المؤسسات الدينية تخوض معركة الوسطية في مواجهة التطرف
الرئيس عبدالفتاح السيسى أطلق مبادرة تجديد الخطاب الدينى لإصلاح الهوية الدينية المصرية
جلباب أبيض قصير، و«زبيبة صلاة» فى مقدمة وجوههم، استقروا فى الزوايا، وحشدوا داخلها الكثير من الكتب المتشددة، رفضوا الوجود فى مساجد الأوقاف والصلاة خلف أئمتها لأنهم أئمة الطاغوت، ثم أعلنوا الحرب على مؤسسات الدولة الدينية وعلى المنهج الوسطى الأزهرى، تحت دعاوى نشر العقيدة الصحيحة، واعتبروا الإسلام هو السلفية وليس له علاقة بالصوفية والأشعرية، استطاعوا حشد آلاف الشباب من طلبة العلم بملكة الحفظ للتراث، ووضعوا صكوك الغفران بين أيديهم يعطوها لمن يشاءون يكفرون واحداً ويهاجمون الآخر، ويعتبرون أهل الوسطية مبتدعين وعلى الباطل، نصبوا أنفسهم جنود الله فى أرضه وحراساً للدين.
طوال قرن من الزمان، ابتلى المصريون بتلك العقول التى دمرت الهوية الوسطية الإسلامية، وخاضوا حروباً استخدموا فيها كل الوسائل الممكنة لتحقيق غايتهم، فحرموا ما أحل الله، وجعلوا رؤيتهم الفقهية أمراً مقدساً يتحتم الانصياع له، استخدموا الفتاوى والمساجد والدروس والندوات والقنوات التليفزيونية وشرائط الكاسيت، وأنشأوا معاهدهم الخاصة لنشر فكرهم وتجريف الوعى المصرى، ثم استخدموا السوشيال ميديا كمجال أوسع للتواصل، حتى عام 2013 حينما خرج المصريون فى ثورتهم الرافضة التسلط والسيطرة باسم الدين، ورفعوا شعار الوسطية.
وفى نهاية عام 2014 أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسى مبادرة تجديد الخطاب الدينى وحملها على عاتقه كونها إحدى القضايا المهمة والعاجلة والتى تحتاج إلى إصلاح لإعادة الهوية الدينية المصرية.
بدوره، عمل الأزهر على إعادة الهوية من خلال مواجهة أفكار التشدد والتطرف، وتنقيح أمهات الكتب واعتماد الفكر الأشعرى فكراً لأهل السنة والجماعة، وأن الحوار والنقاش والأخوة والمحبة واحترام الآخر مهما اختلف معك هى أسس الإسلام الصحيحة ومقومات الوسطية وأن الاختلاف رحمة.
"الأزهر": تنقيح أمهات الكتب ومواجهة التكفير
يقول الدكتور محمود مهنى، عضو هيئة كبار العلماء، لـ«الوطن»، إن إعادة الوعى الدينى معركة مهمة فى ظل معركة مصر الكبرى ضد الإرهاب، فجماعات الظلام كان لها تأثير خلال فترات سابقة على الشباب، لكن اليوم هناك مواجهة حقيقة لأفكارهم الخاطئة وفتاواهم الشاذة وهو ما لم يكن متاحاً من قبل، فالآن الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء فى مواجهة علمية مفتوحة مع التشدد، بعدما ذاق المواطنون منه الويلات، فشددوا على الناس دينهم ودنياهم، فنحن جميعاً نعمل على تجديد الخطاب الدينى وتنقيح أمهات الكتب.
ويؤكد أن الأزهر قام بتنقية 90 كتاباً من كتب التراث خاصة كتب التفسير والفقه والتوحيد، ورفع الإسرائيليات والأكاذيب منها، ومنع كل الشبهات، وذلك من خلال لجنة علمية مشكلة بالمشيخة.
ويرى الدكتور عبدالفضيل القوصى، وزير الأوقاف الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء، أن الأزهر منذ إنشائه يعمل على الحفاظ على الهوية المصرية التى تمثل شخصية متفردة، مشيراً إلى أن الأزهر يمثل تلك الشخصية من خلال أنه عادل بين النقل والعقل، ووازن بين التراث والتجديد، وآخى بين القديم والحديث، وبمضى السنين ظل يجمع فى إطار شخصيته المتفردة جموع المسلمين فى شرق الدنيا وغربها.
ويوضح «القوصى»، فى مقالة له عبر موقع الأزهر، أن تيارات التشدد تأخذ بظاهر الفهم ويسودها الجفاف العقلى والوجدانى فى فهم النصوص دون استخدام العقل وأدواته، فيغفلون عما تتضمنه لغة القرآن الكريم والسنة المطهرة من الثراء والخصوبة والعمق ورحابة المعانى، وفى غفلة أيضاً عما يحث عليه من التعقل والتفكر والتدبر، فهذا التيار ضيق وحمل لنا مخاطر فكرى واجتماعية وعلمية، ونتج عنه العصمة، والرجعة، والإمامة فإذا بمعارك الأمس البعيد تستخرج من بطون المراجع التاريخية التى أصابها التحريف لتكون محاور شائهة لفكر ومصير الأمة، مضيفاً: «الأزهر قاطرة المواجهة والمصريون جنده وأنصاره».
وخاضت وزارة الأوقاف حرباً شرسة لجب المتشددين عن المنابر منذ ثورة 30 يوليو 2013 على مستوى الجمهورية فقد سيطر المتطرفون أثناء سطوة وحكم الإخوان على 120 ألف منبر واستطاعت الأوقاف استعادتها منهم، كذلك منعت الدروس والندوات والفعاليات الخاصة بهم ومنعتهم من الوجود فى الاعتكافات وساحات العيد، كذلك واجهت الحشود السلفية والإخوانية من الوجود بمصليات النساء، كما عملت الوزارة على غلق كتاتيب التطرف والتى تعد مفرخة الإرهاب، وقننت وضع أكثر من 2500 مكتب تحفيظ وكتاب، كذلك أنشأت 1080 مدرسة قرآنية وما يزيد 300 مدرس علمية وأكثر من 32 مركزاً للثقافة الإسلامية، وأنشأت الوزارة للمرة الأولى معهد لإعداد محفظى القرآن الكريم، بالإضافة لأكاديمية الأوقاف للتدريب والتثقيف.
وفى السياق ذاته عملت الأوقاف على زيادة الوعى الخاص بالأئمة من خلال دراسة علوم السياسة وآليات مواجهة حروب الجيلين الرابع والخامس، ومواجهة فوضى الشائعات، وتحويل أئمة المساجد لمراكز حاضنة للمواطنين اجتماعية ودينياً وثقافياً.
بدوره قال الدكتور أسامة الفخرى، عضو المكتب الفنى لوزير الأوقاف: «الهوية تعبر عن الثوابت وحقيقة الأشياء، وقد تكون الهوية ثقافة أو حضارة أو تاريخاً أو ديناً، فهى الثوابت التى تتجدد ولا تتغير، والتجديد يتم بوسائل معينة، ويعنى إزالة ما طرأ على الدين من عوامل تحجب الهوية، وهو ما تقوم به المؤسسات الدينية، حيث تعمل على إعادة بناء الشخصية المصرية من خلال أمرين، الأول معالجة وبناء لما طرأ على البعض من تشويه لهويتهم، والأمر الثانى تحصين الأجيال المقبلة وتعريفها بالهوية الحقيقية ومنع تلك الشوائب من الوصول لها ويتم ذلك عن طريق نشر الفكر الوسطى البعيد عن الغلو والتعصب والتطرف الذى يوصل لطريق الإرهاب، وصناعة الوعى والعقل أمر هام فى إطار عودة الهوية، ويجب التأكيد على ثوابت الدين والقيم والرموز الدينية الوطنية والحضارة ورعاية الشأن العام للدولة والاستقرار واللغة والثقافة والأخلاق والإخاء الإنسانى.
على صعيد الإفتاء، سعت الدار للمواجهة الفكرية على جانب السوشيال ميديا، فتشهد صفحات دار الإفتاء وجود أكثر من 12 مليون متابع ومتفاعل، كما أنشأت الدار مرصداً للتصدى لدعوات العنف والتطرف، ومرصداً لمواجهة الإسلاموفوبيا وآخر للتصدى للفتاوى الشاذة، كذلك أسست مركز تدريب المفتين عن بعد وذلك للمساهمة فى نشر الوسطية فى دول العالم.