتفى بالأعداد قبل وقت طويل من بداية الدراسة.
وتتابع «هدى» أنها عندما طلبت من السكرتيرة دفع المصروفات فى البنك رفضت بشكل قاطع، بحجة أنها لا تعرف ذلك النظام، وأن على الجميع الدفع نقداً داخل المدرسة، وعلى الرغم من مخالفة ذلك الفعل للائحة التى تتبعها المدرسة، حيث تنص على ضرورة الدفع فى أحد البنوك التى لديها تعاملات معها، إلا أن المدرسة لا تعطى أولياء الأمور إيصالاً بالدفع، كما تلزم الأهالى بشراء الكتب، التى بلغت تكلفتها العام الماضى 1500 جنيه، ومن يمتنع عن شرائها يتم إعطاؤه أوراق قيده وعليه الانتقال لمدرسة أخرى.
وتقول «هدى» إن إدارة المدرسة قررت فى يوليو الماضى، زيادة المصروفات إلى الضعف بينما الزيادة القانونية يجب ألا تتعدى الـ7%، مضيفة: «يعنى كنت بدفع لابنى اللى فى 3 ابتدائى 7500 جنيه السنة اللى فاتت، واتفاجئت السنة دى إنى هدفع 14 ألف و200 جنيه، ده غير الكتب اللى بقت بـ2500 جنيه من غير أى سبب»، وعندما اجتمع عدد من أولياء الأمور وطالبوا سكرتيرة الإدارة برغبتهم فى مقابلة مديرة المدرسة، تحججت بأعذار كثيرة، وأن المديرة لن تتمكن من الحضور لأسباب شخصية، وأى شكوى عليهم إخبارها بها وهى تقوم بدورها بإيصالها إلى المديرة، ليكتشف أولياء الأمور بعد ذلك أن هناك خلافات بين الورثة على إدارة المدرسة، وهو ما جعل الأمور والمصروفات غير واضحة، وتتابع «هدى»: «المدرسة مش بتطبق أى حاجة من اللايحة التعليمية، وكل حاجة بمزاجهم، والمديرة مرفوع عليها قضية اختلاس مالى وممنوعة من دخول المدرسة وبتمشى أمورها وهى بره عن طريق المدرسين تبعها اللى جوه».
"إسراء": "اشتكيت فى الإدارة فقالوا لى لو مش عاجبك انقلى ولادك"
الشكوى ذاتها تقدمت بها إسراء سليمان، ولية أمر لطالبين فى المدرسة، حيث ذهبت «إسراء» إلى الإدارة التعليمية للمقطم والخليفة بمنطقة السيدة عائشة، وتحديداً فى مكتب التعليم الخاص، وهناك لم تجد حلاً لمشكلتها، وتقول إسراء: «الموظفات فى الإدارة قالولى لو مش عاجبك انقلى ولادك»، وتتابع أنها ليس بوسعها دفع تكاليف المصروفات الجديدة لنجليها، كما أنه من المستحيل أن يتوقف أبناؤها عن الدراسة هذا العام لعدم توافر أماكن فى مدارس أخرى، «مفيش فى إيدينا حل نعمله غير إننا ندفع واحنا ساكتين يا إما نضيع على ولادنا السنة»، مشيرة إلى أن زيادة المصروفات ليست للكتب والزى فقط ولكن بلغت تكلفة الباص لابنيها 12 ألف جنيه، موضحة أنها كانت تقوم بدفع مبلغ 6000 جنيه فقط العام الماضى.