لو أن الشخص الذى سيكلف بوزارة الزراعة أهل لهذه المهمة لاجتهد لتحقيق عدة أهداف، تتعلق بتضييق فجوة غذائية قوامها حالياً 160 مليار جنيه سنوياً، بما يتوازى مع خطة الدولة، ودون المضاربة مع السياسات الدولية.
الزراعة فى مصر لها خصوصية لم تكن تتشابه سابقاً مع خصائص معظم دول العالم المنتجة للغذاء (حبوب، خضر، فواكه، لحوم، دواجن، وأسماك)، لكنها مُنِيَت ببعض الخصائص المشتركة التى فرضتها التغيرات المناخية على الكرة الأرضية، فأضافت تحديات جديدة لم ندرسها فى كتب الجغرافيا، ولا فى مدرجات كليات الزراعة والعلوم والهندسة.
ومن المسلمات، أن وزير الزراعة يجب أن يكون شخصاً ذا علاقة بالإنتاج والخدمات والمتابعة وبالسياسة أيضاً، ولا ينصلح حال الأخيرة لدى وزير الزراعة إلا إذا عزف عزفاً متناغماً على الأوتار الثلاثة الأوَل، حيث إن السياسة فى الأصل فكر متعلق بالجماعة البشرية.
10٪ فقط من أساتذة الجامعة، و20٪ فقط من أساتذة مركز البحوث الزراعية، لديهم علاقة بالزراعة، من باب استشارى وعلمى وخدماتى على الورق، حين يضع برنامجاً سمادياً ينقض به البرنامج الذى تعممه لجنة معهد بحوث الأراضى والمياه والبيئة، ويتم تطبيقه من خلال الوزارة فى جميع أراضى مصر، بصرف النظر عن دراسة خريطة الخصوبة، أو مراجعتها كل عشرة أعوام على الأكثر.
قطاع الإرشاد الزراعى تآكل، أو تُرِك ليأكل نفسه، حيث تقلصت ميزانيته بأفعال فاعلين، ولم يكن هناك قائم على حقيبة «الزراعة» يعنيه شرف المحاولة لإحياء هذا القطاع وتطويره لمواكبة احتياجات التربة المصرية والمُزارع المصرى.
أما الشق السياسى فى عمل «الوزير»، فهو الجانب الأكبر فى الحقيبة، ويختص بالواجبات الحكومية، والعلاقات الدولية، بما فيها من نُظُم وقوانين واتفاقيات دولية، سواء على صعيد البيئة، أو المناخ، أو الصحة النباتية وصحة الحيوان، وسلامة الغذاء، وكله موجه لصالح صحة الإنسان، وكلها أمور غالباً ما تكون مدرجة فى أجندة تقودها أنظمة الدولة، وفقاً لمقتضيات الأمن القومى والمجتمعى.
الشق الفنى فى مهمة «الوزير»، متعلق بإدارة الإنتاج النباتى والحيوانى والداجنى والسمكى، من خلال مشروع قومى لصيانة التربة المصرية (صرف ورى وخصوبة)، ووضع خريطة خصوبة جديدة، وإصلاح المنظومة البشرية العاملة، وإدارة الماكينة البحثية المعطلة عمداً، ونفض بطالتها المقنّعة، بهدف إنتاج «تقاوى» مصرية، وشتلات فاكهة وخضر محلية، وتسجيل الأصناف المصرية لحقن مدفوعات التصدير للدول مالكة الأصول النباتية.
الشق الفنى أيضاً يتعلق بإحياء منظومة الإنتاج الداجنى التى بلغت مستوى عالمياً قبل 2006، وقبل أن تغزو إنفلونزا الطيور البيئة المصرية، فتعيدنا ألف خطوة للوراء، لتكون القفزة عشر خطوات للأمام مرة أخرى عديمة الجدوى.
الشق الفنى فى عمل الوزير أيضاً، يتضمن مسئولية حماية الثروة الحيوانية لدى الفلاحين وصغار المربين، والتى تغطى فقط نحو 55٪ من احتياجاتنا من اللحوم الحمراء، وللأسف قضت عليها أمراض الجلد العقدى والحمى القلاعية، والسبب فى استيراد المصل واللقاح من الخارج.
إحياء منظومة الإنتاج الداجنى والحيوانى، التى تشبه ديناصوراً نائخاً، لن يتم إلا بتنفيذ الأفكار اللماعة التى سرعان ما انطفأت فور إذاعتها، ومنها: شركة مساهمة مصرية لإنتاج اللقاحات من عترة مصرية، لضمان توفير لقاحات أو أمصال معرّفة باسم الفيروس أو الميكروب الموجود فى البيئة المصرية، سواء للدواجن، أو الماشية والأغنام.
من بين أسباب إنقاذ صناعة الدواجن مثلاً، إنشاء شركة مساهمة مصرية لتسويق الدواجن، تكون قادرة على تمويل شراء الطيور الحية من عنابرها، وتوجيهها إلى المجازر، ثم منع استيراد الذرة خلال شهور إنتاج الذرة المصرية، مع توفير مجففات لمحافظات الوجه البحرى، ومنح التعاونيات ملف تسويق الحاصلات الزراعية (مجموعة الحبوب) مرة أخرى.
هذه المنظومة أيضاً، لن ينصلح حالها إلا بالتطبيق الفورى المرحلى لقرار منع تداول بيع الطيور الحية، ولو فى القاهرة الكبرى والإسكندرية، ولكن بعد تكليف كيان مالى تعاونى عملاق، أو البنك الذى كان «للتنمية الزراعية» سابقاً، بتمويل عملية تطوير محلات بيع الطيور الحية (نحو 4000 محل) فى المنطقتين المذكورتين فقط، بحيث يكون المحل كمنفذ لتسويق الدواجن المبردة والمجمدة.
من أهم صفحات الملف الفنى للقائم بحقيبة «الزراعة»، تلك المختصة بالثروة السمكية، ويكفينا أن مصر ذات خصوصية تُحسد عليها فى هذا المجال، حيث تملك 10 بحيرات طبيعية، وأكبر بحيرة صناعية على الأرض، إضافة إلى سواحل بحرية ونيلية تزيد على 6 آلاف كيلومتر، ولا تزال مصر تقف عند حدود الاكتفاء الذاتى فقط، مع استيراد كميات قليلة من التونة والرنجة والماكريل، أو ما يعرف بأسماك المياه الباردة.
تطهير البحيرات من التعديات عليها بالبناء، وإزالة المزارع المقامة داخلها بالمخالفة لقانون البحيرات، ومنع الصيد الجائر، وتطهير قيعانها بالأساليب والمناسيب العلمية، والأخذ برأى الصيادين فى حلول مشاكلها، والأخير أمر بالغ الأهمية فى باب «تنمية الثروة السمكية» بالفعل، وليس بالقول.
تعديل قانون استخدامات المياه للزراعات السمكية، وهذا يلزمه عرض أمين على الجهات التشريعية، والعرض الأمين لا يتوافر لمن لا خبرة له، ولا هدف أمامه سوى حصد لقب «وزير»، لإضافته فى بطاقة الرقم القومى، وتوثيقه فى نعى وفاته إذا حل الأجل الأخير.