"بي بي سي" أداة بريطانيا وأمريكا لتسهيل الانقلابات والحروب
محمد مصدق رئيس وزراء إيران الأسبق الذى شوهت صورته الـ"بى بى سى" وشيطنته
تدعى «بى بى سى» الموضوعية، وتبث أحياناً موضوعات تتناول محاربة أساليب التضليل والأخبار الكاذبة، وتصفها بأنها مشكلة عالمية، لكن عند البحث عن الأخبار الكاذبة، تكون «بى بى سى» مسئولة عن أخبار كاذبة تسببت فى عواقب خطيرة على دول وليس فقط على أفراد، فقد كان للجهد الدعائى الضخم لـ«بى بى سى» الدور الأكبر فى دعم بريطانيا فى جميع أنحاء العالم كقوة استعمارية، وكذلك فى تمكين وتسهيل انقلابات قامت بها المخابرات البريطانية والمخابرات الأمريكية من خلال نشر الأخبار الكاذبة والدعاية المزيفة.
وثبت تاريخياً أن «الشبكة» لعبت دوراً فى الإطاحة برئيس وزراء إيران محمد مصدق، وكانت بمثابة أداة للاستخبارات البريطانية فى إيران ضد «مصدق»، حيث كان دورها متناسقاً تماماً مع آليات الدعاية الأوسع فى زمن الحرب وما بعد الحرب.
وهنا برز دور «بى بى سى» فى تشويه صورة «مصدق» وشيطنته، وقد لعب بث «بى بى سى» باللغة الفارسية دوراً أكثر مباشرة، حيث ذكر الكاتب ديفيد بويل فى صحيفة «جارديان» البريطانية، ما سماه «قصة المحرمات لمعركة الدعاية التى تشنها (بى بى سى) فى زمن الحرب».
وكتب «بويل» عن شخصيات مثل «ويل فرنسيس نيوسم»، الذى قاد إدارة البث الأوروبى فى أكبر عملية إذاعية يتم تنفيذها على الإطلاق، بـ25 لغة مختلفة على مدار اليوم. وبحسب «بويل»، فإن مثل تلك الحقائق تعد مصدر حرج للشبكة البريطانية اليوم، لأنه هو الذى وضع استراتيجية استخدام الأخبار كسلاح فى الحرب».
كاتب بريطانى: الشبكة صنعت سمعتها باستخدام الأخبار سلاحاً لتحقيق أهدافها على غرار أساليب "جوبلز" فى عهد "هتلر"
وتابع: «هنا يتبين أن (نيوسم) ونائبه دوجلاس ريتشى هما من صنعا أسطورة هيئة الإذاعة البريطانية، باستخدام الأخبار كسلاح بكل موارد الثقافة والموسيقى والكوميديا وهذا يتشابه مع أساليب «جوبلز» وزير دعاية «هتلر» الذى حذر فى عام 1944 من أن هناك طريقة واحدة قد تساعد البريطانيين فى الحرب، على الرغم من ضيق تفكيرهم السياسى، وهى أن يعرفوا أن الأخبار يمكن أن تكون سلاحاً وأن يكونوا خبراء فى استراتيجيتها.
ونشر موقع «بى بى سى» تقريراً فى نسخته العربية، نقلاً عن النسخة الإنجليزية، الشهر الماضى، وثائق تكشف عن دور اضطلعت به الشبكة نفسها فى ممارسة أنشطة سرية أثناء الحرب العالمية الثانية، والتى تضمنت بثّ رسائل مشفرة إلى مجموعات مقاومة أوروبية، حيث كان لدى إذاعة «بى بى سى» خطط لإذاعة نسخة مُسجَّلة من دقات ساعة «بيج بين» حال وقوع هجوم، وذلك بدلاً من إذاعة دقات الساعة الأصلية، لضمان إخفاء موقع وجود الطائرات فى الجو عن سلاح الجو الألمانى، كضمان ألا يعلم الألمان بأن طائراتهم تحلق فى سماء وِستمنستر، كما كان معدّو برامج «بى بى سى» يقومون بإذاعة مقطوعات موسيقية «مُتَّفق عليها» فى نهاية البرامج، للتواصل مع المقاتلين البولنديين. وفى هذا السياق، تم التأكيد على أهمية هذه الخطوة بأن الخطأ البسيط فى استبدال مقطوعة موسيقية ما بأخرى، قد ينتج عنه قصف خاطئ لأحد الجسور.
وأضاف التقرير أنه تحت الاسم الحركى «بيتر بيتركين»، أمدَّ أحد ممثلى الحكومة البولندية فريق «بى بى سى» بقطعة موسيقية خاصة، لكى تذاع عقب خدمة الأخبار البولندية، علاوة على تضمين رسائل مشفرة فى سياق برامج المحطة لإرسالها إلى المقاومة البولندية، أما الرسائل المشفرة المُرسلة إلى المقاومة الفرنسية فكانت أقل تعقيداً، حيث كانت فى الأغلب عبارة عن جمل أو عبارات معينة يتم تضمينها داخل النص المكتوب للنشرات الإخبارية، وكانت مراكز الإرسال الخاصة بالـ «بى بى سى» فى منطقة ألكساندرا بالاس الشهيرة، تُستخدم فى سياق جزء من عملية نوعية لسلاح الجو الملكى البريطانى، من أجل التشويش على نظام إرسال سلاح الجو الألمانى، وذلك بغرض التضليل.
ويرى التقرير أن الحكومة البريطانية قد سيطرت على «بى بى سى» من خلال وزارة الخارجية والمستعمرات التى لها الكلمة الفصل فى استخدام عدد اللغات التى تستخدم، بالإضافة إلى فترة الإرسال الإذاعى الموجه لكل جمهور، وكذلك وزارة المالية، من خلال معونتها لوزارة الخارجية لتمويل «بى بى سى»، وبهذا يكون هنالك نوع من السيطرة المالية والسياسية عليها، ومن ثم فإن ما تقدمه الإذاعة ليس حيادياً أبداً، والإذاعة البريطانية كانت كغيرها من الإذاعات الدولية الموجهة، جزءًا من شبكة عالمية للاتصالات تهدف إلى تعزيز النفوذ القومى ونشره، لأن دبلوماسية بريطانيا عن طريق الاتصال هى أقل نسبياً من دبلوماسية الدول الأخرى ولكنها تعزز نوعاً من الاستعمار الجديد، والدبلوماسية التى تمارسها بريطانيا عن طريق الإذاعة ليست مصممة لكى تخسر من الأساس، بل لكى تحقق أكبر أثر ممكن لخدمة المملكة المتحدة. وفى السياق ذاته، ومن حيث مصادر التمويل، اعتمد راديو «بى بى سى» فى ذلك الوقت على مصدرين للتمويل، الأول هو الحكومة البريطانية فى صورة منحة مالية سنوية، والثانى هو رسوم التراخيص الخاصة بأجهزة استقبال الراديو .
وعلى سبيل المثال، فى ظل التخبط الحادث حالياً فى مسألة الخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى «بريكست»، تريد بريطانيا أن تبث صورة تؤكد فيها على قوة الدولة البريطانية وسيطرتها على إدارة المشهد الأوروبى، ربما لا تستطيع بريطانيا أن تستند فى تصدير هذه الصورة إلى مشاهد وأحداث من الفترة الحالية، نظراً لانشغالها منذ تولى رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماى وحتى الآن فى ملف الخروج من الاتحاد الأوروبى، لذلك، استدعت هيئة الإذاعة البريطانية صوراً من الماضى لكى تعيد إلى الأذهان قوة وأمجاد الدولة البريطانية، وربما أرادت فى ذات الإطار أن تنفى عن نفسها فكرة التبعية الكاملة للسياسة الأمريكية، وأنها دولة تصنع السياسات فى المحيط الأوروبى والعالمى أيضاً، وليس مصادفة أن تختار «بى بى سى» موضوع الحرب العالمية الثانية لكى تبث من خلالها الرسائل المتعلقة بطبيعة دور الإعلام البريطانى فى ذلك الوقت، كأداة من أدوات الحكومة ونظام الاستخبارات، كما أن اختيار هذا الموضوع على وجه التحديد يتميز بأنه متعدد الأطراف، لكنه فى نفس الوقت لن يسبب ردوداً متضاربة فى المشهد، بمعنى أن نشر معلومات عن دور «حَرَكى» و«نوْعى» فى طبيعته لهيئة الإذاعة البريطانية، يتضمن دورها فى دعم حركات المقاومة الأوروبية أثناء الحرب العالمية الثانية، يؤكد من جهة على الدور الفاعل الذى استطاعت أن تقوم به المحطة خارج إطار «القوى الناعمة للدولة» لتتجاوزها إلى ما هو أبعد من ذلك.