مثقفون: "الهوية الوطنية" المعركة الأهم ونحتاج مشروعا قوميا للوصول إلى الشباب
هيثم الحاج
مسئولية ضخمة تقع على عاتق المثقفين للوصول بإبداعهم إلى الشباب، فى ظل تراجع كبير لأدوارهم وسيطرة حالة اغتراب رسخت لمفاهيم غريبة عن المجتمع وبعيدة عن هويتنا المصرية، ما خلق فجوة بين الجانبين وأصبح ضرورياً مناقشتها لعلاج أسبابها والقضاء عليها.
"الحاج": أول إصدارات سلسلة الهوية فى "المطبعة"
وقال الدكتور هيثم الحاج على، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، إن «الثقافة والفنون هى العامل الأهم فى تحديد الهوية الوطنية، ومعركة استعادة الهوية الوطنية والحفاظ عليها، هى الأهم حالياً، حتى إن البعض راهن على فشل معرض الكتاب الأخير وعزوف الشباب عنه، إلا أن الرد جاء من الشباب أنفسهم، بإقبال فاق التوقعات، فضلاً عن تطوع عشرات لخدمة زوار المعرض بلا مقابل، وكل ذلك يعطى مؤشراً على أن الشباب يقظ ومنتمٍ، وهنا يأتى دورنا لنستوعب الشباب»، وأضاف «الحاج»: «كانت لنا وقفة فى هيئة الكتاب فأصدرنا مؤخراً سلسلة (ما) التى تستهدف ترسيخ الفكر العلمى للشباب من 15 إلى 20 عاماً، وهى بداية مهمة، وهناك مشروع آخر بالتعاون مع عدة وزارات، أحد نواتجه كتب الهوية، وأول الكتب بالمطبعة حالياً، وهناك مشروع آخر تعد له وزارة الثقافة لتبنى المواهب وتدريبها، ولحل مشكلة عدم وصول نتاج الفكر المصرى للأقاليم والقرى أصبح لدينا معارض الكتاب التى وصل عددها 100، فى المدن والقرى»، وتابع: من الضرورى أن يكون فى مناهجنا التعليمية مادة عن الهوية المصرية على غرار التربية الوطنية، فنحن نعيش فى عالم يحاول محو الهوية الوطنية، ومعركتنا مواجهة تلك الهجمة الشرسة وأن نرسخ الهوية لدى الشباب، وأوضح قائلاً إن «النخبة الثقافية قريبة من الشباب ولكن المسألة أن الشباب يرفض التوجيه المباشر، يجب أن تكون رسالتنا غير مباشرة، إما فى صورة أعمال روائية تحمل رسائل ترسخ للهوية، أو جلسات تنمية بشرية تتحدث عن الهوية ومحاضرات فى اللغة عن هويتنا، وهو الأجدى والأكثر أثراً، يجب أن تكون رسالتنا مغلفة بالهوية الجغرافية والتاريخية واللغة، وإذا نجحنا فى ذلك سيكون لدينا مشروع قوى، وكل ذلك يحتاج تعاوناً بين جهات ووزارات عدة فى مشروع قومى يعيد الشباب للمسار ويرسخ لديه هوية بلده»، وتابع حديثه بأن لدينا مشكلة كبيرة مثلاً فى أن بطولات جيشنا لم تكن يوماً محل إنتاج سينمائى حقيقى، كان دائماً قصة حب وعلى هامشها حرب أكتوبر مثلاً، لكن البطولات الحقيقية سواء فى أكتوبر أو قبلها وبعدها منسية، رغم أن هيئة الكتاب أصدرت كثيراً من الكتب التى تتناول فى شكل روائى قصصاً تتعلق ببطولات وقصص نجاح مصرية، منها مذكرات الفريق عبدالغنى الجمسى، الذى يعتبر واحداً من أهم 50 قائداً عسكرياً فى التاريخ، وكتاب «المصريون والحرب» لجمال الغيطانى، ومؤلفات المراسل الحربى عبده مباشر، وغيرها، ونحن ندعو شركات الإنتاج للاستفادة من تلك الكنوز، بدلاً من التحجج بعدم وجود ورق، والتصدى لإنتاج عمل حقيقى عن تلك البطولات، وأكد أن لدينا شباباً شجعه أحمد مراد وأحمد خالد توفيق على القراءة، وهو الآن على مشارف مرحلة أكثر تطوراً من القراءة، تلك المرحلة تحتاج منا التكاتف لإنجاز مشروع تاريخى ثقافى ضخم يرسخ مفهوم الهوية، وأكد أن الوصول للشباب يحتاج أن نحدثهم بلغتهم، والحل فى النشر الإلكترونى، ولن ننجح إلا بمشروع ضخم بمظلة نشر واحدة عربية تجمع ناتج الفكر العربى تحت مظلة واحدة، وباتحاد تلك القوة سيصبح لنا تأثير.
"عبدالحافظ": على الدولة إنجاز مشروع تجديد مضمون التعليم وبرامجه وإنجاز الثورة العلمية والتقنية
وقال الدكتور محمد حسن عبدالحافظ، أستاذ الأدب الشعبى بأكاديمية الفنون بالقاهرة، رئيس قسم الدراسات والبحوث بمركز التراث العربى بالشارقة «لم نعد فى حاجة إلى أدوار المثقفين الذين ينتدبون أنفسهم لمهمات أكبر من حجمهم بكثير، فهى أدوار لا تنتمى إلى المعرفة والثقافة، نحتاج إلى إفساح الطريق أمام المثقفين الباحثين الذين يشتغلون فى مجال فهم العالم وتفسيره، وليس الادعاء بمهمة تغيير العالم»، وتابع: نحتاج إلى مثقفين جدد يجاوزون تناقضات جيل النهضويين فى القرن التاسع عشر ومطلع العشرين، بإعادة بناء مشروعهم، بأهداف ومطالب جديدة، وبإعادة ترتيب بين عناصره، مثقفين يعززون الحقوق الجماعية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التى طالما أهدرت لصالح الحقوق (الفردية والفئوية) السياسية، مثقفين يرتفعون بالممارسة إلى مستوى الحاجات التاريخية الكبرى، مثقفين ملتزمين بالنزاهة العلمية والموضوعية فى التحليل والأحكام، مثقفين مجاوزين للوقائع ومنتجين للمنظومات، يعتمدون الاستشراف الاستراتيجى وليس التكتيكات، واستطرد: يجب أن نضع فى صدارة أولويات البناء والإصلاح والتنمية، أمام المثقفين، مطالب وتدابير معرفية حيوية، منها: تنمية التوجه العلمى المركب من النظرى والميدانى والتطبيقى، وتمرين الذات على ممارسة النقد والمراجعة، وبناء علاقة متوازنة بين الأنا والآخر، وأضاف: على جماعة المثقفين المنوط بها مراجعة أسباب الإخفاق والتهديد، إعادة النظر فى آليات التبعية الذهنية والثقافية للآخر الغربى والشرقى ومواجهة ضغوطها على الأجيال الجديدة، وتعزيز المثاقفة المتكافئة والمتزنة مع العالم، وإعادة اكتشاف ما تكتنز به الثقافة الشعبية وتراثها ومأثوراتها من قيم رمزية، قابلة للاستلهام بصور مبتكرة وملهمة، فى أوعية إعلامية وثقافية وإنتاجية جديدة، وصولاً إلى رؤية لتأسيس أنظمة ثقافية غير مغتربة عن العصر، وعلى الدولة إنجاز مشروع التعليم لكل أبناء الشعب، وتجديد مضمونه وبرامجه، وإنجاز الثورة العلمية والتقنية على نحو ما نجد فى تجارب اليابان وسنغافورة وماليزيا والإمارات وبعض بلدان أمريكا الجنوبية، وإعادة الحضور للثقافة الشعبية، وللخيال الجمعى، فى رسم السياسات الثقافية.